لماذا تفجير لوكربي?

undefined

بقلم/ وسام محمد فؤاد

انفجرت طائرة بان أميركان من طراز بوينغ 747 في رحلتها رقم 103 فوق مدينة لوكربي الأسكتلندية يوم 21 ديسمبر/ كانون الأول 1988، مما أسفر عن مصرع 11 من سكان المدينة و259 آخرين كانوا على متن الطائرة، منهم 44 بريطانيا و189 أميركيا بالإضافة إلى طاقم الطائرة.

أولا- إيران والانتقام
ثانيا- ليبيا والانتقام المضاد
ثالثا- الرواية الإسرائيلية
رابعا- رواية مبتورة.. لكن ذات دلالة


undefinedوفي أعقاب هذا التفجير أثيرت تساؤلات عمن وقف وراء هذه العملية. وعند الشروع في التحقيق تفتقت الرؤى عن عدة روايات يرى ناعوم تشومسكي –على نحو ما سنثبت لاحقا- أنها كلها على نفس القدر من الدلالة بحيث يتعذر على المحقق أن يرجح إحداها، مما فتح الباب لتأويل سياسي يحدد الجريمة وفق منطق حسابات المصالح التي تقع متعلقات أميركا منها موقع المركز.

ومن خلال فحص جل الأدبيات التي تناولت الموضوع ورواياته، وجدنا أن هناك ثلاث روايات أساسية تناولت هذه القضية، بالإضافة إلى وجود روايتين فرعيتين، وهو ما سنراه تاليا.

أولا- إيران والانتقام


الافتراض الأول يقول إن إيران رصدت 10 ملايين دولار موزعة بين الدولار الأميركي والذهب لتمويل عملية تفجير الرحلة 103 بالتنسيق مع الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين/القيادة العامة

أما أولى الروايات أو التفسيرات التي تم طرحها في هذا الأمر فتتعلق بتقرير صادر عن وكالات المخابرات البريطانية -أعلن رسميا إبان محاكمة المقرحي- أوضح أن العملية كانت مدفوعة برغبة الجمهورية الإسلامية الإيرانية في الانتقام لحادث إطلاق سفينة حربية أميركية النار "خطأ" على طائرة مدنية تابعة للخطوط الجوية الإيرانية كانت تنقل الحجيج الإيرانيين إلى مكة، وهي الحادثة التي أعقبتها تهديدات إيرانية –عبر راديو طهران- بصبغ السماوات الغربية باللون الدموي.

ويذكر هذا التقرير أن السلطات الإيرانية رصدت مبلغ عشرة ملايين دولار موزعة بين الدولار الأميركي والذهب لتمويل عملية تفجير الرحلة رقم 103.

ولا تقف الرواية عند حدود الجهة الممولة والدافع الرابض خلف مباشرة تلك العملية، وإنما تتعداها لتحديد الأصابع الخفية التي باشرت بالتنفيذ، حيث أشار التقرير المذكور إلى أنه قبل وقوع حادث تفجير طائرة بان أميركان بقرابة الشهرين قامت الشرطة الألمانية بتوقيف مجموعة عربية في مدينة فرانكفورت كان منها حافظ الدلقموني العضو البارز في الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين/ القيادة العامة التي يتزعمها أحمد جبريل. وكان من بين المقبوض عليهم الأردني مروان كريشات الذي ضبط بحوزته "جهاز تسجيل" يماثل الجهاز الذي تم استخدامه في زرع القنبلة على متن الطائرة المنكوبة، وهو ما استدل به بعد ذلك في احتمال قيام هذه المجموعة بمباشرة عملية تفجير الطائرة المشار إليها.

وقد أشارت تقارير إسرائيلية إلى أن اجتماعات مكثفة عقدت في بيروت بين مجموعة من الرموز الحكومية الإيرانية وبين مجموعات فلسطينية تابعة للجبهة الشعبية قبيل تفجير الرحلة 103 بعدة أشهر.

ويتجاوز التقرير حدود الإشارة إلى الفاعلين المحتملين ليوضح الرابط الذي جمع بين وزارة الداخلية الإيرانية وبين هذه المجموعة عبر نظام الحكم السوري الذي كان أكثر الأنظمة العربية قربا من النظام الإيراني. وتمت الإشارة في هذا الإطار إلى أن دمشق كانت بلد منشأ الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين–القيادة العامة.

ولم يكن هذا هو التقرير الوحيد الذي حوى مثل هذا التوجه، فثمة التقرير الصادر عن القطاع الأمني بالإدارة الدبلوماسية يوم الثاني من ديسمبر/ كانون الأول 1988 والذي يشير إلى أن ثمة مجموعات فلسطينية بعيدة عن منظمة التحرير الفلسطينية تنوي مهاجمة أهداف أميركية في أوروبا، وأن العمليات ستتم في الوقت الراهن (ديسمبر/ كانون الأول 1988)، وأن الهدف يحتمل أن يكون خطوط بان أميركان الجوية بالإضافة إلى القواعد العسكرية الأميركية.

