شعار قسم مدونات

أربع مشاكل يعاني منها الشعب المصري

blogs-مشاكل المصرين

في مصر عادة ما ينتهي أي نقاش سياسي، أو اجتماعي أو اقتصادي، بسب الشعب المصري ووصفه بالجهل والتخلف، مع سلسلة طويلة من السباب الذي يتراوح، حسب مستوى المتحدث، وبعيداً عن معارضتي لذلك السباب، وإن كنت أكره استخدام تلك المشاكل في عمليات التبرير لأي طرف من الأطراف، إلا أنها لا تقل أبداً عن مشكلة فساد الدولة أو ضعفها، ولا تقل تأثيراً عن المؤامرات الداخلية والخارجية عليها.

أسرد 4 من تلك المشاكل في هذه المقالة بناء على إيمان كامل بأن علاج المريض لا بد أن يبدأ بتشخيص مرضه تشخيصاً سليماً، وإلا ظل المريض مريضاً، أو تناول الدواء الخاطئ بسبب خطأ التشخيص وتردت حالته:
 

1- خلط السياسة بالإنسانية
كم من مرة شاهدنا فيها فرحة كائن من المفترض أنه "إنسان" بمقتل مجند في الجيش المصري -وهو بالمناسبة "إنسان" أيضاً- لاختلافه السياسي مع رئيس البلاد وداعميه، أو فرحة كائن آخر بمقتل معارضا للسلطة خلال تعبيره السلمي عن رأيه فقط لكونه مخالفا للمعارضة في رأيه.
 

عندما تسيل الدماء ويتخطى الحدث كونه حدثاً سياسياً لابد لـ"الإنسان" أن ينحي أيديولوجيته السياسية جانباً، وينظر للمسألة تماماً كما يراها القاضي الجنائي -أو كما المفترض أن يراها- قاتل (مجرم أو شريف بناء على الأدلة) مقتول (مجرم أو شريف بناء على الأدلة)، وتلك الأدلة التي أقصدها هي أدلة جنائية بحتة لا يندرج تحتها أبداً الفكر السياسي أو حتى التوجه الرياضي أو الجنسية أو الديانة.
 

الإعلام الخاص مملوك للعديد من رجال الأعمال، وبالتالي يتغير ما تنقله تلك القنوات  حسب تغير المنافع والمصالح الشخصية، وبرغم كل ذلك يصدق المصريون كل كلمة يتفوه بها

تعد هذه في رأيي من أكبر المشاكل التي نواجهها، والتي تظهر جلياً في صفحة أية حركة سياسية على موقع التواصل الاجتماعي، ليس فقط لدى مؤيدي الدولة وإنما تجدها واضحة وضوح الشمس لدى المعارضة، فالاشتراكيون مثلاً -إلا ما رحم ربي- تجدهم مهتمين أشد الاهتمام بمعتقليهم وشهدائهم، ونفس الأمر ينطبق على غيرهم من الحركات والجماعات السياسية المعارضة، حتى الحركات التي تسمى بالإسلامية تجدها قلما تنشر خبراً عن معتقل أو شهيد لا ينتمي لصفوف الإسلاميين.
 

2- تحري المصادر
"لقد قرأت (كذا) في الجورنال!"
نسمع هذه العبارة في الكثير من الأحيان بالإضافة لشبيهاتها، والمشكلة ليست في اعتماد المصريين على التلفاز والصحف والإنترنت لجمع المعلومات، ولكن المشكلة في تصديقهم الأعمى لأي معلومة بتلك المصادر مهما كانت بعيدة عن المنطق.
 

الإعلام المصري وصل إلى مرحلة بشعة من تزييف الحقائق وتكبير أو تصغير المصائب أو الإنجازات، وكلنا رأينا تأثيره الفعال في تجاهل بعض الأحداث، والتركيز على الأخرى مثل صورة نهر النيل العظيم التي نقلها تلفزيوننا القومي أثناء أحداث 25 يناير/كانون الثاني أو مثل تضخيم الأعداد بـ30 يونيو/حزيران إلى 40 و50 مليوناً في القنوات المعارضة للإخوان أو تصغيرها إلى آلاف في القنوات الموالية للإخوان.
 

