شعار قسم مدونات

باحث عن إيمان يحميني.. فأنا المهزوم في هذه الحياة!

blogs عبادة

تمضي الأيام والسنون، كذلك حياة الإنسان، بداية إلى نهاية مجهولة، من صرخة ولادة إلى موت محتم، من دمعة فرح إلى شهقة حزن، هي روح في جسد علمت أن أجلها قد حان في صمت تغادر إلى مثواها هناك في أعلى عليين ليظل الجسد جثة هامدة، تنسى في باطن الأرض. بين قوة وضعف، شباب وشيب، هي حكايات عديدة، تلازم مناطق الظل، في أعماق الذوات، هي فصول منسية تحمل خبايا وأسرار.

علمني والدي حب الله والتفاني في احترام الوالدين في الوقت نفسه، حدثني عن الجنة والنار، حدثني عن أوصاف طويلة للجنة وعن أعظم نعيم أهلها، هو منتهى النعيم، انفتحت عيناي، فرحت أتخيل طيف هذه الجنة الفريدة، لا زلت أحفظ أوصاف ذلك النعيم عن ظهر قلب، حدثني والدي عن القلوب، القلوب تتقلب يا بني إياك أن يزيغ قلبك فتزل، فأوصاني أن أخاف من قلب يتقلب.

تتملكني أحايين خوف، نعم أخاف يوما تنسيني فيه الدنيا نفسي وخالقي، فأنقاد إلى الهوى، وأنقلب مع الخاسرين، أن ينطفئ فتيل شعلة إيمان رسخت في القلب، فأهدته راحته وطمأنينته، أخاف أن أتقلب بين ثنايا الباطل، فأرى الحق باطلا، ويغدو الباطل حقا، أن يبتلع لساني صوت الحق فأصير ظلوما جهولا، يراودني خوف من غدر الزمن، أخال نفسي يوما أقف فيه على عتبة الحياة بالكاد أغادرها، عقارب الزمن توقفت لم تعد تعمل، فألقي نظرة على شريط الحياة لأتأمل العمر، فأجد نفسي مثقلا خاملا محملا بخطايا الدنيا وذنوب الآخرة حينها أصاب بندم عميق.

هناك في باطن الأرض، أناس يحملون التراب بين أضلعهم، كانوا يوما يحيون مثلنا، رحلوا فرحلت ابتهالاتهم، منهم من صدق ما عاهد الله عليه، ومنهم من نكث، منهم من ندم على ما فات

على مدى سنوات ثقيلة لم أشفى بعد من عقدة الخوف تلك التي تتملكني، ربما رسخت يقينا، لا زلت أهاب الفراغ الذي يملئني والذي يتملكني من حين إلى آخر، أخاف أن أجد نفسي وحيدا في نفق الحياة ما أنا بداخله ولا خارجه، أخاف من فتن الدنيا، فلتاتها وملذاتها، أخشى من أحاديث الهوى أن تستحوذ على وجداني، فتحركني نحو الضلال، أخاف من روايات العاشقين التي تراودني عن نفسي، أخاف من ذلك الصوت البعيد، من أقاصي ظلمات حالكة، أسمعه يناديني في لحظات السقوط والفشل.

أجد نفسي في كون بديع على أرض واسعة وشاسعة أمام أجوبة عديدة لسؤال واحد ووحيد، ما غاية الخلق؟ أدرك يقينا أن وجودنا في هذا الكون ليس عبثيا كما أدرك أننا أصبحنا في مجتمع تخلفت فيه الأفكار وتلوثت، في عصر أصبح الإنسان كثير الركض خلف تحقيق الماديات كهدف أسمى، في عصر نمر على آيات الله نقرأها فلا نتدبرها ولا نلقي لها بالا، نمر عليها مرور الكرام، نتناساها فنتناسى القواعد.