وقد اتضح بعد ذلك أن مروان كريشات قد حُكم عليه غيابيا بالسجن لمدة 18عاما لاتهامه بالضلوع في عملية زراعة قنبلة على طائرة تعمل على خط روما–إسرائيل عام 1972. (1)

الرواية الأولى المعدلة: اختراق فلسطيني للأمن الأميركي
ما سبق كان يدور حول دور الفصائل الفلسطينية في حادثة لوكربي، في حين تشير الرواية الأولى المعدلة إلى اختراق الجبهة الديمقراطية/القيادة العامة لأحد أجهزة الأمن الأميركية الرفيعة المستوى وهو إدارة مكافحة المخدرات، حيث استغلوا أنظمته الأمنية لتأمين تمرير القنبلة إلى الطائرة المنكوبة، وهو ما دفع الولايات المتحدة لتجنب اتهام الجبهة الديمقراطية. فحامل القنبلة كان عميلا لأحد الأجهزة الأمنية الأميركية، وتم استغلاله من خلال خدعة باشرتها المخابرات السورية على جهاز مكافحة المخدرات، مستغلة نفوذها لدى واشنطن بعد إسهامها في الإفراج عن الرهائن الأميركيين في إيران.

ثانيا- ليبيا والانتقام المضاد


الافتراض الثاني يذهب إلى أن ليبيا قامت بالتفجير بالتعاون مع مخابرات ألمانيا الشرقية "ستازي"

أما ثاني الروايات فيربط ليبيا بالحرب الباردة، والتي كان العقيد القذافي يسهم في إطارها بدعم الحركات الانفصالية الراديكالية في كل أنحاء العالم بدءا من أوروبا حيث كان يدعم الجيش الجمهوري الإيرلندي بالمملكة المتحدة ومنظمة إيتا الانفصالية بإسبانيا، أو في عموم أفريقيا، إضافة إلى المنظمات الراديكالية الفلسطينية ومن ضمنها جماعة أبو نضال المصنفة على أنها من أخطر الجماعات الإرهابية آنذاك.

وتشير تقارير الأجهزة الاستخبارية الغربية إلى أن الاستخبارات الليبية وثقت تعاونها مع جهاز المخابرات الألماني الشرقي (ستاسي) الذي زودها بمعدات صناعة قنابل من نفس النوع الذي استخدم في تفجير طائرة بان أميركان، وأن هذه المعدات تم العثور على بعض منها في غرب أفريقيا أواسط الثمانينات.(2)

وتذكر تقارير المخابراتية الغربية أن ثمة حالة من حالات الانتقام المتبادل انتهت بتفجير الطائرة محل النقاش. وكانت بداية سلسلة الأعمال الانتقامية في عام 1986، حيث قامت عناصر من المخابرات الليبية بتفجير الملهى الليلي (La Belle Discotheque) في برلين، مستهدفة اغتيال شخصية عسكرية أميركية رفيعة المستوى، مما دفع الولايات المتحدة إلى الإقدام على عملية قصف مدينة طرابلس الليبية، وهو ما "قد" يكون الدافع وراء إقدام المخابرات الليبية على تفجير الرحلة رقم 103، أو متتالية ردود الأفعال كما أسماها ناعوم تشومسكي في مقاله "أكاذيب مجلة التايمز" في يناير/ كانون الثاني 1992.(3)

بل إن تشومسكي أعلنها صريحة في نفس المقال حين صرح بأن سبب اشتعال الموقف الليبي مرده إلى أزمة أميركا الداخلية وهي أزمة الرفاهة التي صارت تعاني منها الولايات المتحدة بعد عهدي ريغان وبوش، مما دفع القادة إلى الحديث عن العدو المزمن والانتصار الباهر في محاولة لدفع الأميركيين إلى دفع ثمن الانتصار على ذلك العدو المزمن وتحصيل هذا النصر الباهر.

وارتبطت هذه الرواية الليبية المحتوى بعميلي المخابرات اللذين كانا يعملان مستترين في مطار فرانكفورت تحت مظلة إحدى شركات الطيران العربية، حيث قاما بزرع القنبلة في جهاز التسجيل المشار إليه، ثم مباشرة تهريبها إلى الرحلة رقم 103 لتستمر القصة بصورتها الأبرز والأشهر.

