في ذكرى ميلاده الـ272.. غوته على شاشات العالم بـ"فاوست"

تظهر ظلال فاوست في العديد من الأعمال الدرامية العربية الجديدة والتي كان آخرها مسلسل "ونوس" 2016

يحيى الفخراني قدّم صورة درامية للشيطان في مسلسل ونوس (مواقع التواصل الاجتماعي)

يشهد شهر أغسطس/آب الجاري مرور 272 عاما على ميلاد الفيلسوف والشاعر والأديب الألماني الأشهر ﻴوﻫﺎن ﻓوﻟﻔﻐﺎﻨﻎ ﻓون ﻏوﺘﻪ، والذي أثرى بإبداعاته الشعرية والنثرية والمسرحية المكتبة الألمانية وملأت شهرته الآفاق، ورغم ذلك تبقى مسرحيته الشعرية "فاوست" هي الأكثر تأثيرا على مختلف الفنون ليس في ألمانيا وحدها وإنما في العالم كله.

وتدور "فاوست" حول الدكتور فاوست الذي دفع عمره ثمنا لتحصيل مختلف العلوم لكنه لم يحصل على السعادة، ومن ثم يأتيه الشيطان ليعرض عليه الشباب والسعادة والخلود مقابل أن يمتلك روحه، فيقبل فاوست بالرهان.

وبلغ عدد الأعمال الموسيقية التي قدمت من قبل أشهر المؤلفين الموسيقيين عن فاوست ما يقرب من 50 عملا أوبراليا أو موسيقيا كلاسيكيا ومثلها من الأعمال الموسيقية الشعبية وعلى الشاشة قدم نحو 20 فيلما أو مسلسلا من الرسوم المتحركة وأنتج بغير اللغة الإنجليزية نحو 20 فيلما. أما بالإنجليزية فقدم 35 فيلما و11 مسلسلا، و39 مسرحية.

وأظهرت الرواية والسينما العربية تأثرا بـ"فاوست"، فالموقف الدرامي الذي يتشكل عبر المسرحية فيه الكثير من الشبه بموقف آدم والشيطان الذي أغراه بالأكل من الشجرة، وهي الخطيئة التي دفعت به إلى الأرض.

لكن الانعكاس الأبرز يأتي في مراحل التحولات المجتمعية في السينما العربية والأدب، حيث يلجأ المبدعون إلى العمل الألماني الملهم "فاوست" في محاولة لتجسيد أزمة الاختيار بين العيش كما يريد الفرد مقابل الجحيم أو الالتزام بقيم أخلاقية ودينية مقابل الفناء.

وتتراوح العلاقة بين "فاوست" والسينما العربية بين شديدة القوة وشديدة الضعف طبقا لمتغيرات مجتمعية وسينمائية، لذلك قدمت الأفلام العربية المـستلهَمة من المسرحية الألمانية في مراحل ارتباط السينما بالأدب واستعانتها به، وخاصة في بداياتها بينما تباعد الطرفان فى مراحل تالية، فكان أن سيطرت التيمة الدرامية ولكن من دون ظل ظاهر للمسرحية.

وهو ما يشير إلى أن عمل غوته ليس مجرد عمل مسرحي شعري بلغت فيه الدراما ذروتها وناقش المصير الفردي للإنسان واختياراته وعلاقته بالقيم والأخلاق والمطلق، ولكنه يتجاوز ذلك إلى تيمة يمكن استغلالها دراميا في كل موقف في الحياة وخاصة الحياة الحديثة، إذ يبقى الفرد محكوما بالاختيار بين ضميره وتلك المنفعة المؤقتة التي تزول -مهما طالت- بزوال أسبابها، وبالتالي فإن فاوست هو بوضوح تلخيص للصراع بين الإنسان والشيطان في هذه الحياة، وعليه فإن كل أفلام السينما العربية وغير العربية تتماس مع فاوست بشكل أو آخر.

سفير جهنم

ومن الأعمال السينمائية المبكرة للسينما العربية قدم الرائد المسرحي المصري يوسف وهبي فيلم "سفير جهنم" عام 1945.

ويقدم خلال الفيلم الذي كتبه وأخرجه وقام ببطولته مع الممثلة ليلى فوزي قصة أسرة فقيرة جدا تتكون من الأب العجوز "رمضان" وزوجته وابنه وابنته ويختار الشيطان هذه الأسرة ليثبت من خلالها سيطرته على البشر.

وبالفعل تستسلم الأسرة، فيستعيد الأب شبابه وينطلق في رحلة استمتاع بكل ما لا يحل له وتكتشف الابنة أن المال هو أثمن ما في الحياة فتتزوج شخصا عجوزا غنيا وكذا يسقط الابن والأم.

حاول يوسف وهبي في العمل أن يستلهم من أفلام الرعب عددا من المشاهد التي أشار فيها إلى حوار الشيطان مع أتباعه لاختيار الأسرة من أجل ضمها إلى أتباعه ولكنه مزج ذلك بمسحة كوميدية وخاصة في حوار الأب الذي بدت شخصيته كاركاتيرية مضحكة من شدة بؤسها.

والفيلم بشكل عام أقرب إلى عمل مسرحي تعددت أماكن تصويره، خاصة أن الأداء المسرحي المبالغ فيه يسيطر على أبطاله.

موعد مع إبليس

بعد 10 أعوام يقدم المخرج كامل التلمساني "موعد مع إبليس" من بطولة زكي رستم ومحمود المليجي، وتدور قصة العمل حول طبيب يعاني من الفقر الشديد ويفاجأ بشخص غريب يعرض عليه أموالا لا حصر لها وقدرات غير محدودة، ويقترب المؤلف جليل البنداري في هذا العمل من النص الأصلي لغوته حيث يقدم رجل علم وصاحب مهنة جيدة وهو قريب من بطل ملحمة "فاوست"، ومن ثم يدفعه الفقر لفقد الإيمان عبر القبول بعرض الشيطان.

وفي عام 1973، قدم المخرج يحيى العلمي فيلم "المرأة التي غلبت الشيطان" عن رواية الكاتب والأديب توفيق الحكيم ومن بطولة نعمت مختار وعادل أدهم ونور الشريف، وهنا نجد أنفسنا أما نسخة نسائية من فاوست لم تبذل جهدا وعمرا ولكنها وجدت أن قدرها وضعها في مكانة متدنية من المجتمع فهي خادمة دميمة ولكنها تقع في حب أحدهم وتشهد رفضا فتواجه كل ما تجده قاسيا وسيئا في حياتها من القبح إلى الفقر، وهنا يجد الشيطان فرصته فيهبها الجمال والمال وتقبل المرأة عرضه.

وفي عام 2008، لا يعود الأمر متعلقا بالضغوط والاحتياجات الأساسية للفرد ولكنه يتعلق بالطموح والرغبة في الغنى والمال، وبالتحديد في فيلم الريس عمر حرب الذي كتبه السيناريست هاني فوزي وأخرجه خالد يوسف، ويدور حول شاب يقرر تحقيق الغنى عبر العمل في أحد كازينوهات القمار فيتخلى عنه أقرباؤه وأحباؤه باعتباره سقط في امتحان الاختيار الأخلاقي وهناك يسيطر عليه الشيطان.

وتظهر ظلال فاوست في العديد من الأعمال الدرامية العربية الجديدة والتي كان آخرها مسلسل "ونوس" 2016.

المصدر : الجزيرة