برنامج ممنوعون / صورة عامة / 11/1/2007
ممنوعون

ناس الغيوان

تلقي الجزيرة الضوء على تجربة غنائية مغربية شكلت جزءا من الحركة الثقافية المعاصرة.

– الثورة الأصيلة والتجديد في الموسيقى العربية
– بين الوعي الفني الإنساني والوعي الأيديولوجي

undefined

الثورة الأصيلة والتجديد في الموسيقى العربية

عمر السيد – أحد مؤسسي ناس الغيوان: لم نكن نتوقع لا النجاح ولا.. صراحة إحنا غير غاليين وحال الواحد مثل نقول له الواد.. الواد ممكن يكون غالي مثلما شفت لكن لا يلتفت الواد إحنا نفس الحال كل واحد يغني اللي يعجبه يشتري يسمعنا واللي لا يعجبه راح تلاقيه.. إحنا بحال واحد مثلما شفت كان وراءه نغني وما عرفناش أنت راضي عن هذه الأغنية ولا.

حسن نجمي – ناقد وشاعر: مجموعة ناس الغيوان هي أحد عناوين المغرب الثقافي والفني، ناس الغيوان لم يكونوا ظاهرة غنائية بل كانوا مختبر للغناء الذي صنع التاريخ وخرج من رحم التاريخ وقد ظلمنا الأخوة المشارقة عندما لم يعطوا الاعتبار اللائق لناس الغيوان ظلموا ناس الغيوان لأن هذه التجربة الغنائية لم تكن ملكية مغربية ولا ماركة مغربية مسجلة لقد كانت إنتاج عربي عميق أساسي كان ينبغي الانتباه إليه وما زال الوقت ممكن للانتباه إليه.

موليم العروسي – ناقد جماليات: ده كان للناس الغيوان يعني أحسوا بضرورة قول شيء ما وقالوه بمعنى أنه لم يقصدوا شيء إلا أنهم يغنون ماذا حدث بفضل هذا الغناء؟ ما الذي حدث على الساحة الثقافية المغربية أو العربية؟ حدث فعلا على أنه غيّروا علاقة الأذن العربية بالموسيقى بصفة نهائية ودائما أنا أشبههم بصدمة الجاز بالنسبة للأذن الغربية كيف أن الجاز غير تماما الغرب يقول ليس هناك فقط هذا الذي تسمعه بل هناك أشياء أخرى جديدة ولهذا أقول إنه لهذا الشيء الكثير اللي قام به ناس الغيوان هناك جحود تاريخي في حقهم وربما هذا البرنامج هو لإعادة الاعتبار.

حسين صالح: في أواخر الستينات ومطلع السبعينات كانت هناك ثورة لدى الشباب أخذت الثورة هذه شكل الاحتجاج الكاسح والرغبة في تهشيم ما جُبل عليه وعاش بموجبه جيل الآباء، انطلقت ثورة الطلاب في أوروبا ومثلها ثورات في أصقاع العالم الثالث، عرفت مصر احتجاجات الشيخ إمام وأحمد فؤاد نجم وصارت في جموع الشباب حيثما شئت ذات الرغبة في الانقضاض على السائد والمألوف، في الموسيقى والغناء ما عاد عبد الحليم حافظ كافي للتعبير عن جموح الشباب تطلعنا إلى البيتلز والرولن والبوب وثورة السوربون وثورة الصين الثقافية فاجأنا المغرب بفرقة أتاحت للشباب أن يرقصوا ويلووا خصورهم ويطلقوا شعورهم دون البوب والبيتلز ولكن بالإحالة إلى الأصول والتراث بل إلى الأغاني الصوفية والمناقب النبوية وأنّات البائسين، باختصار أحدث ناس الغيوان الحدث لنشاهد الشباب في حالة تشبه الروك آند رول ولكن على إيقاع مغرق في مغربيته وبأشعار سيدي عبد الرحمن المجذوب والشيخ الغرابلي وابن الموقت المراكشي لتتلوَّى الخصور على يا لطف الله الخافي.

