شعار قسم مدونات

كيف أصبحَ عميلاً؟

blogs نضارة مكبرة

كيف للخضرة في القلب أن تتحول إلى جدب؟ كيف للموسيقى أن تتحول إلى لحن موت؟ ليتني أفهم كيف لعاشق الأرض أن يصير زنديقاً ويشرب دمها ويتاجر بوردها؟ أي صراع حوَّل اليقين إلى شك؟

 

أنظر إليها بذهول.. ما الذي تقوله؟ وما الذي جاء بها في هذا الوقت المتأخر من الليل؟! بدأ عقلي يُشرِّق ويغرِّب! ماذا حصل؟ أمسكتُ بيدها وأجلستها مقابلي بالضبط.. أهلاً.. أهلاً.. حكتْ وحكتْ.. تفاصيل كثيرة.. حكت لي عن أخيها الذي تلوّن كالحرباء!! قالت: سقط.. ضاع وانتهى الأمر.. قبضوا عليه بتهمة التخابر مع "اسرائيل" أنظر إليها نظرة استجداء وكأني أريدها أن تغير قولها! لكنها أكملتْ قائلة: عندما تعرضت منطقتنا إلى آخر اجتياح صهيوني اعتُقل هو ومجموعة من شباب الحي، أخذوهم ليقابلوا ضابطاً اسرائيلياً رافق القوات الخاصة المقتحمة للمنطقة.. عرضوا عليه التعاون معهم وأعطوه رقماً خاصاً كي يتصل بهم وقرر أن يأخذه ولا يتصل!! كان يحاول التملص والإفلات لكنه وجد نفسه في النهاية يركض صوبهم.. كان يحلم بأن يصبح باحثاً ومخترعاً وأن يكمل دراسته الجامعية والعليا. ركض نحوهم.. لم تعد تعنيه مفردات البطولة والحرية، الأرض، المقاومة.. هذه المفردات أضحت بالنسبة له كلمات يرددها اللسان.. كلمات لن تصبح شيئاً مالم يروّها نبض القلب..

 

كان يقفز فرحاً عندما عرف طلب ضابط المخابرات، لقد طلب منه الضابط طلباً مريحاً.. يريح النفس من عناء الضمير.. من التردد والخجل للسير في هذا الطريق! طلب منه أن يقوم بعمل استطلاعات للرأي في الشارع الفلسطيني!! بدأ يشعر بكيانه المفقود؛ لأنه يعشق العمل ويحب البحث.. وما جعله يسير في الطريق دون التفات للوراء أن تعاونه معهم ليس له علاقة بالاغتيالات..

 

ترتجف وهي تخاطبني: ستكونين معي.. ستقفين بجانبي.. لن تتخلي عني بسبب أخي!! شعرت بقشعريرة تجتاح جسدي.. أمسكتُ يدها.. كانت وحيدة.. ممزقة.. كانت تعشق الوطن وتكره الاحتلال.. تمتمتُ: ما كان للاحتلال أن يطعننا إلا بسكيننا!!

كنتُ في أحيان كثيرة أدخل عليه الغرفة فأشعر بأن الخوف ينغل في روحه.. يمص دمه ولا يتركه يهدأ أو ينام.. أصبح نحيلاً أكثر وكانت برودة يديه تزداد رغم سماكة الملابس التي يلبسها.. كنتُ أشعر أنه قد تغيّر.. لكنني لم أكن أتوقع أن يصل الأمر إلى تلوّنه كالحرباء!

 

كان يقول: المقاومة قشرة بالية.. أنهكها الجوع والعطش.. أنهكها الحصار.. تدور الأرض وأنا أسمع كلماته، فأقول: المقاومة الأولى هي مقاومة نفسك التي تعمل ضدك وضد الوطن.. نفسك هي عدوك الأول.. المقاومة الحقة أن تقاوم ضعفك وجبنة وعجزك وشهوتك.. أنتَ عاجز عن مقاومة أي شيء لذلك تصف المقاومة بالقشرة! إما أن يكون مفهوم المقاومة شاملاً وإما أن تسقط وتتدحرج كما أراك الآن! المقاومة كل لا يتجزأ تبدأ بنفسك وتنتهي بعدوك!

 

لم أفلح بالحديث معه كثيراً.. كنا ننتهي من حيث بدأنا! لكن القدر وضع حداً لهذا الطموح القاتل.. فقد فوجئ باستدعائه من قبل جهاز الأمن الداخلي.. ليكتشف أنه مراقب منذ فترة طويلة!

 

ترتجف وهي تخاطبني: ستكونين معي.. ستقفين بجانبي.. لن تتخلي عني بسبب أخي!! شعرت بقشعريرة تجتاح جسدي.. أمسكتُ يدها.. كانت وحيدة.. ممزقة.. كانت تعشق الوطن وتكره الاحتلال.. تمتمتُ: ما كان للاحتلال أن يطعننا إلا بسكيننا!!

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.