صورة عامة- الشريعة والحياة- حلقة مفتوحة للعلامة يوسف القرضاوي ج3 - 05/09/2010
الشريعة والحياة

الحدود في الخطاب الفقهي المعاصر

ماذا يعنون بتطبيق الشريعة؟ ولماذا يتم اختزالها في عقوبات الحدود؟ وهل الحدود ثابتة ثبوتًا قطعيا لا اختلاف فيه؟ وما إمكانات تطبيقها في دول اليوم؟

– معنى تطبيق الشريعة وموقع إقامة الحدود منها
– قيود وشروط تطبيق الحدود ومصادرها

– العلاقة بين نظامي العقوبات الإسلامي والوضعي وحدود الاجتهاد

عثمان عثمان
عثمان عثمان
يوسف القرضاوي
يوسف القرضاوي

عثمان عثمان: مشاهدينا الكرام السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، أهلا ومرحبا بكم على الهواء مباشرة في هذه الحلقة الجديدة والمباشرة من برنامج الشريعة والحياة. يقول الله سبحانه وتعالى في كتابه العزيز {..وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ..}[الطلاق:1] ماذا يعنون بتطبيق الشريعة؟ ولماذا يتم اختزالها في عقوبات الحدود؟ وهل الحدود ثابتة ثبوتا قطعيا لا اختلاف فيه؟ وما إمكانات تطبيقها في دول اليوم؟ وما العلاقة بين نظام العقوبات الإسلامي والقوانين الوضعية؟ الحدود في الخطاب الفقهي المعاصر موضوع حلقتنا لهذا اليوم من برنامج الشريعة والحياة مع فضيلة شيخنا العلامة الدكتور يوسف القرضاوي. مرحبا بكم سيدي؟


يوسف القرضاوي: مرحبا بك أخ عثمان.


عثمان عثمان: الدعوة إلى تحكيم الشريعة أو تطبيق الشريعة متواصلة ومستمرة، بداية ما المقصود بها ولماذا يتبادر إلى الذهن غالبا أن المقصود بها هو إقامة الحدود؟


يوسف القرضاوي: بسم الله الرحمن الرحيم والحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اتبع هداه، وبعد فلا بد لي من كلمة قبل الإجابة عن سؤالك كنت أريد أن أقول كلمة تهنئة لأخينا المجاهد الشيخ رائد صلاح بمناسبة خروجه من السجون الإسرائيلية ولكن شاء الله أن تكون هذه الكلمة بدل أن تكون تهنئة تعزية في إخواننا الذين قتلوا في الكنيسة المصرية في الإسكندرية، رغم أنني أصدرت بيانا بالأمس وأصدر الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين بيانا في استنكار هذا الأمر لا بد في يعني برنامج الشريعة والحياة من كلمة في هذا، أنا يعني أرى أن هذه جريمة نكراء لا تصدر من مسلم وأن الذين فعلوا هذا إن كانوا مسلمين فهم لا شك في منتهى الغباء ويحملون مسؤولية عظيمة فإن جريمة القتل هي أعظم الجرائم بعد الشرك بالله تعالى، والقرآن يقرر {..أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً..}[المائدة:32]، النبي صلى الله عليه وسلم يفتح أبواب جهنم لمن تسببت في قتل هرة حبستها حتى ماتت لم تطعمها ولم تدعها تأكل فكيف من قتل بشرا، كيف من قتل بشرا كانوا في دار من دور العبادة!


عثمان عثمان: فيهم المسلمون أيضا.


