شعار قسم مدونات

هَمَسَاتُ حَرْفِ الْسِّينْ

blogs - praying

قصتي مع الصلاة قصة جميلة وأردت أن أشاركها معكم. سأبدأ قصتي منذ صغري، كنت أراقب والداي وإخوتي عند أدائهم لصلاتهم، وكل ما كنت أراه من حركات صعود ونزول وكل ما كنت أسمعه من همسات حرف "السّين"، لم أفهم ما كانوا يرددون، فقد كنت صغيرة جدا وكنت أهوى التقليد كثيراً، فكلما رأيت أمي تصلي، سارعت بوضع السجادة حذوها، وكنت أنزل كلما نزلت، وأقوم كلما قامت، لم أفهم ماهية الركوع ولا السجود، لكنني كنت أقلد، وأُسرُّ كثيراً عند تمتمتي لحرف السّين مثل أمي..

 

وبعد مدة بدأت أمي في تعليمي للصلاة، وكانت تصلي بصوت أعلى حتى أتبعها خطوة بخطوة، وكانت فرحتي عظيمة عندما اكتشفت سر حرف السّين الذي كان يحيرني.. وأخيرا تعلمت أداء الصلاة!. سينٌ في "بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ"، وسينٌ في "أستغفر الله وأتوب إليه"، وسينٌ في "السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته ". بقيت أصلي كل يوم وكان كل من أبي وأمي وأختي يساعدانني حتى لا أنسى أداء صلواتي.. صحيح أنني نسيت عدة صلوات ولم أؤدها حتى إذا تذكرتها، كنت أتناسى في بعض الأحيان بحجة الكسل أو التعب، غير أنّي بقيت أصلي وأنقطع، أصلي وأنقطع.

 

وكانت فترات انقطاعي طويلة وفي بعض الأحيان أبقى لأشهر دون صلاة، أو بالأحرى دون حياة.. كنت أختنق وأشعر بالضيق كلما ابتعدت عن آدائها، أحس بغضب ربي وأشعر بالندم الشديد.. وكثيراً ما قمت بأحاديث طويلة أنا وضميري، شعرت لوهلة أنني ميتة ولا ضرورة لأن أحيا مرة أخرى، أيّ أن ندمي كان يأكلني ويسلب مني روحي، فالروح عطشة لملاقاة ربها، كنت حقا بحاجة إلى أن أحيا من جديد، لكن لم أعلم ما هو سبب بعدي عن صلاتي، فأنا محاطة بالنعم التي أعطاها لي خالقي، إذن لماذا لا أشكره؟ ولماذا لا أدعوه حتى يحفظ لي هذه النعم؟

أؤمن بربي وأراه دائما يمد لي طرقا منبسطة تخلصني من كل الأشواك التي تعترضني في طريقي، يجب فقط أن أتحلى بالصبر والإيمان، ثم أشرع في البحث عن طريقة للوصول الى الطريق المنبسطة

مرت سنين وأنا في حالة فوضى، أصلى مرة وأتوقف أخرى، ووصلت إلى مرحلة أرغم فيها نفسي على الصلاة خاصة في مرحلة الامتحانات لأنني أعلم أن الله هو الوحيد القادر على مساعدتي وتسهيل أموري، وعندما تنتهي فترة الامتحانات أتوقف عن الصلاة.. كنت آخذ ما أريده عند حاجتي وأغادر كلما نلت ما أردته.. يا ويلي عما كنت أفعله! كنت أستغل إلهي الذي خلقني وسواني على أحسن تقويم! كنت أصلي فقط من أجل طلب المساعدة، ونسيت الشكر على قبول الدعاء.. ثم مرت سنين، وأصبح عمري 15 سنة، وكانت أول سنة ألتزم فيها بأداء صلاتي، حتى أنني وضعت جدولاً لتنظيم مواقيت الصلاة وكنت أفرح عندما أكمل الأسبوع إلّا وملأت كل هذا الجدول، لاحظت أنني أصبحت منتظمة في كل مواعيدي؛ وقت للعبادة، وقت للدراسة، وقت للمرح..

 

هذا أول درس علمته لي الصلاة؛ الانضباط.. مرت سنة وجاء شهر رمضان، لم أعش هذا الشهر بحلاوته من قبل، لأنني لم أكن أشعر بقيمة هذا الشهر الفضيل ولم أقم بالأشياء التي تبرز طعمه، كنت في السابق أنام كثيرا وأتكاسل، لا أصلي وأشاهد التلفاز وأستعمل الفايسبوك طوال الوقت، كان رمضان كبقية أشهر السنة والفرق الوحيد هو الصيام عن الأكل. لم أعرف أن الصيام يشمل التوقف عن تضييع الوقت في التفاهات.. المهم أنني في ذلك الشهر، شاهدت برنامج الدكتور عمرو خالد، وكان هذا البرنامج مصدر تغيير لحياتي، لقد فهمت معاني صلاتي التي أديتها عدة مرات من قبل، وبدأت في حل ألغازها وفهمها جيدا، يا الله لم أكن أعلم بأن الصلاة هكذا! ما أجملها وما أعمق معانيها! فلكل حركة مغزى ولكل كلمة هدف..

 

صدقوني لم أخشع في صلاتي من قبل، لكن بعد أن فهمت معانيها، أصبحت أصلي فأدخل في عالم روحاني خفيف ولطيف، حتى أنني أصبحت أبتسم في صلاتي لأنني أعلم أنني ألاقي ربي وأكلمه، وفي الماضي، كنت أقضي أقل من 3 دقائق في الصلاة، لكن الآن أصبحت أقضي من 8 إلى 15 دقيقة لأنني أطيل سجودي ودعائي وشكري لله عز وجل، ففي كل فترة أفك رمزا جديدا في الصلاة، صدقوني أفرح عندما أكتشف شيئا جديدا في عبادتي، لم أشعر بلذة الصلاة من قبل، لكنني اليوم وأنا أبلغ 18 سنة، أصبحت صلاتي لذة أستمتع بها وأروي بها روحي العطشة.

 

ما زلت أتأخر في آدائها لكنني متمسكة بها ودائما أدعو الله بأن يثبتني في ديني وفي صلاتي ولا يبعدني عنه وعن رحمته أنا وجميع المسلمين، أرجو أن يعلم الجميع بأهمية الصلاة فهي غيرت حياتي 180 درجة. وكلما دعوت الله استجاب لي وسهل لي أمري، حتى وإن كان صعب المنال. أحس بقربه في كل لحظة أعيشها، أشعر به في كل دقات قلبي التي تدبّ بالسعادة، من قال أن الحياة تعيسة وسيئة؟ كل هذا زائل بجوار الله، أصبحت أرى في الشر جزءاً كبير من الخير، لا يوجد سواد إلا وانبثق منه النور، صدقوني لا يوجد مشكل ليس له حل.

 

أؤمن بربي وأراه دائما يمد لي طرقا منبسطة تخلصني من كل الأشواك التي تعترضني في طريقي، يجب فقط أن أتحلى بالصبر والإيمان، ثم أشرع في البحث عن طريقة للوصول الى الطريق المنبسطة، هذا أهم ما تعلمته من صلاتي ومازال العديد والعديد من الدروس التي تنتظرني لأحلها في حياتي بإذن الله إن عشت المزيد من الوقت.. وأخيراً أدعو كل الناس الى التقرب الى ربهم، سيطيب لهم العيش مهما كانت ظروفهم، فالصلاة حياة! هذه قصتي، وأشكر ربي أنني شاركت معكم أفضل مرحلة مررت بها في حياتي.. دمتم في رعاية الله.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.