شعار قسم مدونات

ديبافالي.. عيد لانتصار الخير على الشر

blogs التسامح ونبذ الطائفية

إنها ليلة عطلة رسمية في البلاد، في مثل هذه الليلة الصاخبة من كل عام تنطلق أصوات الألعاب النارية في أرجاء ماليزيا، احتفالًا برأس السنة الهندية، رابع أيام عيد ديفالي الخاص بالهندوس والسيخ والبوذيين، وDeewali في السنسكريتية تعني "الصف من الأضواء" الرامزة إلى انتصار الخير على الشر، وانتصار النور على الظلمة كما في أساطير الآلهة القديمة.

أجمل شيء في ماليزيا، أجمل من خضرتها، هو هذا التعايش الخرافي بين شرائح مجتمع عرقي بامتياز، هنا ترى الأديان؛ المسلم والمسيحي والبوذي والهندوسي والسيخ، جيرانًا وزملاء عمل وشركاء في وطن، ترى الصيني الأصفر والماليزي الأسمر والهندي الأسود يقفون متساوين في صفوف الانتظار ومتجاورين في القطارات ومقاعد الدراسة.. ما أجملهم!

في بداية العام الماضي تقريبًا، زار ماليزيا د. ذاكر نايك لإلقاء عدد من المحاضرات. في سلانجور، الولاية التي كنت أقيم فيها، ألغى القضاء واحدة من محاضراته عقب رفع قضية ضد عنوان المحاضرة الذي يهدد السلم المجتمعي في البلاد.. وأنا، وإن كنت مسلمة، فقد سعدت بهذا يومها! سعدت بالقضاء العادل وبدولة المواطنة هذه. في تلك الأيام، صدر أمر ملكي بمنع استخدام مكبرات الصوت في مساجد ولاية سيلانجور لبث الدروس الدينية، واقتصار ذلك على قراءة القرآن والأذان للصلوات، قال البيان: "إن هذا القرار يأتي للحفاظ على الصورة العامة للإسلام في الولاية، والحفاظ على أواصر المجتمع بشكل عام"، تذكرت حينها كلمة قالها جدي قبل أعوام تعقيبًا على سهرة شباب "إسلامية" صاخبة في منتصف الليل، قال: لو كان هذا قرآنًا لأزعج الناس!

نحن من يخلق الطائفية، والساسة من يقتتلون لمطامع ومصالح، ما ضر لو تركونا شعوبًا فقط لنحل مشاكلنا ونتصالح في خمس دقائق خلال توصيلة في سيارة! اتركونا نختلف ونتنوع ونتقبل ذلك!

قبل مدة أيضًا، ضجت مواقع التواصل في ماليزيا بجدل كبير عقب افتتاح مغسلة ملابس للمسلمين فقط في ولاية جوهور، أيام قليلة، وربما ساعات، ثم أغلقت السلطات تلك المغسلة. انتشر بعدها فيديو يوتيوب آخر أثار الجدل، يظهر فيه أحد الدعاة الماليزيين "زاميهان ماتزين" منتقداً طلب سلطان ولاية جوهور من مالك مغسلة الملابس إغلاقها أو تغيير اللافتة، واصفًا الماليزيين من العرقية الصينية بأنهم غير نظيفين، وسرعان ما اعتقلت الشرطة الماليزية الداعية، وأودعته قيد التحقيق، بسبب "تحريضه على الفتنة".

هنا، اختلفنا مع اعتقاله أو اتفقنا، يروق لي مقارنة تعامل الدولتين؛ الماليزية والسعودية، مع مروجي الكراهية والعنصرية الطائفية. ويروق لي أيضًا ما قاله سلطان ولاية جوهور: "إن من لا يستطيع العيش بشكل متناغم في المجتمع عليه الانتقال للعيش في الكهوف، وأن هذه القيود المفرطة في المجتمع تجعل العيش فيه أمرًا مستحيلًا" واصفًا الداعية المعتقل بأنه "وعاء فارغ" تحدث بغطرسة، وسخر من الأعراق الأخرى. فكم يا إلهي من الأوعية الفارغة والبالونات المنتفخة المتفرعنة في بلادنا يُسند لها الأمر والنهي، تحلِّل وتحرم، تزرع الأحقاد وتنشر الإرهاب ثم تحاربه وتجمع علينا مشارق الأرض ومغاربها ليحاربوه على أراضينا!

أشعر أحيانًا أننا حمقى نحن العرب! في الجامعة قبل أعوام، تشاجر طالبان عراقيان، سني وشيعي، أمام الطلبة حين أثار المحاضر سؤالًا عن التعداد السكاني ونسبة الشيعة في العراق. بعدها بأيام، في حديث جانبي، علَّق طالب عراقي قائلًا للمحاضر: "الصينيون، يعني الماليزيين ذوي الأصول الصينية، يفسدون شبابكم بلباسهم وثقافتهم فلمَ لا تحاول الحكومة التخلص منهم". لم أتمالك نفسي، قلت يومها إنه يصعب على من تربى في أحضان الطائفية أن يفهم التعايش السلمي في هذه البلاد، ألا يكفيكم ما فعلت الطائفية في العالم العربي لتتعلموا الدرس قبل أن توجهوا النصائح وتنظروا على الآخرين!".

 

ندمت على حدتي لكن شيئًا فيَّ انتشى يومها لأني قلت ذلك.. نشوة أخرى حين أوصلت طالبة معي بالسيارة، أعجبت بأغنية كنت أسمعها، وسألتني عن معنى كلماتها، ثم اكتشفت أنها فتاة إيرانية، هل علي أن أكرهها الآن بعد حديثنا الجميل، صورة هذه الفتاة في جواز السفر، كأغلب الإيرانيات، بخمار أسود، لكنهم في الجامعات هنا حاسرات بملابس ضيقة تشف أحيانًا، وشبه عرايا في الأماكن السياحية. هؤلاء لا تمثلهم بلدانهم ولا يحاربوننا بدين ولا مذهب، إنما نحن من يخلق الطائفية، والساسة من يقتتلون لمطامع ومصالح، ما ضر لو تركونا شعوبًا فقط لنحل مشاكلنا ونتصالح في خمس دقائق خلال توصيلة في سيارة! اتركونا نختلف ونتنوع ونتقبل ذلك!

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.