يوسف القرضاوي: وفي مسلمين طبعا، وحتى لو لم يكن في مسلمين نحن مأمورون أن ندافع عن دور العبادة فالفقه الإسلامي يقول المسلمون واجب أن يدافعوا عن دور العبادة والنبي صلى الله عليه وسلم حينما عمل اتفاقيات مع بعض النصارى والصحابة كان يقول لهم كنائسهم ولهم صلبانهم ولهم نواقيسهم ويعني كل شيء يحمى وأهل الكتاب عامة والنصارى خاصة وأقباط مصر خاصة، يعني صحت أحاديث عدد من الأحاديث عن عدد من الصحابة النبي يوصي بأقباط مصر "الله الله في قبط مصر إنكم ستفتحون بلادهم وسيكونون لكم عدة وأعوانا في سبيل الله"، أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم تروي هذا وأبو ذر يروي عن النبي صلى الله عليه وسلم "ستفتحون بلدا يذكر فيه القيراط" كل شيء فيها 24 قيراطا كما هو معروف في مصر.. فيعني "اتقوا الله فيهم فإن لكم فيهم ذمة وصهرا" أو ذمة ورحما. وعدة أحاديث وصية في أقباط مصر ولذلك نحن نستنكر هذا الأمر أشد الاستنكار وليس وراءه إلا الشر إلا بث الكراهية، بدل أن يجتمع الشعب كله بمسلميه ومسيحييه ويقفوا صفا واحدا لبناء نهضة للبلد يعني يحدث هذا الأمر، ولذلك أنا يعني يخطر في بالي أن هناك يدا أجنبية وراء هذه الأشياء فلا يعمل هذه الأشياء لا مصري ولا مسلم يعرف الحلال من الحرام. يعني عزاؤنا إلى إخواننا الأقباط وأرجو أن يقف الشعب المصري كله ضد هذه الجرائم وأن يعرفوا أن أهم شيء الحفاظ على وحدة البلد ووحدة الشعب.

معنى تطبيق الشريعة وموقع إقامة الحدود منها


عثمان عثمان: مولانا ما المراد بتطبيق الشريعة؟ البعض عندما يطلق هذا المصطلح يتبادر إلى ذهنه أن المراد بتحقيق الشريعة هو إقامة الحدود فقط.


يوسف القرضاوي: المسلمون ظلوا 13 عاما لا مصدر لهم في قوانينهم ولا في حياتهم إلا شريعة الإسلام، شريعة الإسلام مصدر القوانين مصدر الإفتاء من يفتيهم، الشعب حينما يرجع إلى الشريعة، القاضي حينما يحكم لا يحكم بالشريعة ليس هناك.. 13 قرنا حتى دخل الاستعمار بدل المسلمين، لما دخل الاستعمار الإنجليزي بلاد مصر مثلا أول حاجة في شهرين ولا بتاع غير الشريعة وعمل قوانين أجنبية ولذلك أصبح هم المصلحين والمجددين من المسلمين بعد ذلك الرجوع إلى الشريعة تحكيم الشريعة تطبيق الشريعة سمه ما تسميه، العودة إلى الأصل، هذه أمة مسلمة مطالبة أن تحكم بما أنزل الله لا بقوانين نابليون ولا بالقانون الألماني ولا بالقانون الإنجليزي إنما بشريعتها ولذلك فهذا أمر طبيعي أن الناس تطالب بعودة الشريعة بتحكيم الشريعة ونحن من هؤلاء الذين نطالب بتحكيم.. على أن نحكم بالشريعة في ضوء اجتهاد جديد يراعي تغيرات الزمان والمكان والإنسان مش بنأخذ اللي في الكتب القديمة ونحكم، لا، في أشياء ما عادت تصلح، في اجتهادات قديمة ما عادت تصلح لزماننا، والشريعة صالحة لكل زمان ومكان ولكن في ضوء اجتهاد المجتهدين الذين يجمعون كما قيل بين الأصالة والمعاصرة ينتفعون بكل قديم نافع ويرحبون بكل جديد صالح فهذا هو.. وبعدين لأن القوانين الوضعية التي أصبحت تحكم الأمة الإسلامية عامة ما عدا بلدا ولا اثنين، القوانين الوضعية تتفق في كثير من الأحوال مع الشريعة الإسلامية ولكن أبرز ما تخالف فيه الشريعة الإسلامية القوانين الوضعية القانون الجنائي، التشريع الجنائي أو الجزائي أو العقابي الذي يعني يتضمن الحدود والقصاص، الحدود اللي هي العقوبات المقدرة حقا لله تبارك وتعالى والقصاص النفس بالنفس.


