شعار قسم مدونات

التطرف بين الظاهرة والمنهج..

blogs - شباب متطرف
يعرف عالمنا اليوم عدم استقرار، وتحولا مستمرا على أصعدة عدة، تتلاقى وتتلاقح فيما بينها حينا، وتختلف وتتباعد أحيانا أخرى. فالتحولات السياسية المستمرة مثلا لم تفتأ تؤثر على المجتمعات والشعوب. وهذا الظرف من عدم الاستقرار يبدو عاديا بحكم طبيعة الإنسان المتقلبة، فمن هنا يأتي مطلب التغيير والحاجة الإنسانية للتطور. ولأن يرجح البعض أن هذا التقلب المزمن الذي يعيشه عالمنا إلى السياسات الإنسانية الوضعية التي وإن بينت صحتها نسبيا لم تخف نقصا وخطأ، فإننا نقف اليوم أمام نتاج من المظاهر الجديدة والمصطلحات التي تعطي لكل مسمى اسما، من بينها مثلا التطرف. فما هو التطرف وأين يتجلى؟ هل التطرف وليد اللحظة أم أنه نتاج تراكمات وتواصل لنفس الفكر والسياسة؟ هل كل ما حاد واختلف واغترب وبلغ حدا يسمى تطرفا؟

لا يمر يوم دون سماع مصطلح التطرف، فعلى اختلاف الميادين يختلف التطرف، فتسمع عن تطرف ديني وترى حزبا يمينيا أو يساريا متطرفا، فهل أصبح التطرف جزءا لا يتجزأ من يومنا؟ حسب رأيي يعيش إنسان القرن الحادي العشرين التطرف كل يوم وكل لحظة، فقد أصبحنا متطرفين رغما عنا. أليس التطرف هو المبالغة في الشيء والتعصب له؟ إذن فالإنسان اليوم متطرف بطبعه، ولا لوم عليه في نظري، فالمجتمع المعاصر أصبح فضاء للمتناقضات والمتقابلات. فقد استباحت العولمة خصوصيات المجموعة ونقضت هوية التفرد والتميز فأصبحنا نعيش التفسخ في خلفياتنا وهوياتنا، وراح المجتمع الواحد نسخة لغيره من المجتمعات.

ففقد الإنسان معنى الانتماء تاركا نفسه يعيش تخبطا واضطرابا، مما ولد تطرفا لدى الشخص الواحد في كل تفاصيل حياته، فالناظر والمحلل اليوم يتحسس سلوكا بشريا إن لم يكن متطرفا أصلا، فهو أرضية مناسبة لمثل هذا الشذوذ. فإلى مدى يبدو هذا الكلام قابلا للإسقاط على واقعنا؟

الإنسان المعاصر أصبح يعيش ضغطا متزايدا كل يوم، مما زاد الطين بلة وجعل من إيجاد الفرد لاستقراره النفسي وتناغمه مع ذاته أمرا يكاد يكون مستحيلا.

لن نذهب بالبحث بعيدا عن مثال لما سبق، فكل إنسان إن نظر إلى نفسه وجد نوعا من التطرف، ألم نصل اليوم إلى حد من التطرف لدرجة أن الاختلاف أصبح غير مقبول؟ ألا يتشبث البعض منا برأيه إلى درجة العنف والقتل؟ ألا يرى كثير ممن يحملون فكرة أو رأيا أنهم أصحاب الحقيقة المطلقة؟ ألا يرى كثير منا أن الدفاع عن دين ومذهب هو قطع ونبذ الأديان والمذاهب الأخرى؟ ألم تحتل بلدان أوروبا كثيرا من أرض أفريقيا وهي تزعم أنها تبني لها حرية؟ أتحمل الحرية والديمقراطية فوق الدبابات؟ ألا يقتل اليوم الحكام شعوبهم من أجل الكراسي؟ ألا يعيش الكثير منا اليوم إدمان التكنولوجيا والاتصالات؟ أليس كل ما ذكر تطرفا؟ أليس اللهث ليل نهار وراء المادة تطرفا؟ أليس قمع المواهب وإهدارها تطرفا؟ أليس السكوت عن الحق تطرفا؟

لم يكن مفهوم التطرف ضيقا أبدا، فبحث سريع في محيطنا كفيل بكشف عمق التطرف في عصرنا، تطرف في استغلال العلم والبشر والأرض والفكر والدين، وهو سبيل لتغيير الصورة النمطية في الفكر المعاصر حول مفهوم التطرف المقتصر على صورة الشاب الذي يحمل السلاح ويدعي الجهاد.
كل هذا التطرف الذي أضحى سمة لحياتنا يمكن تفسيره، بالإضافة إلى ما سبق، بأن الإنسان المعاصر أصبح يعيش ضغطا متزايدا كل يوم، مما زاد الطين بلة وجعل من إيجاد الفرد لاستقراره النفسي وتناغمه مع ذاته أمرا يكاد يكون مستحيلا.

إن التطرف لم ولن يكون ظاهرة غريبة، فهو كغيره، ضريبة العولمة والتطور الكوني والنسق المتسارع الذي أصبح يحكم حياتنا، أما عن الأسباب المباشرة، فتعديدها يلزمه مقالات.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.