شعار قسم مدونات

أحتاجك رمضان

blogs - مصلين في مسجد في رمضان
في كل عام تعود فيه يا رمضان، أعلن فيه بوحي إليك بلا استئذان، فعودك طيّب محمود، والأمل عليك معلّق ومعقود، وحاجتي اليك كحاجة الزهر للماء، كحاجة الأرض العطشى لغيمة ستظللها السماء، بمائها و سقياها سترتوي لعام كامل قادم ، فأياما معدودة ستظللنا لترحل دون مهل على عجل…

أجد نفسي تتوق لرائحتك، فأنا أحتاجك بكل ما فيك، أحتاج قدسيّة أيامك، أحتاج روحانيّاتك بلياليك وأيّامك، أحتاج ولادتي من جديد على عمل طيّب، ينقضي فيه عمري وعليه أعقد أملي، أحتاج مصالحة مع نفسي، تلك التي سئمت من لومها وعذلها، أحتاج فيه للعمل تصحيحا، وأحتاج فيه لنواياي توضيحا، أحتاج خلواتي مع نفسي والدعاء، وأحتاج خفقات قلب مذنب تائب يبكي رجاء، أحتاج صلاة تريحني، ودعاء يقوّيني ويغيثني، أحتاج غيثا وقطرا يرويني، وعمرا ينقضي في أيامه وساعاته بلا وطر…

أحتاج عائلتي التي تغرّبت موائدها وتشتّتت، أحتاج وحدة تجمعنا فيه، أحتاج بركة الأيام، تلك التي باتت حلما يؤّرق كل مشتاق لأيام مضت ولن تعود، أحتاج لأمن يسري في جسدي وعروق وطني، أحتاج لصوت المساجد تنادينا لكل صلاة، وأيّ صلاة أجمل من تلك التي تزيّن ليالينا كصلاة التراويح فكيف لو كانت هناك امام الكعبة المشرفة بالتحديد…

أحتاج شوقا وعشقا لا ينتهي إليك، أحتاج دعاء ورجاء وصلاة، أحتاج أن تبقى لنا يا رمضان فرصة لكل عائد تاه فيه طريقه، أحتاج أن يحيا قلبي ويصحو كل عام فيك.

يجتاحني حنين وشوق لهذه الفترة بين الأذانين… تحديداً من أمام الكعبة المشرفة في زاوية مخصصة للنساء بعد الإفطار وقبيل صلوات التراويح بنصف ساعة… ذهبت في رحلة عمرة في عام 2010، كانت أوائل رمضان وكانت هذه الفترة الزمنية هي الأكثر من لحظات عمري أتذكرها… أشتاق اليها… أحن اليها بكل تفاصيلها… أتعرفون لماذا؟!

عندما خانتني كل قلوب البشر فالتفت اليك، ما عاد يهمّني رفقهم أو لطفهم ، فرفقت بي رفقا ولطفت بي لطفا أنساني أولئك البشر، عندما آذتني كل أيديهم وألسنتهم وجدتك تكفيني وتحميني فما عادوا يعنوني، أو يؤذونني، أو يعنون لي شيئا وأنا في حماك… في ذلك المكان ذرفت الدموع بارتياح، لم أشعر بخجل أو ضيق بل أنا حرّ طليق السراح، أسرّح بصرا وفؤادا في أكناف ذلك المكان، وحده يشتاق إليّ أكثر مما أشتاق أليه، إنّه رحابك يا إلهي…

في كل عام أعود هناك حيث يعود، وألزم مكاني اشتياقا لذلك اللقاء وقطعا لتلك الوعود، عسى الله يعيده ويبقيه لنا أعواما دائمة العطاء، عندما سيأتي هذا العام، سأجعله مختلفا في ذلك المكان، لن أقول جاء وأنا في هذا الحال، سأقول لن ينتهي وأنا على هذه الحال، عساك ربّي تتقبل الأعمال، وتجزل لنا العطايا والأمانيّ الجزال…

كانت النساء يتهافتن علينا بالضيافة في تلك الفترة، فها هي سودانية تعرض علينا كأسا صغيراً من قهوة برائحة عبقة من الهيل، وتلك مصرية تحضر لي كأس زمزم يروي عطشي، وتلك سعودية كانت ترش علينا رذاذ ماء مخلوط بماء الورد… وتلك عراقية تضيفنا تمرا…

نفسي تتوق لرائحتك، فأنا أحتاجك بكل ما فيك، أحتاج قدسيّة أيامك، أحتاج روحانيّاتك بلياليك وأيّامك، أحتاج ولادتي من جديد على عمل طيّب، ينقضي فيه عمري.

وهذه يمنية تسقينا كأس شاي يمني تطغى عليه رائحة القرنفل… وهذه وتلك… يااااه! كم كان طعم الأمن والأمان في أوطاننا جميلا… عطرا… وطعم تلك اللحظة مازال حلوا في فمي كطعم تلك الأشياء التي كنا نتقاسمها … أحن لذلك الزمان عندما كنا مترفين بوحدة عربية قريبة عنا غير بعيدة؟! حيث كانت أوطاننا تنعم بالأمن والسلام فيجتمع الجميع على كأس واحد وطبق واحد وقلب واحد…

أحتاج شوقا وعشقا لا ينتهي إليك، أحتاج دعاء ورجاء وصلاة، أحتاج أن تبقى لنا يا رمضان فرصة لكل عائد تاه فيه طريقه، أحتاج أن يحيا قلبي ويصحو كل عام فيك، أحتاج أن تنبض فيّ يا رمضان هذا العام.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.