حسين صالح: ما الذي جعل صوفية المغرب ووجدانه يذخران بكل هذا الرقص والغناء؟

موليم العروسي: الطرق هي في التصوف هناك الجانب العالِم الذي يتحدث عن الكتب والأصول وابن عربي وكذا وهناك جانب شعبي والجانب الشعبي مبني أساسا على الموسيقى في مواسم سنوية ترتبط بأولياء صالحين لكن ممارساتها هي ممارسات لا تعجب كثيرا السلطة السنية الدغمائية الدينية هذا الجانب الثاني الجانب الثالث هو تنوع المغرب لأن جغرافيا المغرب ممتد تقريبا على ما يقارب ثلاث آلاف كيلومتر على البحر وهذا الامتداد اللي هو امتداد تاريخيا كان يمتد إلى ما بعد السنغال يحتل ساحل العاج ربما وإلى جزر رأس الأخضر وهذه كلها غنى غريب أضف إلى ذلك كل ما جاء من الشرق أيضا وكل ما نزل من الأندلس من أوروبا في التبادل بحيث أنه حدثت لي مرة حادثة جميلة جدا كنت في مدينة صغيرة يمكن تعرفها معروفة بايون قرب بياريتس في جنوب فرنسا في على المحيط الأطلسي وكانت عندي حفلة وسمعت موسيقى تشبه كثير موسيقى عيساوا عندنا في المغرب فسألت على الآلة هي آلة نفخ فقال لي اسمها الغيطا وهي اسمها هنا في المغرب الغيطا تشوف هذا التداخل هذه كلها تداخلات وغنى غريب بعد قليل كنا نتكلم عن شعب يعبر بالكلمة وشعب يعبر بالموسيقى فممكن إذا أمكن أن نحدد ما هو المغرب في عمقه نحدده كما تفضلت بالموسيقى أكثر من أي شيء آخر.

"
ناس الغيوان استثمروا المرجعية الغنائية الدينية في عدد من أغانيهم كذكر اسم الجلالة وذكر الرسول والتغني بالمناقب النبوية
"
  حسن نجمي

حسن نجمي: طبعا ناس الغيوان استثمروا المرجعية الغنائية الدينية في عدد من أغانيهم هناك حضور لهذه المرجعية ليس فقط على المستوى الشعري ذكر اسم الجلالة ذكر الرسول والتغني بالمناقب النبوية إلى آخره في أكثر من أغنية لدى ناس الغيوان وهو استثمار لهذه المرجعية الموجودة في النسق الموسيقي والغنائي المغربي ككل ونحن نعرف أن المغرب تميز عبر تاريخه الموسيقي بحضور للمرجعية الدينية للخطاب الديني في الموشحات ما يسمى بالغناء أو الموسيقى الأندلسية وفي فن السمع وهي أناشيد وابتهالات دينية في الغالب تؤدى دون آلات موسيقية لكنها تعتمد أشعار كتبها متصوفة أو شعراء من الغرب الإسلامي في مدح الرسول والتغني بالمناقب الدينية وبكرامات المولوية المتعددة وتعود جذور هذا الغناء وهذا الشعر الديني في المغرب إلى العصر الماريني القرن الخامس عشر، ناس الغيوان أيضا لم يقدموا هذه الأغاني ذات الطبيعة الدينية انطلاقا من مرجعية أصولية معينة بالمعنى السياسي أو بالمعنى الديني الشائع وإنما يعبروا من خلال هذه الأغاني عن بُعد من أبعاد التمثل الشعبي للتراث الغنائي والموسيقي المغربي.

حسين صالح: التف الشباب والحرافيش حول الغيوان ووجدوا أنفسهم ممثلين تمثيلا صادقا وتاما، اكتملت عندهم عدة الثورة الأصيلة وآلتها وضع الغيوان التغريب في أزمة بل ألحقوا بالتغريب هزيمة أسدوا يد بيضاء للأصالة بنفورهم من الغريب الطارق وجعلوا البائس المسحوق في مدن الصفيح بطل أغنية ترفّعوا عن الفعل السياسي المباشر وانحازوا لمسحوقين غنوا للشمس والشجر والحجر وحوض النعناع وغنوا حتى لصينية الشاي.

