صور متحركة على سطح ثابت.. وهم الحركة والوقت في الفنون

أصبحت الفكرة التي تشغل بال فناني التكعيبة هي كيف يمكن تصوير تلك الحركة والديناميكية على اللوحات

تبدو أعمال ألكسندر كالدر رمزا للحركة الطبيعية التي تحدث بسبب تيارات الهواء في شكل العمل (مواقع التواصل الاجتماعي)

يعبر الفن عن الزمان والمكان والوقت، مرور الوقت يعني الحركة والتغيير، سواء كانت الحركة فعلية أو وهمية، لذلك تبقى من العناصر الأساسية في الفن حتى لو لم يظهر ذلك.

وقد يتضمن العمل الفني حركة فعلية أو ضمنية، ويمكن أن يتحرك العمل الفني بمفرده بعدة طرق، مثل الخصائص الفيزيائية لمكوناته أو التأثيرات الطبيعية مثل تيارات الهواء التي تسبب الحركة، وقد يكون مدفوعا بحركة ميكانيكية أو تقنية أو قد يحركه المشاهد أو الفنان نفسه.

وفي الأعمال الفنية التي تتحرك من خلال تأثيرات الخصائص الطبيعية لا يمكن التنبؤ بشكل الحركة، لأن العلاقات المكانية والحركية تتغير داخل العمل باستمرار مع احتمالات لانهائية، وتعتبر تلك المفاجآت واحدة من أجمل العناصر الجمالية، لأن العمل يتجدد في كل مرة.

الحركة في أعمال ألكسندر كالدر

تبدو أعمال ألكسندر كالدر رمزا للحركة الطبيعية التي تحدث بسبب تيارات الهواء، مما يتسبب في اختلافات مستمرة في شكل العمل.

وأطلق كالدر على أعماله اسم "موبايل" (Mobile)، وهي أعمال نحتية ذات كتل متحركة تقوم على فكرة التوازن، بعضها مستلهم من أعمال فنانين، مثل خوان ميرو وجوديث روتشيلد.

الحركة الميكانيكية أو التقنية

يمكن التنبؤ بهذا النوع من الحركة من خلال خصائص العناصر المكون منها العمل الفني اعتمادا على شكل النظام الذي يحرك العمل الفني.

ويمكن أن يكون المحرك مكشوفا كجزء من العمل الفني، ويمكن أن يكون مختفيا، وذلك حسب التأثير الذي يرغب الفنان في تقديمه.

واستكشف الفنانون المعاصرون مثل ريبيكا هورن كيفية تجربة المشاهد أن يكون جزءا من العمل الفني عن طريق التجربة الذاتية.

جربت ريبيكا هورن طرقا مختلفة من أنواع الحركة في أعمالها الحركية، وذلك من خلال العمل بالضوء وانعكاساته، ومن أهم أعمالها "آلة الرسم"، وهي آلة تخلق مجموعات لا متناهية من اللوحات، حيث تتحرك وتضع الألوان على الأوراق المتحركة بطرق غير متوقعة.

الحركة عن طريق الإيقاع

يمكن اقتراح الحركة بصريا بعدة طرق، وذلك من خلال استخدام الخطوط الإيمائية والاتجاهات، وتكرار العناصر ومواضعها، ويبدو هذا بوضوح في أعمال فاسيلي كاندينسكي، حيث استخدم الخطوط وتنويعاتها المختلفة لإعطاء إيحاءات بالحركة داخل لوحاته.

ويمكن تقسيم الحركة عن طريق الإيقاع إلى: إيقاع عشوائي، وهو تكرار العناصر بدون نظام محدد، وإيقاع منتظم وفيه يضع الفنان سلسلة من العناصر المتطابقة أو المتشابهة على مسافات متساوية داخل العمل الفني.

وتأتي صعوبة الإيقاع المنتظم من إمكانية تحوله إلى إيقاع رتيب وممل إذا لم ينفذه الفنان بطريقة صحيحة، أما الإيقاع المتناوب فيقوم فيه الفنان بتكرار أكثر من عنصر بالتبادل، مما يضيف مزيدا من التنوع إلى العمل الفني.

الإيقاع في لوحة فاسيلي كاندينسكي (مواقع التواصل الاجتماعي)

تظهر فكرة التكرار بوضوح في لوحات المدرسة التكعيبية بسبب رغبة فناني هذه المدرسة في تعريف وتمثيل الواقع الحديث آنذاك، كان هذا الواقع معقدا وغامضا شكلته الاختراعات الجديدة والتكهنات الفلسفية وظهور تكنولوجيا جديدة أحدثت تغيرا جذريا في وتيرة الحياة والطريقة التي يدرك بها المجتمع طبيعة الأشياء، وبينما كانت الحياة في الماضي ثابتة أجبر العلم الإنسان الحديث على تجربة الوقت والحركة بشكل أكثر ديناميكية بسبب الإيقاع المتسارع للحياة.

وأصبحت الفكرة التي تشغل بال فناني التكعيبة هي كيف يمكن تصوير تلك الحركة والديناميكية على اللوحات، وكيف يمكن تمثيل تدفق الوقت والحركة على سطح بخطوط ثنائية الأبعاد.

الحركة في التكعيبية (مواقع التواصل الاجتماعي)

بدأ بيكاسو وجورج براك في تكسير القواعد الفنية القديمة، للحصول على مشاهد ثلاثية الأبعاد على الأسطح الثابتة، ولم يستخدم كل منهما المنظور الخطي المعروف، بل استخدما الأشكال الهندسية من مكعبات متداخلة ومتغيرة ومائلة تبدو كأنها تتحرك من وإلى داخل اللوحة كما لو كنا نشاهد فيلما ثلاثي الأبعاد.

جاء تأثير تلك الطريقة ليجعل المشهد المرسوم على سطح اللوحة يتغير حسب تغير موقع المشاهد، بعبارة أخرى حاول فنانو التكعيبية تسجيل طرق مختلفة للرؤية عن طريق بناء مركب من عدة مناظر متزامنة مختلفة للأشياء ليتم عرضها على سطح اللوحة في لحظة واحدة، لتتحول اللوحة إلى سجل ثابت للحظة عابرة، وأصبحت اللوحة مثل شاشة عرض لصور مختلفة تعرض في نفس اللحظة.

تمثيل الحركة في التصوير الفوتوغرافي

أكثر أنواع الحركة وضوحا في التصوير الفوتوغرافي هو الحركة المعلقة، وفيها يقرر المصور تجميد جزء من الثانية لالتقاط تفاصيل غير محسوسة للعين البشرية، مثل تساقط الشعر أو حركة الذراعين، أو تناثر الغبار، أو حركة الأمواج، وتمنح تلك الصور المشاهد إحساسا قويا بما سيحدث إذا توقف المشهد في اللحظة التالية.

النوع الثاني من الحركة في التصوير الفوتوغرافي هو الحركة الضبابية، وتنتج الصور الضبابية غالبا عند تحريك الكاميرا بشكل سريع أو عند ضبط عدساتها بدقة لالتقاط مثل هذه الصور لتنتج هدفا في متحرك وسط عالم من السكون، ليظهر الفارق بين الحركة والثبات في الصورة الفوتوغرافية.

المصدر : الجزيرة