حرمة الميت أم حق الجمهور؟ جنازة دلال عبد العزيز جددت الجدل بين الصحفيين والمشاهير بمصر

جنازة الممثلة المصرية دلال عبد العزيز تجدد الجدل بين المصورين والمشاهير (وكالة الأناضول)

القاهرة ـ رفض صحفيون اعتذار نقيبهم -ضياء رشوان- لأسرة الممثلة الراحلة دلال عبد العزيز عما بدر من "تجاوزات" من صحفيين ومصورين في أثناء تغطية مراسم الجنازة.

وتضمنت مجموعات مغلقة للصحفيين على الفيسبوك منشورات استنكار للاعتذار، الذي تلاه المذيع يوسف الحسيني على القناة الأولى بالتلفزيون الحكومي، خاصة مع عدم الإشارة -في تعليق النقيب- إلى ما تلقاه الصحفيون من "إهانات لفظية واعتداءات من فنانين حضروا الجنازة"، بحسب مستنكري الاعتذار.

واعتذار النقيب هو الأول منذ باتت التغطية الصحفية لجنازات المشاهير موسما للتلاسن وتبادل الاتهامات بين الصحفيين والفنانين. وأعلن النقيب عن سعيه لاستصدار "كود" أخلاقي إلزامي للصحفيين في أثناء تغطية مراسم الجنازات.

وفي البرنامج التلفزيوني نفسه، طالب نقيب الإعلاميين طارق سعدة بضرورة إيجاد وقفة تنظيمية لتغطية الجنازات والتعازي، احتراما لحرمة المتوفى ومشاعر أهله.

بدورها، قررت قناة "تن" (TEN) وقف التغطيات لجنازات الفنانين عقب ما شهدته جنازة الراحلة دلال عبد العزيز.

وشهدت جنازة الراحلة مشادات لفظية بين زوج ابنتها -المذيع رامي رضوان- وصحفيين، حيث اندفع خلالها المذيع ورمى هاتف صحفي كان يحاول تصوير الجنازة؛ ولاحقا برر ذلك بأن المصور كان يحاول تصوير الجثمان في أثناء إخراجه من النعش لدفنه.

كما اندفع الممثل أحمد زاهر باتجاه صحفي كان يصوره وحطم هاتفه، وفق ما قاله الصحفي لاحقا. وسجلت عدسات المصورين لحظات انزعاج وهروب ممثلين من الكاميرات.

مخالفات مهنية

وسجل المرصد المصري للصحافة والإعلام ما قال إنها مخالفات مهنية جسيمة للصحفيين خلال تغطيتهم مراسم تشييع جنازة دلال عبد العزيز، تلخصت في التصوير من مسافات قريبة، واقتحام خصوصيات عائلة الراحلة عبر تصوير مشاعرهم الطبيعية الحزينة، والتعدي على حرمة الميت بتصويره داخل نعشه وفي أثناء الصلاة عليه، ومحاولة تصوير عملية الدفن، وملاحقة كبار النجوم المعزين.

ويقول صحفيون إنهم يمارسون دورهم الذي تكلفهم به مؤسساتهم الصحفية تجاه حدث يهم للناس، إذ يعد المشاهير خاصة الممثلين ملكا للجمهور و"لا معنى لما يسمى بالحياة الخاصة له، ما دام ارتضى أن يكون شخصية عامة"، وفق تعبير بعضهم.

ويؤكد هؤلاء أن الممثلين هم من يحرصون على إبلاغ الصحفيين بمواعيد وأماكن جنازات ذويهم أو زملائهم، إثباتا لتأديتهم الواجب تجاه زملائهم الراحلين، وباعتبارها مناسبة ليظلوا في دائرة الضوء.

ويستشهد صحفيون بجنازات لممثلين وذويهم لم يحضرها صحفيون أو مصورون؛ لأن أصحابها طلبوا من البداية عدم حضور الصحفيين والمصورين، ومنهم الممثلتين ميرفت أمين وهالة صدقي.

في المقابل، يقول فنانون إن الصحفيين لا يفرقون بين حياة الفنان الخاصة ومماته، والأخيرة هي لحظة جليلة لا ينبغي استثمارها تحت أي تبرير.

سوابق وجدل مستمر

وفي تغطيات جنائزية عدة نشبت مشادات بين صحفيين وممثلين، اضطرت الصحفيين لتقديم شكاوى لنقابتهم ضد ممثلين بعينهم، ومنهم يسرا وإلهام شاهين، بدعوى منعهم من العمل.

كما أنها ليست المرة الأولى التي يتم فيها هذا الجدل بين الطرفين، حسبما سجل المرصد المصري للصحافة والإعلام، إذ سبق وقوعها في جنازتي الفنانيْن الراحلين نور الشريف وفاتن حمامة عام 2015.

وعام 2016، كاد النعش الذي يحمل جثمان الممثل الراحل ممدوح عبد العليم أن يسقط على الأرض نتيجة تزاحم المصورين والمواطنين أمام المسجد بعد الانتهاء من صلاة الجنازة، وفي العام نفسه، انفعل الممثل هشام سليم على المصورين في أثناء عزاء عمه طارق سليم نجم النادي الأهلي، وكاد الأمر حينها يتطور إلى اشتباك بالأيدي مع المصورين.

وخلال جنازة الفنان جميل راتب عام 2018، اشتبك أمن المسجد مع المصورين، بسبب رفض الأمن دخولهم.