[مقطوعة غنائية]

يا ندامتي ما لكأسي حزين ما بين الكيسان، يا ندامتي ما لكأسي تائه يئن زاد قوى على الأحزان؟ ما لكأسي باكي لوحده؟ ما لكأسي يا وعده هذا نكده غاب سعده؟ آه يا الصينية، يا اللي ما شفتوني ارحموا عليَّ وأنا أراني مشيت والهول داني، والدي وأحبابي ما فرطوا فيَّ، تا نعيط لشيخي لا تضق بي، أنا يا أليفتي أين نبغي نجيئك؟ وإذا جئتك عزيني يجعل ذنب الدنيا عليك أنت التي فارقتني، تا نعيط لشيخي لا تضق بي وأنا أراني مشيت والهول داني والدي وأحبائي ما فرطوا في بحر الغيوان ما دخلته عمدا.

حسن نجمي: وهناك انحياز في الأغنية الغيوانية لكنه انحياز موضوعي انحياز يصدر عن شبيبة مغربية خرجت من رحم المعاناة والمحنة والعذاب والألم عايشت الانهيارات الاجتماعية والاقتصادية جربت الحاجة جربت الجوع عاشوا في مدن الصفيح وعلى مقربة من سكان مدن الصفيح في الأحياء الهامشية في الدار البيضاء، فما صدر عنهم وما يصدر عنهم في هذه الأغاني لم يكن مطلقا بصادر عن حساب معين ماذا سأربح وماذا سأخسر كما يفعلوا المحترفون السياسيون هم ينحازون للذين لا صوت لهم واستطاعوا فعلا أن يكونوا صوتا لمَن لا صوت له.

حسين صالح: لنقف وقفة أخرى مع التجديد الذي أحدثوه في الغناء العربي، الغيوان أول تجديد مهم منذ السيد درويش الممتد في عبد الوهاب لكن الشعلة خبت أو انطفأت تقريبا لدى عبد الحليم حافظ، جاء الحل مغربيا لنقف عند كلمة الحل.

[مقطوعة غنائية]

أهل الحل يا أهل الحل متى يصفى الحال؟ أهل الحل يا أهل الحل متى يصفى الحال؟

حسين صالح: علينا بجد وبحق فهم التجديد على أنه استشفاف حلول لا بوستيج لا ترقيع ولا مجرد إحلال الغيتار بدل العود أو حمل الأورغ الكهربائي على أداء البيات، يبدو أنه لابد لحركة مهمة مثل هذه أن تنطلق من المغرب الثقافة التي تعبر عن نفسها موسيقيا مثلما كان مقسوما أن ينطلق التجديد في الشعر العربي من العراق من البصرة من عند السياب لأن الثقافة في أرض السواد تعبر عن وجدانها شعريا، المفارقة هي أن البصرة وطن السياب أبعد ثغر عربي عن الدار البيضاء هكذا جدد العرب شعرهم ثم موسيقاهم بدءا من الأطراف البصرة والدار البيضاء هذه مفارقة لكن لها أسباب موضوعية.

حسن نجمي: لا أظن أن هناك إمكانية لإجراء مقارنة دقيقة بين حركة شعرية ناهضة في البصرة أو في العراق وحركة غنائية موسيقية ذات طابع راديكالي في الدار البيضاء جسدت ناس الغيوان لكن هناك نوع من التخاطب بين البعدين أو بين الظاهرتين إذا انتبهنا إلى الأسباب التي تنبثق عنها الحركات الجيدة أو حركات التجديد في كل التعبيرات الفنية في الغناء في الموسيقى في التشكيل في النحت في الرقص، أن تنبثق حركة شعرية أو حركة غنائية أو حركة موسيقية جديدة في الغالب لا تصدر عن ذات فردية عزلاء عن سياقها وعن مرجعيتها وعن واقعها الاجتماعي والثقافي والفكري لابد من حضور لسلطة المرجع، ناس الغيوان عندما ظهرت في بداية السبعينات من القرن الماضي في الدار البيضاء لم يكن هناك وعي كاف بهذا التجديد لدى المؤسسين الكبار لمجموعة ناس الغيوان لم يكونوا قد خططوا عن قصد وبوعي وبرؤية استراتيجية معينة لهذا الانبثاق الجديد لتعبير غنائي احتجاجي مختلف وإنما الظروف الأسباب والشروط سيسيوثقافية هي التي تقود هذه الإرادة الفردية لدى كل واحد من هؤلاء الشباب الذين خرجوا من رحم اجتماعي بسيط ومتواضع جدا.

