شعار قسم مدونات

ّفيُهودانِهِ أو ينَصّرانه

blogs - التربية
سنحضِرُ له مهداً"، تقولُ جدتهُ، أما العمة فتأخذ على عاتقها أن تَخيطَ له كنزةَ صوفٍ من صُنْعِ يديها، وتنظر الزوجة لزوجها وتقول له "ستأتي معي لنشتري ملابساً لابننا"، وتبقى العائلة طيلة فترة الحمل بالجنين في تحضير دائم وحماس لا يخبو تأهباً للحظةِ الولادة، ويحضّر اﻷبوان مستلزمات مولودهما كافة، ولكن هل هذا حقاً ما يحتاجه الطفل؟ ستكون اﻹجابةُ بالطبع هذا أكيد في البداية والشهور اﻷولى إضافة إلى أنه يحتاج الحنان والرعاية، ولكن ماذا بعد الشهور اﻷولى؟ ماذا حين يبدأ الطفل بالتفاعلِ مع محيطه والاستماع لمن حوله وفهم مشاعرهم الحانية أو الغاضبة عليه؟ ماذا حين يبدأ الطفل الكلام ولو حتى بتمتمات؟

إنَّ أهم شيءٍ يجب أن ينتبه إليه الوالدان هو مدى استعدادهم وتحضرهم وإدراكهم الثقافي والمعرفي لموسم الزراعة القادم، أجل فالتربية زراعة؛ ما تضعه في الطفل تحصده، فالكلمات التي تخرج من شفتي اﻷم على سبيل المداعبة، أو الكلمات التي ينطق بها اﻷب على سبيل التأنيب والعقاب تُزرع في عقل الطفل ووجدانه، وكذلك اﻷماكن التي يزورها الطفل ويرتادها في أيام طفولته ستصنع عالمه وفكره للغد، فهو باعتياده عليها سيواجه صعوبة في التأقلم مع أماكن أخرى خاصةً حين يكون هذا المكان مخالفاً لما نشأَ وتربّى عليه والاستثناءُ قليلٌ ومحصور.

بعض اﻷهل لا يلتفتون أساساً أنه حين يكون أباً أو حين تكون هي أماً فهذه مَهَمَّةٌ صعبةٌ، وعمليةٌ معقدة تحتاج طبيباً متيقظاً لسنواتٍ ودائماً، وأقصد هنا بأنها " مَهَمّة توكل إليهم" ليس بأن يجنوا المال وينفقوا على أبنائهم ويوفروا لهم رغيد العيش، وليس أن تحضّر اﻷم ﻷطفالها الطعام وفقط أو توفر لهم حماماً دافئاً أو مناماً هادئاً؛ فهذه صحيح ضرورية ولكنها تبقى عوامل مساعدة وهناك عنصر أساسي هو اﻷهم ويتمثل بصقل روح الطفل وتهذيبها، والاهتمام بكيانه ووجدانه، بتربيته تربيةً صالحةً قويمة منشأها الدين وغرس القيم والقضايا العليا في صميم قلبه، فيكون عُمْرُ الطفل من صغره لله، ويكون الزوجان بذلك حققا معنى الزواج الذي قصدته الشريعة اﻹسلامية، فإن كان ابني سيعرف كيف يأكل الطعام بشوكة وسكينة ولا يعرف شيئاً عن انتصارات المسلمين ولا يفقه شيئاً من أحوالهم فلا حاجة للأمة به، وإن كانت ابنتي ستعرف كيف تنسق ألوان ملابسها، وتَخُط خط "اﻵيلاينر" دون خطأ، وتضع الروج اﻷحمر بكل مهارة، وفي الوقت ذاته لا تعرف أن للحديث الشريف متن وسند فلا خير في تربيتي لها.

لمن واجب اﻵباء أن يزرعوا في أبنائهم هَمَّ هذه اﻷمة وجراحاتها، وتعلميهم قضاياها الكبرى والمحورية وعلى رأسها قضية فلسطين، وإني ﻷجزم غياب التربية اﻹسلامية في معظم بيوت المسلمين.

