شعار قسم مدونات

فن صناعة الفزّاعة

blogs - Islamic State
حرق الأسرى حلقة في صناعة الفزّاعة، في غيابٍ عن أعين أجهزة الاستخبارات العالميّة، وتخفٍّ غريب مريبٍ عن الأقمار الصناعيّة؛ ينفّذ ما يُسمّى بتنظيم الدولة الإسلاميّة أشنع صور التعذيب التي عرفها العالم المعاصر، وأبشع صور القتل الدمويّ الذي يبتعد بفاعليه عن الحيوانيّة لا عن الإنسانيّة فحسب!

ومن المشروع أن يتساءل الذين يؤثّر هذا التصرّف عليهم بعددٍ من الوجوه: أين الأجهزة العالميّة التي تتتبّع الاتّصالات، وتفحص الذّرات، وتكشف الذبذبات، وتخترق الحجرات؟ ألم يكن حريًّا بالعالم المعاصر أن يوقف ذلك التنظيم عن ارتكاب جرائمه؟ ولماذا لا يستخدم هذا التنظيم أولئك الأسرى كورقة ضغط تفاوضيّ مع النظام العالميّ أو مع الأنظمة الإقليميّة؟ لماذا يُصوّر هذه المناظر التي تؤذي المشاهد إيذاءً حقيقيًّا؟

يُجسّد هذا التنظيم البطولة الموهومة ويجعلها واقعًا، بطولة على أسرى مكبّلين، يضربهم ضربةً يطير لها قلب الشجاع.

إنّ هذا الصمت العالميّ ليثير جملة من التساؤلات الخطيرة، حول دعم الأجهزة العالميّة لهذا التنظيم، وحول دورها الحقيقيّ في إيجاده وإعطائه هذا الحجم الخطير. وإجابات هذه الأسئلة تقتضي فهم طبيعة هذا التنظيم، وطبيعة دوره الذي يؤدّيه. فتنظيم الدولة جهاز يؤدي دورا مرسوما له في تشويه صورة الإسلام وإيجاد المبررات للأعداء ليتدخلوا في مناطق التوتر والنزاعات.

هذا الدور لا يمكن له أن يؤديه بشكل مثالي دون إغراق في العنف وإيغال في القسوة المفرطة التي تمنح الغرب الذرائع المطلوبة للأعمال الإجرامية كردّات فعل على تصرفات هذه التنظيمات! فيجد بذلك مادّة إعلاميّة يُقنع بها شعبه بضرورة مهاجمة البلاد العربيّة والإسلاميّة.

إن هذه التنظيمات ليست لها أي مبادئ سياسية أو عقليات توازن الأمور وتدرس النتائج والعواقب.. بل تؤدي دورها الوظيفي بكل إتقان! كما أن التفاوض ليس مبدأ مستقرا عند هذه التنظيمات التي تكرس القوة مبدأ وحيدا للعلاقات الإنسانية! وتعيد شريعة الغاب إلى الحياة من جديد.. ولديها المبرر لذلك بسبب تعامل المجتمعات الغربية معنا بالمبدأ ذاته..

المعركة الإعلاميّة التي يخوضها تنظيم الدولة ليست أقلّ خطورة من المعركة العسكريّة، وأنّ أدوات المعركة العسكريّة غير مجدية عالميًّا.

كما أن زيادة ثقة الأتباع بالتنظيم تزداد كلما كانت شعارات التنظيم واقعا مطبقا على الأرض.. فالتنظيم يجد في هؤلاء الأسرى فرصة لتطبيق شعاراته التي لا يستطيع تطبيقها عمليا! إنّ هذه الفرصة مثاليّة ليُجسّد هذا التنظيم البطولة الموهومة ويجعلها واقعًا، بطولة على أسرى مكبّلين، يضربهم ضربةً يطير لها قلب الشجاع، بل تطير لها قلوب جيوشهم المجيّشة لحربه.

فبدلا من فتح لندن يقتل مواطنا بريطانيا.. ويصوره كأنه فتح لبريطانيا.. وبدلا من غزو تركيا يحرق مواطنا تركيا.. ويصوره كأنه فتح جديد للقسطنطينية! ويهلّل أتباعه لذلك ويصفّقون! والميديا لها دور كبير في تغيير الصورة الذهنية عند أتباع هذه التنظيمات. وعند كثير من الناس المتأرجحين في مواقفهم.. وهذه التنظيمات تبرع في استخدام هذه الوسائل بشكل يعترف به كبار مخرجي السينما العالمية.

علينا أن نعترف أنّ المعركة الإعلاميّة التي يخوضها تنظيم الدولة ليست أقلّ خطورة من المعركة العسكريّة، وأنّ أدوات المعركة العسكريّة غير مجدية عالميًّا، أمّا المعركة الإعلاميّة فلن نتعجّب إذا تأكّد يومًا ما أنّ العالم يُساهم فيها.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.