حسين صالح: ناس الغيوان أبناء أسر فقيرة وفدت على الدار البيضاء للعمل في مقلع الحجارة، أهل القرى يفدون على المدن الكبرى ويقيمون فيها مستعمرات يحافظون فيها على ما يحملونه معهم من غناء وحكايات وطباع ومأكل، الاختلاط الذي أتاحه التجاور في الحي المحمدي جعل الغيوان مختصرا مقربا لألوان الغناء المغربي بل لكل موسيقى المغرب المتراة من أساليب والإيقاعات.

عمر السيد: إحنا والدينا هاجروا للحي المحمدي من البوادي أنتم تقولوا الريف إياك هم البوادي، الوالد رجع من سوس من الجنوب جنوب المغرب فوقنا أغادير، الوالد المرحوم بو جمعة عائلته من الجنوب عبد الرحمن باكو من صاورة، الصاورة إحنا فين كان في مهرجان ديل قناوا العربي بطنجة من الشاوية أبعد شيء مائة وسبعين كيلومتر من الدار البيضاء نقول إحنا العروبية، كل واحد جاب معه ثقافته وكان يوم الأحد كي يكون عطلة بالنسبة لنا إحنا في المغرب كي يكون عطلة، فهؤلاء الناس والدينا والإخوان وإحنا عدد ناس يخرجوا يلعبوا ثقافتهم يخرجوا أمام واحد الحي الشنطة يقولوا شو الشنطة إحنا؟ شو يقولوا الشنطة بالعربية؟

مراسل الجزيرة: طريق.

عمر السيد: طريق ما يدوش منه كي يكون خاوي على الحد كي يلعبوا، كي يلعبوا وقلل كي يلعبوا هوارة كي يلعبوا قناوا بدون سنتير كي يلعبوا.. كي يجيبوا دوق الحلاقي، الحلاقي يكون ناس الحكاواتي كي يحكي القصة دي لعنترة بن شداد ويحكي الأزلية ويحكي الأميرة ذات الهمة وكي.. وكان فيه واحد.. وكان كي يلعبوا آلات إيقاعية كان بنديرة مربع على مربعة كان بنديرة كان الطبل كان التعريجة الكبيرة دي أقلها كانت التعريجة الصغيرة كان الناقوس كان.. يعني كي يلعبوا الموسيقى دي لهم من التراث دي لهم كان نشوفه إحنا وإحنا صغار وكانت تشحنه، كانت تشحنه بدون ما نشعر.

[فاصل إعلاني]

بين الوعي الفني الإنساني والوعي الأيديولوجي

حسين صالح: لا نجد بلد عربي مسلم مثل المغرب اختط لحضارته الموسيقية وتخندق فيها وحمى أصالتها ناس الغيوان فعلوا ما فعله أجداهم منذ العصر الماريني لم يعتمدوا الخطاب السياسي ما أردوا سوى الغناء الاحتجاج على المظالم تقليد مغربي قديم تذخر به أغاني الفلاحين والبائسين دون مرجعية أيديولوجية، حفظ لنا فيلم الحال الذي أعارنا عمر السيد حفظ لحظة انطلاق أغنية غيوانية ضمن حوار تذاكُر ومقابسات بين عمر السيد المرحوم العربي باطنة والعازف علال صاحب البانغو والعود، في حوار التذاكُر هذا تنبجس الأغنية من فم باطنة مثل نبع تكشف عنه ضربة فأس واحدة لا تكلف فيه ولا دراسة.