لو أنَّنا نَزرعُ في أبنائنا حب العقيدة والعمل ﻷجلها منذ الصغر لَما رأينا الجهلة والعميان يغزو وجودهم أمتنا، ولَما وفَد دولنا الغباء واﻷفكار السقيمة المخالفة لفطرة البشر وما دعا إليه خالقنا ووليّنا، وأساس تحقق هذا هو أن ينوي الشاب والفتاة زواجهما لله ولعقيدته، لا ﻷجل سد رغبة أو حاجة ولا ﻷجل تحقيق عادةٍ أو تقليد، والمرحلة الثانية تكون باﻹعداد لهذا فما أجمل أن يعمل الشابان خلال فترة الخطوبة وأن يستغلاها كفترة تحضيرية إلى جانب السائد من تبادل كلمات الحب والوعود التي لا تنفذ غالبيتها بعد الزواج! فكم ذلك سيوثّق الودَّ بينهما حين يذهبان سوياً ليحضرا ندوات ودورات تأهيليةً في تربية اﻷبناء! وكم سيقربهما حين يتفقان على قراءة كتاب معين فيزدادا معرفةً به وعلماً!

وما أروعَ أن يستيقظَ اﻷبوان فجراً ويوقظان أبنائهما للصلاة، وأن تُصبحَ أذكار الصباح والمساء عبادةً ونشاطاً أسرياً جماعياً، فيتولى اﻷب أو اﻷم قراءة اﻷذكار بصوت مسموع ويردد اﻷبناء من خلفهما، ولي أن أتخيل سعادة اﻷطفال بهذا، إذ أن اﻷطفال يحبون بشدة اﻷعمال التي تنطلق بها اﻷصوات فتختلط، ولا أدَّل على هذا أن قراءة الفاتحة في الطابور الصباحي هي النشاط المفضل للكثير من اﻷطفال في المرحلة اﻷساسية! إضافة إلى أن هذا سيرسخُ اﻷذكار في عقل الطفل، ولن يتركها حين يكبر…

كما أنَّ اصطحاب اﻷطفال إلى المساجد ودور القرآن له دور عظيم في بناء الصلة بين الطفل وهذه اﻷماكن فتصبح جزءاً من حياته، كما أنه من الجميل أن يستغل اﻵباء تجمع أفراد البيت ويلقوا موعظة بسيطة خفيفة أو قصة من قصص الرسل أو الصحابة فتترك في نفوس الحاضرين أثراً طيباً إضافة إلى تقريب اﻷسرة من بعضها ، وإنه لمن واجب اﻵباء أن يزرعوا في أبنائهم هَمَّ هذه اﻷمة وجراحاتها، وتعلميهم قضاياها الكبرى والمحورية وعلى رأسها قضية فلسطين، وإني ﻷجزم غياب التربية اﻹسلامية في معظم بيوت المسلمين، فكيف تكون مسلماً ولا تعرف أن القدس عاصمة فلسطين وأن فيها المسجد اﻷقصى قبلتنا اﻷولى وثالث حرم تشد إليه الرحال وهو أيقونة معركتنا مع عدو هذه اﻷمة؟!

وختاماً، لقد ناءت بهذه الأمة الخطوب، وتكالب عليها اﻷعداء من كل حدب وصوب، وانتشرت فيها الخيانات من فوق الطاولة وتحتها، فآن لنا لنحارب كل هذا أن ننهض بجيلٍ مختلف، جيل القرآن والسنة، جيلٌ همه اﻷول هو هَمُّ أمتّه وحزنه اﻷكبر حزنُ أمته، وعدوه الوحيد عدو أمته، إننا لا يحق لنا الدعوة بتغيير هذا العالم السيء إن لم تُخرج تربيتنا جيلاً مختلفاً عن هذا العالم، وليس يحق لنا كذلك أن ننشد صلاحاً وعمراً من هذه اﻷمة إن كانت تنشئتنا ﻷبنائنا رخوة ومُخليّة للشارعِ أو وسائلِ التواصلِ أو قنوات التلفزة.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.