شعار قسم مدونات

واقع الصحافة في عصر الثورات الافتراضية و الثورات الواقعية

blogs - press - internet - old
في خضم ربيع الثورات العربية هاهي السلطة الرابعة في المجتمع تتربع على عرشه و تخطف الأنظار أمام باقي السلطات ، فلا سلطة تشريعية ولا سلطة تنفيذية ولا سلطة قضائية
تعلو فوق سلطة الصحافة في هذه الأيام الأواخر، فالصوت و القلم أمسيا أقوى من الكرسي والرئاسة و البرلمان، فهما طاقة كامنة لهما القدرة على تجييش المشاعر و استنفار الأنفس نحو الهدف المنشود .

إن أصل الصحافة لا يتعدى كونها أداة للتعبير عن حريات الأفراد و المجتمعات، من خلال حق الممارسة السياسية و المدنية

وتعتبر الصحافة ذات قيمة من قيم الحياة المثلى في العصر الراهن إذا كان القصد من ورائها البحث عن الحق و الحقيقة و ردع الباطل و كشف الأكاذيب ، بيد أن ثلة من الصحفيين و أشباه الصحفيين المتطفلين على مهنة تكبرهم سناً ، يحاولون أن يضفوا على هذا العمل النبيل ما يسوءه و يدنسه ببث مغالطات أو تزييف حقائق لا لشيء إلا لأسباب شخصية ، أو مذهبية ، أو جغرافية ، أو ما شابه ذلك .

ومن هذا المنطلق نطرح بعض التساؤلات علنا من خلالها نستشف كيف يجب أن يكون المسار الحقيقي للصحافة و الصحفيين في ظل الوضع الراهن ، فكيف ينبغي أن تكون الصحافة كما هي في الأصل ؟ و ما هي مهمة الصحفي ؟ و ما هو واقع الصحافة في ظل هذه الثورات الواقعية ؟ و ما هو المخرج في ظل الثورة المعلوماتية الهائلة و ثورة الفيس بوك ؟

إن أصل الصحافة لا يتعدى كونها أداة للتعبير عن حريات الأفراد و المجتمعات ، من خلال حق الممارسة السياسية و المدنية، كما تعتبر مقياسا في حرية التفكير و الإقناع و حرية التعبير، و لها صلة وطيدة بالديمقراطية، حيث كانت الصحافة من بزوغها سيفا مسلطا على الظلم و الاستبداد، و قد كان السلاطين الظلمة و المستبدون يقومون بمصادرة كل جريدة أو منشور يخوض في حقهم كما يقدمون على نفي أصحاب الكلمة الذين لا يخافون لومة لائم و قد تكون هذه من مهام الصحفي ذات الأولوية القصوى لديه، فالكشف عن الحقائق دون الخوف من العواقب من شيم الكتاب سواء كانوا محرري مقالات، أو مؤلفين ، أو شعراء … وصاحب الحق لا يجد أعوانا كما للباطل أعوان كثر و بين هذا و ذاك يعتبر العمل الصحفي من النوازل في زمن أصبح الفكر فيه يباع و يشترى، فأصحاب المال لا ضير أن ينفقوا أموالهم على كتاب ضعفاء النفوس من أجل الإشادة بهم و إعلاء سمعتهم في غير وجه حق ، كما أن بعض الكتاب و الصحفيين لا يجدون حرجا مما جاد عليهم به الدهر بأن يبيعوا القلم و الفكر معا ، و لا يبخلون وداً بأن يتسلق غيرهم القمة على حسابهم … و رغم ذلك يجب علينا أن لا ننسى أولئك الصحفيين الأفذاذ الذين سطروا كلماتهم بحروف من ذهب و جعلوا من حبرهم قلما سيالا في حرية الفكر و التعبير و مناصرة القضايا العادلة.

و على اختلاف أشكال العمل الصحفي سواء كان مكتوبا أو مسموعا أو مرئيا ، سياسيا ، أو اقتصاديا أو اجتماعيا ، فيعد لزاما على الكاتب صاحب الضمير الحي أن يكون ذا شخصية متزنة ، لا تحركها الأهواء كيف ما تشاء ، و أن لا يتلاعب بمشاعر الناس ، و أن لا يغلب دور الحبكة على دوره الإنساني قبل كل شيء فالكثير ما يهم هو أن يجعل من عمله سيناريوهات درامية يتفنن في حبكتها و جلب الانتباه إلى عقدها دون مراعاة شعور الناس و من غير احتساب للعواقب الوخيمة التي قد تنجر عنه.

و صحيح أن الانترنت شكلت هاجسا على المسار الصحفي و مستقبله، فقد صارت سرعة انتقال الخبر تضاهي سرعة الضوء كما أن المصداقية قدت قلت في ظل انتهاك الحقوق و سرقة المصادر و العبث بالمواد الخبرية من طرف أي شخص كان، المهم أن تكون له القدرة على استعمال الانترنت ولكن الكثير من الصحف و المجلات قد تجاوزت هذه المحنة بأن واكبت هذا التطور، فاستطاعت باحترافية أن تحجز لنفسها مكانا في قلوب المتصفحين للنت عن طريق مواقعها الالكترونية و مواقع التواصل الاجتماعي.

و لو تمعنا جيدا في الماضي القريب فعلى سبيل المثال لا الحصر لما جاء التلفزيون قلنا سيندثر الراديو و لكنه ظل بل واكب الهوائيات المقعرة بأن أصبحت معظم المحطات الإذاعية موجودة على الأقمار الصناعية و كذلك لما جاءت الانترنت قلنا أن القنوات الفضائية قد ولى زمانها و لكن التلفزيون بقي وسيلة إعلام أساسية في الحياة، بل إن بعض القنوات قد عمدت إلى البث الحي لبرامجها عبر الانترنت، و هكذا يتضح لنا جليا أنه ما من شيء يقضي على الذي قبله ما دام هذا الأخير مبني على أسس متينة و لديه من الأفكار ما يواكب واقعه.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.