مشارك أول: الوالدة حكت لي أغنية طيبة ومهمة رجل وابنته كُتبت بعد عام الجوع بسنين القصيدة أقله ها خونا بالله.

[مقطوعة غنائية]

أقله ها خونا بالله مات الغني يا أحبابي وطلبة العلم والعوام مشت في جنازته.

موليم العروسي: وهم في هذا الباب أقرب إلى الاحتجاج الصوفي منه للاحتجاج السياسي لأن عندهم علاقة أكثر ممكن.. لناس الغيوان أن نسمعهم في أي وضعية ونحس دائما بنفس الحاجة إلى هذا النوع من الغناء لأنه كما قلت هو احتجاج على ظلم كوني وهذا الاحتجاج مش على وضعية معينة أو ظرف سياسي أو كذا ولا يوجد هناك احتفت الأغنية اللي يبدو الاحتجاج السياسي فيها واضح ولكن ليس بهذا الوضوح لأن كونك تحتج على رجال إذا ضاعوا يمكن أن يضيعون في حرب وممكن أن يضيعون في أي وباء ممكن يضيعوا في أي شيء ويضيعوا في مدينة أو في شيء ولكن قوة الكلمة هي الأساسية لأن الكلمة ممكن أن تصلح لأي زمان وأنا كنت شفت لأن هذا من جيلي يعني ناس الغيوان حتى أغاني ناس الغيوان الدينية لأن عندهم أغاني دينية صوفية يعني أمداح كان الماركسي والمتشددون والملحدون يرقصون على هذه الأغاني وكانوا يحاولوا أن يؤوِّلوها سياسيا ولكن هي ما فيها أي شيء هي دينية صوفية، أضيف إلى ذلك هو أنهم قاموا بتصالح أو ساعدوا الشباب على التصالح مع تعابير وكلمات كاد المثقف والغير مثقف أن ينساها نهائيا باتجاهه إلى المدينة فهم دائما يحيلون على أشياء موجودة من البادية يعني جذورهم دائما يحيلون على مجازات وطرق بلاغية أو يعني تعابير بلاغية بدوية يعني وريفية كما يقال كادت أن تُنسى ولكن أعادوها إلى سوق الرمز لتعود إلى التداول لمرة ثانية ولكن بطريقة عصرية جديدة مختلفة تماما على ما كانت عليه من قبل.

حسين صالح: تألفت الفرقة عقب اجتماعات بسيطة بين الشباب الغيوان في مقهى الكوميدي في الدار البيضاء يضع عمر السيد والعربي باطنة وبو جميع ويسمى أيضا بو جمعة وعبد العزيز الطاهري بلهوجة مشروع الفرقة الغنائية الجديدة، تنطلق أولى حفلاتها ويحتضنها الجمهور فورا، هنا نذكر أن الوضع السياسي في المغرب كان مخيفا كان ثمة رجلا يمسك بمفاتيح الأمن في البلاد اسمه الجنرال أوفقير كان الجو مشحون بالخوف وبرغبة الاحتجاج، من باب التداعي واستجابة لرغبة بعض المثقفين في المغرب ومصر أذكر أن النحاتة الإنجليزية الكبيرة إليزابيث فرينك خافت وهي في جنوب فرنسا من الجنرال أوفقير الخوف والتطير والجزع مصادر إلهام حرّكت الفن في الإنسان منذ أول العصور اعترفت إليزابيث فرينك إنها منذ رأت صورة أوفقير في الصحف حين اغتيل المهدي بن بركة صارت لا تستطيع أن تنحت وجه رجل إلا وأخفت عينيه نوافذ وجدانه وراء نظارة سوداء أصبح الجنرال المغربي أيقونة شر وخوف للنحاتة الإنجليزية المهم خافت الإنجليزية واحتج الناس الغيوان لكن احتجاجهم لم يكن موقفا سياسيا بل استمرارا لتقاليد الاحتجاج في المغرب موقف صوفي عمره بضعة قرون.