عثمان عثمان: ما منزلة ما موقع إقامة الحدود من تطبيق الشريعة أولا ثم من معالجة مشكلات الواقع الذي نعيش؟


يوسف القرضاوي: الشريعة كل لا يتجزأ، أنا من الناس الذين يقولون إذا أخذنا الشريعة لا بد أن نأخذ الشريعة كلها مش الجزء الجنائي منها فقط، أولا الجزء الجنائي ده من أواخر ما نزل من القرآن، يعني في سورة المائدة ومن أواخر ما نزل من القرآن يعني سورة النور وهي من أواسط ما نزل من القرآن والحدود كم تمثل من القرآن الكريم؟ عشر آيات، يعني كل الحدود التي جاءت في القرآن الكريم أربعة أو خمسة إذا أدخلنا القصاص في الحدود يبقى خمسة حدود، القصاص آيتان {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى..}[البقرة:178]، {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَاْ أُولِيْ الأَلْبَابِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ}[البقرة:179] وحد الزنا آيتان {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا..}[النور:2] وبعدين حد القذف {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً..}[النور:4]، وبعدين حد السرقة الكبرى اللي هي بيسموها المحاربة، قطع الطريق {إِنَّمَا جَزَاء الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَاداً أَن يُقَتَّلُواْ أَوْ يُصَلَّبُواْ أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْاْ مِنَ الأَرْضِ ذَلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ، إِلاَّ الَّذِينَ تَابُواْ مِن قَبْلِ أَن تَقْدِرُواْ عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُواْ أَنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ}[المائدة: 33، 34]، وبعدين آية حد السرقة {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُواْ أَيْدِيَهُمَا جَزَاء بِمَا كَسَبَا نَكَالاً مِّنَ اللّهِ..}[المائدة:38] يعني فهذه هي الحدود عشر آيات فلماذا نركز على الآيات العشر ونترك ستة آلاف وكذا آية؟ أنا أرى إذا يؤخذ الإسلام كله حتى مش الشريعة لأنه في يعني أحيانا يقال الشريعة مقابل العقيدة، شيخنا الشيخ الشلتوت رحمه الله له كتاب اسمه "الإسلام عقيدة وشريعة" والبعض يقول هناك عقيدة وعبادة وأخلاق وآداب وشرائع والشرائع بعضها مدني وبعضها اقتصادي وبعضها أسري أو أحوال شخصية وبعضها تجاري وبعضها دستوري وبعضها علاقات دولية كل هذا يدخل تحت أحكام شرعية فلماذا نركز على.. وحدهم.


عثمان عثمان: ربما البعض يرى أن إقامة هذه الحدود هي أبرز مظاهر وجود الدولة الإسلامية والخلافة الإسلامية.


يوسف القرضاوي: هي لأنها كما قلت يعني المخالفة مخالفة أساسية للقوانين الأجنبية أو القوانين الوضعية، فلكي يظهر أنه في تطبيق الشريعة أول ما يطالب هذا هو الظاهر للناس، لذلك الناس مهما عملت قوانين أخرى وأخذت الزكاة أو منعت الربا لا يعتبرونك أقمت الشريعة ما لم تطبق العقوبات والحدود الإسلامية، يعني وحدها لا تكفي، صحيح هناك بعض الناس حتى من غير المسلمين القانوني الكبير السوري الأستاذ فارس الخوري الذي كان رئيس وزراء سوريا فيما مضى كان من أشد المتحمسين لتطبيق العقوبات الإسلامية والحدود الإسلامية ويرى أنه لا يمكن قطع دابر الجرائم إلا بتطبيق الحدود الإسلامية وهو رجل مسيحي.