 

في عصر حيث الأخلاق والقيم تلاشت، لوهلة عادت بي أمواج الذاكرة لساعات خلت، رأيت فيها أمورا رهيبة ومعتمة، حينها أدركت الفساد المهول الذي انقشع في الظلام، أهاب الظلام الذي يعيق مسار أشعة النور، ذلك النور الذي يتوغل إلى أعماقنا، فيشرح صدورنا وينير ما بداخلها من عتمة، هو ذاته الذي يغير مجرى حياتنا، والذي يهدينا سبلنا.

أفكر باستمرار في الموت، ذلك الفناء، تلك اللحظة السرمدية التي يتوقف فيها خفقان القلب، حينها تصبح مجرد ذكرى يحتفظ بها الأحباء، كذلك تنسى مع مرور الوقت، كأن لم تكن، تنبري هذه الأفكار في رأسي كل حين وأسمع صداها، حقيقة يعجز العقل عن الاستيعاب، إنما هي الحقيقة. في عالم مزيف، نعيش الحلم، حلم الحياة، بكل تفاصيله الدقيقة، بكل ثوانيه الثقيلة، بحثا عن الحقيقة الخفية، ربما ليست خفية، إنما ظاهرة نتجاهلها وهي الموت.

أحن إلى أهازيج الاستغفار التي كانت تغويني، أحن إلى الخشوع الذي يرقى بالروح إلى معارج الوجد والفناء، هي هكذا نفوسنا تعبث بنا عندما تشتهي ما لا يشتهيه عقلنا
أحن إلى أهازيج الاستغفار التي كانت تغويني، أحن إلى الخشوع الذي يرقى بالروح إلى معارج الوجد والفناء، هي هكذا نفوسنا تعبث بنا عندما تشتهي ما لا يشتهيه عقلنا
 

الموت مصيرنا، يسكننا في كل اللحظات، يلازمنا منذ ولادتنا، يرافقنا على امتداد سنوات، لا نراه انما هو بجانبنا، ينتظر قدوم الملك ليخطف روحا، يحدث في بعض اللحظات أن ألمح شبح الموت الحتمي عند مغادرة كل إنسان، كل قريب، كل حبيب، أن أحس بنفحات الموت تخترق أجسادهم، تزعزع كيانهم، أن أسمع أنينهم الذي لم يسمع. أعيش الزوال في دنيا تغلغلت في روح إلى جسد، يوما سأخرج من حياة فانية إلى حياة خالدة، إلى ذلك الحين، سأظل أعانق الأقلام بأناملي طلبا للعلم، حتى لا أضيع ساعات عمري في الفراغ وسط عتمة الدروب.

بعيدا، هناك في باطن الأرض، أناس يحملون التراب بين أضلعهم، كانوا يوما يحيون مثلنا، رحلوا فرحلت ابتهالاتهم، منهم من صدق ما عاهد الله عليه، ومنهم من نكث، منهم من ندم على ما فات، كثيرون منهم تمنوا "رب ارجعون".. رسالتي للقلوب التائهة التي اخترقتها أعيرة الأهواء فاستسلمت، ابحثوا عن جمال قلوبكم وطهرها، ابحثوا عن النور في عمق الظلام، ابحثوا عن الايمان الذي يمنح القلب توهجه وكماله.

أنا الفاني وأنا المهزوم في حياة فانية، كلي ذنوب تعتريني العيوب، أحن إلى ساعات نصف الليل، إلى نسيم هواء الفجر الرطب والنقي، وصوت الإمام الشجي الذي يجعل آذاني في تناغم مستمر مع تراتيل القرآن الكريم، أحن إلى أهازيج الاستغفار التي كانت تغويني، أحن إلى الخشوع الذي يرقى بالروح إلى معارج الوجد والفناء، هي هكذا نفوسنا تعبث بنا عندما تشتهي ما لا يشتهيه عقلنا. في مكان ما في ثنايا قلبي، تسكن عديد الشوائب التي تغطي نور ذلك الجوهر، فتمنعه من البزوغ أرسو على بحر مظلم تتقاذفني فيه أمواج مظلمة وأوهام بنعيم زائف فيأفل جوهري شيئا فشيئا.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.