حسن نجمي: ناس الغيوان بهذا المعنى عندما يحتجون عندما يتخذون موقفا فنيا جماليا من خلال هذه الأغاني لا يتموقعون في موقع معين ضد موقع آخر أو يشتغلون لحساب رؤية سياسة ضد رؤية سياسية مفارقة بل يعبرون عن ما يمور في الوجدان العربي في الدواخل في السريرة الجريحة هذا هو الأفق الذي يمكن أن نفهم من خلاله الموقف الفني بتجربة ناس الغيوان، ناس الغيوان لم يكونوا مصطفين سياسيا أبداً لم يصطفوا سياسيا لا مع النظام السياسي في المغرب ولا ضد النظام السياسي في المغرب طرائق التأويل طرائق القراءة والتمثل لأغانيهم هي التي تجعل من أغانيهم تناصر أفق وتعارض أفق آخر بمعنى آخر أن الرؤية الغيوانية هي رؤية شعبية بامتياز يحتجون من دواخلهم بجوارحهم بجسدهم بكيانهم الروحي أكثر مما يحتجون بعقل وبوعي وبحساب سياسي صريح واضح كما يفعل الفاعل السياسي.

حسين صالح: لكن أغنيات الاحتجاج والوجل وتذكر الخلان وما سوى ذلك من ديوان الغيوان تتخلله أحيانا غضبات كبرى مثل غضبهم من صبرا وشاتيلا تخرجهم من شكوى الملحون الصوفي إلى عبارات الاحتجاج السياسي المباشر عن صمت العالم سألنا عمر السيد عن غضبات كتلك.

عمر السيد: الصراحة.. ليحملون شهادة في 1982 لموقعات المجزرة صبرا وشاتيلا فكان سكات.. ووجه لي المرحوم سكنغليا سكات كل الناس سكات وين نكتب؟ الدنيا سكات هو كتب الأعراب سكات الصهيون دارت مناورات صبرا وشاتيلا المجزرة الكبيرة أطفال ذبحات شيوخ وعيالات، يعني مش كقاعدة للقضية الفلسطينية كإنسانيين.. مش قاعدة يعني أي أغنية تدور على فلسطين لأن نحن لسنا.. هذا كان أحسينا باللي شيء حاجة بشو خرجت الوحدة حاجة طبيعية الرشوة ضد اللاعدل خاصة المساواة بين الناس خاصة يعني جعلهم من هموم الناس لكي يهتموا بها الناس ولكي تهم الناس لا اجتماعيا ولا ثقافيا ولا سياسيا فهذا يخرج الناس مش شغل الناس غنوة كان كما قال الشاعر الكبير احترمه جدا عبد الله زريقة كل مغربي صادق أراه شاعرا كل إنسان في هذا الوطن العربي صادق إنه شاعر بدون ما يكتب شعرا.

حسين صالح: حين رسم بيكاسو أشهر لوحاته الجيرنيكا كان مثلما حكى عمر السيد المذبحة التي نفذتها قوة الفاشية في أسبانيا أغضبت بيكاسو وحركت فرشاته ونزعت اللون والبهجة من الرسم لكن بيكاسو ومثله الناس الغيوان لم يتخذ المجزرة قضية أو موضوعا يلازم حياته وفنه، الدنيا فيها سوى المجازر أشياء كثيرة تفاح وغيوم ونسوة يبكيهن هجر الحبيب وغير ذلك، الجديد لدى الغيوان هو أنهم يتمثلون القديم عرفوا كيف يصلون بينما لدى المغرب بكل عصوره وبين ما لديهم لم يحتموا بثقافة مصطنعة ذات علم وتحليل هذا صلب الموضوع الغيوان يغلبون الوعي الفني على السياسي موقف لا يخلو من تعقيد لكنه موقف سهل الفهم إذا شرحه عمر السيد.

