شعار قسم مدونات

في الوطن

blogs- الوطن

حسناً.. سأحدّثك يا صديقي عن الفروقات ما بين الوطنِ، والنُّزُلْ:
– في النُّزُل عليك شهرياً أن تدفع إيجار المنزل، وفاتورة الكهرباء والماء وإلا فأنت مهدّد بأن تفترش العراء، وإلى حين افتراشك العراء ستمضي الوقتَ على ضوء الشموع تشتمُّ رائحة التوتّر! لكنّك في الوطن لن تصل إلى المرحلةِ التي تنقطع فيها الكهرباء لديك لأنك إن لم تملكُ ما يكفيك من دَخلٍ سيتكفّل الوطن بدفع الباقي عنك، وإن كنتَ بلا عملٍ فالوطنُ أيضاً سيتكفّل بدفع كامل مستلزماتك التي تضمن لكَ أن تنامَ مرتاحاً، وتأكل وتشرب، وترى النور، وتستخدم الانترنت، وكافة ما يراه الوطنُ "حقوقاً بديهيةً" إلى حين أن تجد عملاً.
 

لا لا أنا لا أقصد هنا ميّزات اللاجئ يا صديقي.. أنا أتحدّث عن ميّزات أي مقيمٍ تعبسُ الظروف في وجهه فجأةً على أرضِ الوطن.

– في الوطن لا يتوجّب عليكَ أن ترتدي بزّة "أرماني" أو "كاردان" أو تنتعل "كلاركس" أو "تيمبرلاند" أو أن تتقلد "هبلوت" أو "روليكس" أو أن ترشّ خلف رقبتك وعلى معصمك "ديور" أو "شانيل". في الوطن كلّ ما يتوجّب عليك فعله كي تنال الاهتمام هو: أن تفتح فمكَ، وتتحدّث بصدق!
 

في الوطن شعوبٌ حفظت تاريخها الدمويّ جيداً، وتعلّمت منه بأنّ الكرامة، والأمان هما أسمى الغايات.. فالأمان دون كرامةٍ مجرّدُ اجترارٍ لعلفِ الأيّام.

– في الوطن عليك أن تخصّص بضع دقائق من وقتك لتردّ السلام على الناس في الشارع، تتساقطُ عليك الابتسامات من كلّ حدبٍ وصوب، ولا مفرّ لثغرك من الابتسامة حتى لو كنتَ عاقد الحاجبين بالفطرة!
– في الوطن يتسابقون لتقديم العونِ لك، وينظرُ الناس إلى داخل عينيكِ.. لا إلى لونهما وشكلهما.. هم يفهمون جيداً لغة العيون حتى لو كانوا يجهلون لغة فمك!
 

– في الوطن يمنحونكَ الدّعم لأنهم يؤمنون بأنّ لكل إنسانٍ مجالٌ يتميّز فيه عن الآخرين، فلا تحرق أعصابك وتستهلك روحكَ.. لسنا في سباق خيول النّزل يا صديق!
– في الوطنِ لن يغرق رأسك بالحسابات، ولن تكثر الأوراق المبعثرة التي تدوّن عليها الأرقام، والحاجيّات التي لا تعلم كيف ستقوم بتأمينها.. في الوطن كلّ ما عليك فعله هو أن تنام بعمقٍ لتنهضَ صباحاً وتفكّر في الإنتاج.
 

– في الوطن ليس عليك أن تدرس الكلمات قبل أن تتفوّه بها.. هنا يأخذون المعنى الإيجابيّ لما تقوله، ويعلمون بأنّ ذات المعنى يُقال بأساليب متعددة منها الفظّ ومنها اللطيف.. هنا شعوبٌ غارقةٌ في المعنى، ولا مكان للشكل، ولا حسابات له.
 

– في الوطن لا مكان لأحقادٍ خفيّةٍ إذ لا شيء يدفعنا هنا إلى المُجاملة.. من يحبّك يوجه لك الانتقاد علانيةً، ومن لا يستسيغك لن يبتسم في وجهك مُكرهاً.
– في الوطن شعوبٌ حفظت تاريخها الدمويّ جيداً، وتعلّمت منه بأنّ الكرامة، والأمان هما أسمى الغايات.. فالأمان دون كرامةٍ مجرّدُ اجترارٍ لعلفِ الأيّام.
 

– هنا يا صديقي لا تُصادف عناصرَ من الجيش في الشارع.. فالجيش يقبع في ثكناتٍ خارج الأحياء السكنيّة.. كما أن سيارات الجيش ليست مُعدَّةً للتنقل داخل الأحياء أو لتجاوز إشارات المرور، أو لممارسة الاستعلاء والإرهاب النفسيّ تجاه الآخر..
 

هنا يفعل موظفو المؤسسات العسكرية والأمنية المستحيل كي يعززوا لديك الأمان، والانتماء إلى هذه الأرض، وفي حال خالفوا القانون تكون عقوبتهم مُضاعفة. هنا يا صديقي كلّ شيءٍ يدعو إلى الراحة، والتفاؤلِ بغدٍ مريح.. إلا أنّ غصّةً في القلبِ لا تفارقنا كلّما تذكّرنا أن أصدقاءً لنا يقضون في النّزل سنين عمرهم ساعين إلى تأمين أبسط المستحقّات.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.