عثمان عثمان:  الدكتور عماد أبو الرب من كييف يسأل يقول "في الغرب نعاني من بعض الحاقدين على الإسلام أو الجاهلين فيه والذين يسلطون الضوء على الحدود وكيفية تطبيقها في بعض الدول الإسلامية" ويتحدث في هذا الموضوع كثيرا، يقول "ما هو توجيهكم للدول العربية والإسلامية التي تمارس هذه الأحكام بهذه الصورة وتعرضها عبر الإنترنت أو أشرطة فيديو بهذه الطريقة؟" أنا أريد أن أسأل بعد هذا الكلام هل هناك مشكلة في تطبيق الحدود؟ يعني هل هناك مشكلة اجتماعية أو حياتية في إقامة الحدود؟


يوسف القرضاوي: هي المشكلة يعني سوء التطبيق يعني أن تطبق الحدود دون شروطها، يعني قبل أن يطبق النبي صلى الله عليه وسلم حد السرقة كان طبق الإسلام كله {وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ..}[البقرة:43] أخذوا من أغنيائهم لترد على فقرائهم، أقام التكافل الاجتماعي شغل العاطلين يعني فأقام حياة إسلامية، هنا في الحالة دي تقيم حد السرقة إنما حين يكون الناس لا يجدون عملا عاطل لا يجد عملا جائع لا يجد خبزا مريض لا يجد دواء يتيم لا يجد كفالة مشرد لا يجد مسكنا يعني كيف تطبق الحد والناس على هذه الحال؟ ابدأ أقم الإسلام في هذه النواحي وبعدين اللي بيسرق بيبقى بيسرق من شر في نفسه، ومن هنا سيدنا عمر رضي الله عنه أوقف حد السرقة في عام المجاعة لأنه رأى أن وجود المجاعة العامة شبه عامة أن الناس بتسرق لحاجتها لجوعها، الجوعان يريد أن يأكل أو يؤكل أولاده وأسرته، فرأى أن هذا.. وبعض الناس لما جاء أحد السادة وقال إن عبيدي سرقوا ناقتي ومش عارف إيه وبتاع وبعدين هم سيدنا عمر ليعاقبهم بعدين قال لولا أنكم تجوعونهم حتى لو أكلوا ما حرم الله لقطعتهم، اذهب فأشبع حاجاتهم وإلا قطعت يدك أنت. هنا لا بد أن تقيم العدل الاجتماعي وتشبع حاجات الناس وبعد ذلك فأحيانا تطبق الحدود ولم تراع هذه الأمور، ففي عهد الإمام حسن البصري كان بيعظ الناس بعدين سمع ضجة في الخارج فقال ما هذه الضجة؟ قالوا سارق، قبضوا على سارق، فقال سارق السر يقبض على سارق العلانية. يعني اتهم هؤلاء الحكام الذين كانوا في زمنه أنهم يسرقون في السر ويأخذون اللي بيسرق في العلن ده والثانيين ما بيحاكموش، الناس تسرق عشرات الملايين ومئات الملايين والمليارات واحد تنهب البلد تأخذ أراض لها وتأخذ كذا وبعدين لأنه قريب الرئيس أو الوزير أو محسوب على كذا أو بتاع لا يعاقب ويعاقب المسكين، هنا الخلل، الخلل ألا نراعي الشروط، ولذلك الأصل نحن مش نسارع إلى إقامة الحدود، في "ادرؤوا الحدود بالشبهات" المسلمون متفقون على هذه القاعدة يعني أحيانا يبالغون في توسيع الشبهات لأنه كما جاء في بعض الأحاديث التي رواها الحاكم "ادرؤوا الحدود ما استطعتم ومن وجدتم له مخرجا فخلوا سبيله ولئن يخطئ الإمام في العفو خير من أن يخطئ في العقوبة" يعني أن تعفو عن واحد غلط هذا أهون من أنك تعاقب واحدا بريئا غلط.