عمر السيد: الأغنية الغيوانية أسمى من الأغنية السياسية وأعلى وأنظف وأعمق كي يقول لك الفيلم ملتزم إذا إحنا قلنا ألزمنا الفيلم بالتزام لا الفيلم يمكن يبقى حر أسمى ما كان الفيلم فوق أنت اطلع عند الفن التزم مع الفن خليه حر يقول لك يقول لك هذا عنده قضية الفيلم ما عندوش قضية فمثلا شارلي شابلن أفلام رائعة أفلام عظيمة جدا مش قضية لذاته هو دار قضية بأفلامه الجميلة أعطهم مثلا المرحومة أم كلثوم ولمحمد عبد الوهاب الصبا والجمال ومضناك جفاه مرقده طب عبد الوهاب مش قضية لذاته هو دار قضية بأعماله الجميلة جدا فيلزم الإنسان يكون واقعي يكون مش ناس عايزين طلبة عايزين كده ولا هذا ما عندناش..

حسين صالح: إصرارهم على الأصالة ونبذ الإطار الأيديولوجي جعلهم هدفا صعبا لكنه هدف على كل حال لنيران القنص من اليسار ومن اليمين حاصرتهم السلطة وحاصرهم المثقفون بدعوة الالتزام عرف الغيوان محاولة التقييد التي ينشط لها المثقفون لكنهم احتموا بالأصالة ورفضوا أن يتحولوا إلى فنانين داجنين رفضوا القيود.

أحمد فؤاد نجم – شاعر مصري: لا والله أنت عارف أنت لو قلت القيود وسكت كانوا الناس تصوروا قيود السلطة لا ده المثقفين قيودهم أغلظ وأشد قسوة واحد يقول لك أنت ما كتبتش قصيدة عن بيروت؟ قلت له لا قال لي واحد قال لي أنت ما كتبتش قصيدة عن بيروت؟ قلت له هي بيروت تستاهل قصيدة؟! قال لي طبعا قلت له اكتبها أنت يعني هو السياسي اللي في تنظيم سياسي عايزك أنت تتكلم بالنيابة عنه تناضل بالنيابة عنه وتبقى أمامه كده يعني كده حاجة عجبة يتعجب بها.

حسن نجمي: إن هناك من كان يهاجم تجربة ناس الغيوان كما لو أنها ارتدت عن خيار ثوري أو تقدمي معين إلى خط رجعي أو ماضوي معين وهذا غير صحيح لأن تجربة ناس الغيوان في جوهرها في عمقها ليست ظاهرة غنائية أو تجربة غنائية تخضع لحسابات المنطق السياسي إذا صح التعبير ناس الغيوان على مستوى الأداء على مستوى الغناء على مستوى الإبداعية الموسيقية يعطون الأولوية والاعتبار بوعي وبلا وعي أيضا للبعد الجسدي ناس الغيوان شكلوا حالة صوفية وحالة جسدية وحالة سيكولوجية فيما قدموه من ريبرتوار غنائي وموسيقي.

حسين صالح: ترك الغيوان لدى الشعب المغربي الذي مثلوه بصدق إرثا فنيا في المتناول قبل أسابيع فقط شهد المغرب احتجاجا سياسيا ومظاهرات نظمت ضد الفساد وجد المحتجون بغيتهم في أغنية سبحان الله للغيوان ربما ما كان كلام ابن الموقت المراكشي ليتصدر احتجاجا سياسيا عام 2006 لولا الغيوان الذين أعادوا كلام المتصوفة إلى سوق التداول، الفن الأصيل لا يبتعد عن وجدان الناس بالتقادم يظل مختبئا لكن في المتناول مثل حلوى تخبئها الأم في طيات ثوبها كما يقول أحمد فؤاد نجم.

أحمد فؤاد نجم: الأمم أنت أمك فلاحة ولا لا؟ أنا أمي فلاحة الأم فلاحة عارف إنها بتشيل الحاجة الغالية قوي مثل حتة الحلاوة أو شكولاته بتشيلها هنا في صدرها وتاخدك على جنب وتطلعهالك وبرضه تشيل الكمبيالة الحاجة المهمة قوي تشيلها هنا فواحد قال لي مصر كانت حطاه جو سنتيان طلعته في وقت وهكذا هتلاقي ناس الغيوان كده ظهروا يوم ما الأمة كلها قيادات الأمة أفلست طلع الشارع العربي يقول الشيء الجميل اللي عملوه ناس الغيوان أنا أعرف ناس مش فاهمين الكلام بس هم لأنهم كمان عاملين مزيكا عالية خالص مزيكا شعبية بعبلها مش مصنوعة.

