الحرب العالمية الأولى في عيون العرب

موتى العرب في الحرب العالمية الأولى

استعرضت الحلقة الأولى من سلسلة “الحرب العالمية في عيون العرب” التي بثت الجمعة 14/11/2014، تاريخ مشاركة الجنود العرب في الحرب العالمية الأولى ودورهم في القتال إلى جانبي المعسكرين المتحاربين.

لم يكن العرب طرفا سياسيا فاعلا في الحرب التي اندلعت عام ١٩١٤، ولم يكونوا من المنتصرين ولا من المنهزمين، ومع ذلك فقد قتل من أبناء العرب وجرح الكثير لأن مئات الآلاف منهم جندوا قسرا للقتال في هذه الحرب العالمية التي لم تكن في الأصل سوى حرب أهلية أوروبية.

وأوضحت الحلقة الأولى من سلسلة "الحرب العالمية في عيون العرب" التي بثت الجمعة 14/11/2014، أن حظ موتى العرب يكشف أنهم أجبروا على القتال مع كلا الجانبين: الحلفاء وأعدائهم، ولكنهم بقوا جنود خفاء لا تحظى ذكراهم بما تحظى به ذكرى الضحايا الأوروبيين من التكريم والتعظيم، بل إنك لا تكاد تجد للضحايا العرب ذكرا في أي من السرديات التاريخية السائدة في أوروبا.

وكشفت الحلقة أن فرنسا جندت أبناء المغرب العربي منذ بداية المعارك في الجبهة الغربية في سبتمبر/أيلول ١٩١٤، وكانت الفرقة 45 الجزائرية والفرقة الفرنسية 87 الوحدتين الأوليين اللتين استهدفتا بهجمات الغازات الكيميائية من قبل القوات الألمانية.

واعتمد المجهود الحربي البريطاني والفرنسي إلى حد كبير على أبناء المستعمرات، حيث جندت فرنسا -في المغرب العربي لوحده- أكثر من ١٧٠ ألفا من الجزائريين وأكثر من ثمانين ألفا من التونسيين، إضافة إلى عشرات الآلاف من المغاربة.

تفرقة
وتميز الجنود المغاربيون بالشجاعة والبسالة الفائقة مما جعل قادتهم يدفعون بهم إلى الجبهات الأمامية، وبالتالي كانت الخسائر في صفوفهم مرتفعة جداً. وكانت نسبة الضحايا عالية بين معظم جنود المستعمرات في معظم فترات الحرب، إذ كان كثيرا ما يُدفع بهم إلى الخطوط الأمامية لمرمى النيران.

وتندرج في سياق هذه التفرقة ضد أبناء المستعمرات حوادث صادمة وقعت على الجبهة الغربية، ولكنها لا تكاد تذكر في كتب التاريخ، وتتمثل في أن الضباط الفرنسيين قرروا إعدام عشرات من الجنود الجزائريين والتونسيين إعداما عشوائيا ناجزا لا لذنب جناه الجنود، وإنما ليكونوا عبرة لكل من تسول له نفسه الفرار من معسكرات القتال.

وقد وقعت إحدى هذه الحوادث التي تعد الأخيرة من نوعها في التاريخ العسكري المعاصر، يوم ١٥ ديسمبر/كانون الأول ١٩١٤ في منطقة زيلباك البلجيكية.

وأخرج عشرون جندياً جزائرياً وتونسياً من الصفوف بطريقة عشوائية وجردوا من السلاح، وعلقت على صدورهم كلمة "جبان"، وصدرت إليهم الأوامر بالتقدم نحو الخطوط الألمانية، وإلى رفاقهم بإطلاق النار عليهم إن لم يسقطوا بنيران العدو.

تمرد
وتشير الحلقة إلى أن التجنيد الإجباري بدأ في تونس عام ١٩١١، أي قبل ثلاثة أعوام من اندلاع الحرب الكبرى، ولم يكن المجندون يعلمون بالضرورة ضد من سيقاتلون. وقد كانت المفارقة فاجعة عندما اكتشف التونسيون أنهم جندوا مع الجزائريين في إطار الحملة الفرنسية لاحتلال المغرب.

وتكرر المشهد عام ١٩١٤، ولم يكن المجندون يعلمون بالضرورة ضد من سيقاتلون، ولكن سرعان ما أدركوا أنهم قد يرسلون لقتال الأتراك والسوريين واللبنانيين والفلسطينيين والعراقيين الذين تربطهم بهم وشائج الإسلام والعروبة.

وهكذا قُدّر على العرب أن يقاتلوا على الجانبين، المغاربة في صفوف الجيش الفرنسي، والمشارقة في صفوف الجيش العثماني، ولكن ضابطا جريئا اسمه مصطفى كمال نجح في تركيا عام ١٩١٦ في ما لم ينجح فيه وزير الحربية أنور باشا في ليبيا عام ١٩١١ ولا في شرق تركيا عام ١٩١٤، ذلك أن القوات العثمانية تمكنت بعد سبعة أشهر من المعارك المريرة، من إحداث المفاجأة بالانتصار على قوات الحلفاء الغازية في شبه جزيرة غاليبولي على مضيق الدردنيل.

غاليبولي
عندما شنت قوات الحلفاء هجومها يوم ٢٥ أبريل/نيسان ١٩١٥، لم يكن الجنود العثمانيون المدافعون سوى فئة قليلة، بل إنه لم تكن لديهم ذخيرة، إلا أن قائدهم مصطفى كمال أصدر لهم التعليمات بالمصابرة والثبات.. "إني لا آمركم أن تقاتلوا، بل آمركم أن تموتوا لي هنا"، وأدى استبسال جنود مصطفى كمال وثباتهم إلى كسب وقت ثمين أتاح فرصة لوصول التعزيزات وصد هجوم الحلفاء.

أما الحقيقة التي لا يكاد يعرفها اليوم أحد، فهي أن هؤلاء الجنود الذين أمرهم مصطفى كمال بأن يموتوا لم يكونوا من الأتراك فحسب، بل إن معظمهم كانوا من الجنود العرب.

وتم توزيع أسرى العرب والمسلمين على عدد من المعسكرات، كان أكبرها معسكرا في منطقة زوسن خصصته ألمانيا للأسرى المسلمين. وبرزت فكرة فصل الأسرى المسلمين عن البقية لضمان الظروف الملائمة لاستمالة المسلمين والدعاية في أوساطهم.

وأقيم معسكر مخصص للأسرى المسلمين خصيصا في منطقة هافمون بداية العام ١٩١٥ وكان مخصصا للأسرى المغاربيين. وشهد هذا المعسكر بناء أول مسجد في تاريخ ألمانيا.

وحرص القيصر الألماني فيلهلم الثاني على بنائه من حر ماله، فقد كانت ألمانيا تجتهد في معاملة الأسرى المسلمين من مغاربيين وأفارقة وهنود وتتر بشيء من الرفق، أملا في ترغيبهم عن فرنسا وبريطانيا وروسيا، واستمالتهم إلى الجانب العثماني.