ثالثا- الرواية الإسرائيلية


الافتراض الثالث تذهب فيه إسرائيل إلى اتهام إيران وليبيا وسوريا والفلسطينيين جميعا بالتخطيط لتفجير الطائرة

أما ثالث الروايات فهي الرواية التي يروج لها الإسرائيليون من خلال المقال الذي كتبه رئيس المكتب اليهودي باتريك غودينوف يوم السادس من أبريل/ شباط 1999حيث يميل الإسرائيليون لوضع كل أعدائهم في سلة واحدة.(4)

فقد ذكر صاحب المقال أن الكاتبين نيل لفنغستون وديفد هاليفي في كتابهما "منظمة التحرير الفلسطينية من الداخل" ذكرا أن السفارة الإيرانية في بيروت تلقت اتصالا من وزير الداخلية الإيراني من طهران بعد يومين من حادث لوكربي يهنئها بعملية ناجحة، طالبا منها أن تباشر تنفيذ إجراءات توفير التمويل التي وُعدت بها الجبهة الشعبية–القيادة العامة.

ورغم أن تورط كل من لبنان والجبهة الشعبية يعني مباشرة تورط سوريا بشكل مباشر، فإن الإدارة الأميركية لم توجه لوما إلى دمشق. وفي أوائل عام 1997 ذكر مسؤول رفيع في وكالة المخابرات المركزية الأميركية لمجلة فوكاس (Focus) الألمانية أن وكالة السي أي إي كانت على علم بأن الجبهة الشعبية تقف خلف انفجار لوكربي، وأكد أن الرئيس بوش الأب لم يشأ توبيخ سوريا لأن هذا كان سيؤثر على رؤيته لإدارة عملية التسوية في الشرق الأوسط.

وقد طفت قصة لوكربي في ألمانيا على السطح مرة أخرى حين أخبر أحد الضباط السابقين في المخابرات الإيرانية ضابط تحقيقات ألمانيا أن طهران أمرت بتفجير طائرة بان أميركان وأن السيد أبو القاسم مصباحي -أحد المؤسسين السابقين لوكالة المخابرات الإيرانية- أبلغ وزير الداخلية الإيراني علي أكبر ولاياتي بضرورة التنسيق مع ليبيا والجماعات الفلسطينية من أجل ضرب إحدى الرحلات الجوية الأميركية.

ومن خلال تجميع فسيفساء الرواية الإسرائيلية تكون إيران قد أرادت الانتقام فمولت الجبهة الشعبية لتقديم الكوادر، ورتبت مع المخابرات الليبية لترتيب المعدات، وكانت لبنان مسرح تدريب عناصر الجبهة الشعبية، وهو ما لا يمكن أن يتم إلا بموافقة سوريا. ووجهة النظر هذه ليست استنتاجا وإنما مقولة ذكرها تقرير إستراتيجي صادر عن معهد الإرهاب المضاد (Institute for Counter-Terrorism) (5).

رابعا- رواية مبتورة.. لكن ذات دلالة


الاحتمال الرابع يحمل جماعة أبو نضال مسؤولية تفجير طائرة البانام

الرواية الرابعة لا تكاد تجد ما يدعمها من حجج وبراهين أو حتى تقارير مخابراتية إذا ما افترضنا صدق هذه التقارير، وإنما أوردناها للإحاطة بكل الروايات التي قيلت بصدد هذه التهمة.

وتتعلق هذه الرواية باللجنة الثورية لحركة فتح، حيث نشرت صحيفة ذي غارديان في عددها الصادر يوم 23/8/2002 نقلا عن صحيفة الحياة اللندنية في حوارها مع عاطف أبو بكر -وهو أحد الأعضاء السابقين في المكتب السياسي لحركة فتح وعضو اللجنة الثورية للحركة- أن أبو نضال كان قد أسر إليه بأن ما يحدث من محاكمات بخصوص قضية لوكربي ليس سوى مسرحية هزلية، وأن عناصره هم المسؤولون عن تفجير الطائرة.

وقد ذكر متحدث رسمي لصحيفة الحياة اللندنية أن المقابلة مع عاطف أبو بكر قد تمت قبل وفاة أبو نضال، حيث كان أبو بكر قد فارق الحركة قبل ذلك الحوار بفترة.

ولا نريد تأويل مثل هذه الرواية، لكن من الواضح أنها تمت بعد وفاة أبو نضال، وحاول البعض الإيهام بأنها تمت قبل الوفاة المزعومة لأبي نضال منتحرا في بيته بالعراق وذلك بهدف تخفيف الضغط عن المتهمين الليبيين من خلال توفير اعتراف مباشر يخدم جميع الأطراف ولا يؤذي أحدا.
_______________
* كاتب ومحلل سياسي مصري
الإحالات:
1 – Palestinian Links remain unexplained، مقال لريتشارد نورتون، صحيفة ذي غارديان، بتاريخ 1/2/2001.
2 – Old Brutality catches up with new"" Gadafy، مقال لآيان بلاك، صحيفة ذي غارديان، بتاريخ 1/2/2001.
3 – US Governement Still on Ropes Over Lockerbie
4 – Was Iran Behind Lockerbie
5 – The Lockerbie Affair

المصدر : الجزيرة