عثمان عثمان: الدكتور توفيق الشاوي رحمه الله يقول ويرى أن تطبيق الحدود ونظام العقوبات قبل توفير نظام الإصلاح الاقتصادي والتكافل والعدل الاجتماعي يعطي الحكام سلاحا جديدا يذلون به شعوبهم.


يوسف القرضاوي: وده اللي نحن قلناه، إنه قبل أن تقيم الحد أطعم الجائع وشغل العاطل وعلم الجاهل ودرب العامل، لازم تؤدي هذا قبل إقامة الحد. الإسلام مش حريص أن يعاقب الناس والحقيقة إن العقوبة أصلها بتتعامل مع غير الأسوياء مع الناس، هو من اللي بيجرم حتى.. القليل من الناس إنما عامة الناس اللي نزلت لهم الشريعة المفروض أنهم ناس أسوياء، إنما لازم يعاقب المجرم إذا ترك المجرم بدون عقاب بيكون فساد في الأرض، جاء في بعض الأحاديث يعني حد يقام في الأرض بحقه خير من أن تمطر أربعين يوما، لأن ما قيمة أن تمطر الأرض وتثمر ويأتي الناس السراق واللصوص والمجرمون ويأخذون ثمراتها لأنفسهم ويحرم الشعب العامل الكادح ليأكل من ثمرة ما عمل والثانيين يأخذون بدون أن يعملوا.


عثمان عثمان: نعم. مولانا أنتم ذكرتم القول الثابت "ادرؤوا الحدود بالشبهات" ما حقيقة تطبيق الحدود؟ ما قيودها؟ ما شروطها؟ أسمع الإجابة إن شاء الله بعد الذهاب إلى فاصل قصير، فابقوا معنا مشاهدينا الكرام نعود إليكم بإذن الله بعد الفاصل.

[فاصل إعلاني]

قيود وشروط تطبيق الحدود ومصادرها


عثمان عثمان: أهلا وسهلا بكم مشاهدينا الكرام من جديد إلى حلقة هذا الأسبوع من برنامج الشريعة والحياة والتي نتحدث فيها عن الحدود في الخطاب الفقهي المعاصر مع فضيلة شيخنا العلامة الدكتور يوسف القرضاوي. سيدي ما حقيقة تطبيق الحدود؟ ما قيودها؟ ما شروطها؟