ولو كنا في قمة الثقة فإن الإعلام الحكومي دائماً وأبداً داعم للنظام أياً كانت ملته، فالإعلام الخاص مملوك للعديد من رجال الأعمال، وبالتالي يتغير ما تنقله تلك القنوات تغيراً موسمياً حسب تغير المنافع والمصالح الشخصية لأصحاب القنوات، وبرغم كل ذلك يصدق المصريون كل كلمة يتفوه بها المذيع الفلاني أو المذيعة العلانية، وكل خبر نشرته جريدة كذا أو موقع كذا الإخباري.
 

3- التكاسل عن حمل راية الصواب
عندما كنت طالباً مدرسياً أتذكر دائماً النقاش الدائر بين مشرفة الأوتوبيس المدرسي وأحد الزملاء حينما كان يلقي بأكياس "الشيبسي" من نافذة الأوتوبيس لتوبخه المشرفة فيرد عليها ساخراً "مصر مزبلة بكيسي أو بدونه".
 

يلقي المواطن المصري باللوم عمن حوله بل ويبرر أخطاءه الشخصية بذلك اللوم الدائم بدلاً من المبادرة بالصواب وبنشره، أكاد أجزم أن الأغلبية العظمى من المجتمع إما مشاركة للفوضى أو يائسة من الوضع وراغبة بالهجرة للخارج، قليل من يشارك في حملات التوعية أو في النهي عن المنكر، والأمر بالمعروف، قليل من يسلك الطريق المستقيم، ولو كان وحده ويترك الطريق المنحرف، ولو كان ممتلئاً بخلق الله. كم من مرة سمعنا: "كل الناس تغش بالامتحانات" أو "كل الناس تدفع الرشوة".. إلخ.
 

كم مرة في العشر سنوات الأخيرة شاهدنا أعمال عنف ناتجة عن التعصب الذي يسفك دماء المصريين ويفرح فيهم أعداءهم؟

4- اختلاف الرأي يفسد الود ويفسد القضية
في العاشر من مايو/أيار نشرت مقالاً بعنوان "هل أنت متعصب؟" يناقش قضية التعصب، أعراض المتعصب وتأثير التعصب على الفرد والمجتمع، ولم أفكر بكتابة مقالة عن هذا الموضوع إلا لتفشي التعصب في المجتمع المصري.
 

أصبح البعض يتوقف عن التعامل مع بائع معين فقط لاختلاف سياسي، ولم يقتصر الأمر على السياسة "لن أتزوج غير زملكاوي/أهلاوي"، كم مرة سمعنا فيها هذه العبارة على لسان فتاة من الفتيات المتابعة لكرة القدم؟، كم مرة في العشر سنوات الأخيرة شاهدنا أعمال عنف ناتجة عن ذلك التعصب الذي يسفك دماء المصريين ويفرح فيهم أعداءهم؟
 

بالإضافة للسياسة وكرة القدم يوجد لدينا أيضاً التعصب الديني الذي يحاول البعض إخفاءه بمشاهد القسيس المحتضن للشيخ الأزهري، أو بصورة الهلال والصليب الشهيرة، إلا أن التعصب الديني موجود ولا ينكر وجوده إلا أعمى، سواء كان أعمى بالفطرة أو أعمى بناء على رغبته.
 

بدلاً من "تكويم" تلك المشاكل في جملة واحدة "تخلف الشعب المصري"، ها قد قسمتها إلى أربعة أقسام، قد يختلف معي البعض، وقد تختلف التقسيمات بناء على ذلك الاختلاف، ولكن لا مانع من تقسيم كل قسم إلى أقسام فرعية؛ لكي نستطيع التعامل مع كل مشكلة صغيرة على حدة بدلاً من وقوفنا عاجزين مكتوفي الأيدي أمام مشكلة عويصة غامضة صنعنا نحن غموضها بأيدينا.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.