وفي عام 2019، انفعل الممثل أحمد الفيشاوي على المصورين عند تشييع جثمان والده الممثل فاروق الفيشاوي، بسبب تكدُّس المشيعين أمام المسجد، ما تسبب في صعوبة إدخال النعش إلى المسجد. وصرخت الممثلة دينا الشربيني بوجه الصحفيين والمصورين في جنازة الفنان الراحل هيثم أحمد زكي، في أثناء دخولها إلى المسجد.

وفي عام 2020، صاحت الممثلة وفاء عامر في وجه المصورين الذين احتشدوا في مكان تشييع جثمان الممثل الراحل محمود ياسين، وحاولت منعهم من التصوير.

وتعدى الممثل أحمد السقا على أحد المصورين بالضرب وكسر أنفه خلال تصويره جنازة حما السقا، واعتذر الفنان له لاحقا عن ذلك.

وعزا تقرير المرصد تكرار مثل هذه الحالات إلى تحول جنازات المشاهير -خلال السنوات الماضية- إلى "بزنس خاص" لدي بعض المواقع الإخبارية التي يقوم رأس مالها على نشر تلك الصور والفيديوهات عبر مواقع التواصل الاجتماعي، للحصول على ملايين المشاهدات ونقرات الإعجاب التي تُترجم إلى دولارات.

وأكد التقرير صعوبة حظر تصوير جنازات المشاهير رغم التجاوزات المهنية التي تحدث فيها، داعيا الجهات المعنية بتنظيم الإعلام إلى ضرورة وضع ضوابط خاصة مناسبة لهذا الحدث، تمكّن المصور من القيام بعمله من دون التعدي على مشاعر ذوي المتوفي، بأن يكون التصوير من مسافات بعيدة.

نقد ذاتي وضوابط

واستدعت الوقائع الأخيرة نقدا ذاتيا بين الصحفيين أنفسهم، وأطلق صحفيون ومصورون وسوما ضد تصوير جنازات المشاهير، استنكارا لسلوكيات بعض المصورين خلال الجنازات، في حين قال مغردون أنه يجب منع تصوير الجنازات نهائيا.

بدوره، قال رئيس شعبة المصورين بنقابة الصحفيين مجدي إبراهيم إن مشاهد تصوير جنازة الفنانة الراحلة دلال عبد العزيز كانت مزعجة ولا تمثل سلوك المصورين الصحفيين.

وتابع إبراهيم، في تصريحات صحفية، أن الشعبة تنظم ندوات تثقيفية للمصورين باستمرار، لافتا إلى ضرورة وضع ضوابط واضحة لتغطية الجنازات والتعازي، منها منع التصوير داخل المدافن وداخل المسجد أيضا إذا كانت فيه صلاة الجنازة، مع الالتزام بالوقوف أمام باب المسجد على مسافة بعيدة بما يكفي عن مشيعي الجنازة.

أما أمام سرادقات العزاء، فيمكن تخصيص مَخرج يقف فيه الصحفيون لاستقبال من يرغب من الشخصيات العامة أو الحضور للتسجيل والتصريح، بحسب إبراهيم.

وأيد رئيس شعبة المصورين مبدأ تصوير جنازات المشاهير، لأنه صورة مكملة لحياة الفنان الراحل وجماهيريته، وتوثيقا لجنازته، كما حدث مع جنازات المشاهير السابقين مثل المطربين الراحلين أم كلثوم وعبد الحليم حافظ.

وشدد على أنه بإمكان أسرة الفنان الراحل الإعلان مسبقا عن عدم الرغبة في تغطية الجنازة إعلاميا، مضيفا "ولن يذهب أحد".

من جانبه، رأى المصور الصحفي عمرو نبيل أن كثيرا من المخالفات المهنية تقع نتيجة خضوع المصور لتعليمات مشددة من رئيسه بالعمل سعيا لانفراد صحفي.

وطالب نبيل -في منشور بإحدى مجموعات الصحفيين المغلقة- بوقفة جادة وتنظيمية، منها السماح فقط بتصوير صلاة الجنازة والمشهد العام، بعد موافقة أهل الفنان، وتجريم التصوير في لحظة الدفن، وتوفير أماكن خاصة لمن يرغب في التصوير أو الإدلاء بتصريحات للقنوات والمواقع، يأتي إليها الفنان بمحض إرادته من دون ملاحقة من الصحفي، وتنبيه المؤسسات لصحفييها بضرورة مراعاة الهيئة العامة للصحفي في هذه المواقف.

ورغم هذه المراجعة الذاتية، أكد صحفيون أنه يجب بالمقابل حفظ كرامة الصحفي من الاعتداء عليه في أثناء تأدية عمله أو منعه من تأديته أيا كانت الملابسات، فالنقابة هي الجهة الوحيدة المخول لها محاسبة وعقاب منتسبيها حال وقع مخالفات منهم، وطالب هؤلاء في منشورات عدة -بمجموعات الصحفيين على الفيسبوك- بضرورة مقاطعة كل فعاليات الفنانين الذين لا يقدرون مهام ودور الصحافة.

واعتبر صحفيون أن الأمر برمته يكشف أزمة الصحافة المصرية عموما؛ لأنها غير قادرة إلا على تغطيات سطحية وقضايا جانبية، بحسب وصفهم.

المصدر : الجزيرة + مواقع التواصل الاجتماعي