[مقطوعة غنائية]

سبحان الله صيفنا ولا شتوة ورجع فصل الربيع في البلدان خريف، سبحان الله صيفنا ولا شتوة ورجع فصل الربيع في البلدان خريف ومضت أيامنا سرقتنا سهوة وتخلصت الأديان كثيرا وإليك نصيف، قلت عجبي أضحت في الدين الرخوة ولا الإيمان عند العرب ضعيف.

حسين صالح: ختاما نسأل هل نجح الناس الغيوان في تغيير المشهد الموسيقي العربي؟ بل هل نجحوا في تحقيق ما كانوا يرمون إليه؟ ثم هل كانوا يقصدون تغيير وجه الموسيقى أصلا؟ يجيب عمر السيد مستعيرا بلقاء مع المخرج فاس بينغر.

عمر السيد: قالوا أنتم معهد الفنانين والرسامين والكتاب والصحفيين مش تقدروا تغيروا العالم هل تستطيعون أن تغيروا العالم؟ قال لي لا أنا ما أقولش الكل اللي يقدر يغير العالم الله سبحانه وتعالى أيوه وقال لي أنتم مش تقدروا تديروا قال إحنا بالمقابل نستطيع أن نغير صورة العالم بلا عالم وهذا كان روح جميل لأنها كان كي تشتغل في.. تقدر تغير الجو العام تقدر تغير واحد طرد جريدة تقدر تعبر عن الناس فين يخدموا.

حسين صالح: إذا كان عمر السيد مترددا في تقييم نجاح الناس الغيوان فهذا إملاء تواضعه وتأدبه فلنترك التقييم إلى شهادات الخبراء.

"
ناس الغيوان هم سفراء الأغنية العربية بإجماع الناس
"
موليم العروسي

موليم العروسي: كأنهم هم السفراء للأغنية العربية في هذا الجزء الثاني من القرن العشرين لم يحدث إجماع حدث إجماع على أم كلثوم ولكن هذا شيء ثاني ولكن لم يحدث إجماع على فرقة مثلما حدث على ناس الغيوان بحيث إنه شاهدت أنا بحفلات في أوروبا كان فيها جميع العرب، جميع العرب متواجدين وجميع العرب يرقصون بلسان واحد من المحيط إلى الخليج.

حسن نجمي: ناس الغيوان أنجزوا إنجازا غنائيا وموسيقياً وشعريا شفويا عظيما في تاريخ المغرب الحديث ولا يمكن أن نقرأ الحركة الثقافية المغربية الحديثة والمعاصرة بدون أن نستحضر ناس الغيوان هم جزء من تاريخنا الثقافي جزء من تاريخنا الغنائي والموسيقي والفني وأظن أنهم استطاعوا أن يتركوا بصماتهم وأن يشكلوا نمطا لن يموت بل ستحتذيه الأجيال المقبلة وسيظل متواصلا عبر الأجيال المقبلة.

أحمد فؤاد نجم: ناس الغيوان حققوا ذواتهم وأنجزوا مشروعهم العظيم ووصلونا نديهم تعظيم سلام ونقول لهم تحية لكم ويا رب يبقوا مجرد بداية في الوطن العربي كله لفرق كثيرة ستظهر تعمل الفن العظيم ده الفن العربي علشان ما نبقاش عالة على الحضارة ما نبقاش عالة على المزيكا الغربية زي ما كان أخونا عبد الوهاب يعمل وخطط وبتاع لا إحنا عندنا.. إحنا مزيكتنا من جوانا أنا أقول لناس الغيوان تحية لكم وربنا يخليكم ويكثر من أمثالكم على رأيهم يقولوا ربنا يكثر من أمثالهم إحنا محتاجين ده يا حسين.

حسين صالح: عندي شهادة أخيرة تثبت أن أغانيهم اخترقت حتى جدران الفقر والجنون ومَن يصل إلى وجدان المتسولين والمجاذيب فقد بلغ الأنثروبي واستقر في ذاكرة كونية.