يوسف القرضاوي: الله تعالى شرع الحدود للردع من ناحية وللتطهير من ناحية أخرى، والفقهاء اختلفوا إذا كانت الحدود زواجر أو جوابر؟ الحقيقة أنها زواجر وجوابر، هي زواجر للشخص حتى لا يعود مرة أخرى وزواجر لغيره لما يشوف العقوبة الشديدة هذه لا يعود وهذا أمر مجرب، بعض الناس يقول لك الحدود الإسلامية شديدة ولكن الشدة مطلوبة، ما البديل عن الحدود؟ البديل عن الحدود في القوانين الوضعية هي السجن ولكن الحقيقة السجن لا يردع ولذلك كثر الذين يسرقون ثم يعودون، أصحاب السوابق يعني سرق مرة ومرة ومرة بالعكس يدخل السجن فيزداد ضراوة ويزداد خبرة في سبل الإجرام لأنه هو إذا كان معه ابتدائية في الإجرام حيلتقي واحدا معه ثانوية وواحدا معه بكالوريوس وواحدا معه دكتوراه لأنه بقى له خمسين سنة في الإجرام وتعلم فنونه وبيقعد بيحكي له بيعمل إيه وبيساوي إيه وإزاي تعمل يعني يقول له إذا سرقت اسرق جملا وإذا عشقت اعشق قمرا، فيعني يقول له ما تقعد تعمل علشان تسرق عنزة ولا.. اسرق خزنة يعني كيف تفك الخزنة يعني يتعلم منه فيخرج أشد. السجون لا تكفي، من هنا كانت القوانين العقوبات، قوانين العقوبات الإسلامية فيها شدة بس الشرط أنه تطمئن فعلا أن هذا ليس مجبرا على.. يعني لازم يكون مختارا تماما ليس هناك جبر، لازم يكون يعرف أن الحدود دي محرمة، سيدنا عمر يقول "لا حد إلا على من علم" ولذلك إذا كان المجتمع جاهلا ولا يعرف إيه الحلال من الحرام لازم يتعلم، بعض الناس الإسلام له فلسفة في مثلا حد الزنا، ولا يقيم حد الزنا لأن الرجل زنا إنما يقيم حد الزنا لأنه فجر يعني ارتكب الزنا علانية جهارا نهارا بحيث يراه الناس أربعة على الأقل من الناس يرونه وهو يؤدي العملية الجنسية "كالميل في المكحول" هذا ما يقول الفقهاء، اللي يعمل كده لازم يكون إنسانا فاجرا لا يبالي إنما إذا زنا واستتر ربنا يعني كل الأمة معافى إلا.. قابل للتوبة، فلا بد أن نتأكد أنه أدى هذه الجريمة بحيث يعني رآه أربعة شهود يعني تماما عدول يتأكد من عدالة هؤلاء ما يكونوا جماعة لفقوا لواحد تهمة واتفقوا مع بعض وبتاع يعني، ولذلك عدالة الشهود يا إما الشهود الأربعة أو بالإقرار أربع مرات أمام القاضي وأن يكون عارفا أن نتيجة هذا إذا كان مثلا محصنا الرجم وإذا كان غير محصن الجلد وبعض الناس يجي يقول أمام القاضي ولا يعرف أنه حيترجم ولا كذا، لا، لازم يعرف تماما، أن تزول كل شبهة، ما يكونش هناك أي شبهة، مثلا يقول لك إذا سرق من بيت المال يقول لك لا تقطع يده، لماذا؟ لأنه يقول لك ده له حق فيه، بيت المال بيت المسلمين جميعا هو من المسلمين فله حق فكيف نقطع..


عثمان عثمان: ومن سرق من مال الدولة؟


يوسف القرضاوي: سرقة الكتب يعني ما فيهاش يقول لك يعني ده المفروض كتب للنفع العام وكذا، في ناس من أهل العلم يقول لك دي كتب يسرقها، إنما هو يعني في شيء إذا سقط الحد لا يسقط التعذير، ممكن نقيم عليه.. فالحدود يشترط فيها أن تتم كل مقوماتها وكل شروطها وتنتفي كل شبهاتها وإلا تنتقل إلى التعذير.


عثمان عثمان: إن سرق من بيت مال المسلمين لا يقام عليه الحد، إن سرق من مال الدولة الآن؟


يوسف القرضاوي: آه، لا يقام عليه الحد، يقام عليه تعذير عقوبة.


عثمان عثمان: تحدثتم مولانا عن ضمانات لتوفير العدالة تطبيق العدالة الأمن الاجتماعي الأمن الاقتصادي المساواة أمام القانون، هل يعني ذلك بحال من الأحوال أن توقف هذه الحدود حتى تتوفر الضمانات؟


يوسف القرضاوي: إلا ما استوفى، يعني حد معين استوفي شروطه إنما الأصل ألا تقام الحدود إلا إذا طبقنا كما قلت تعاليم الإسلام عامة في العقيدة والشريعة والأخلاق والآداب والقيم، نقيم مجتمعا مسلما في الحالة دي نقيم الحد إنما نترك كل تعاليم الإسلام وما نطبقش في الإسلام إلا قطع يد السارق وجلد الزاني! هذا ليس سليما هذا.


عثمان عثمان: حدود الله عز وجل وردت أكثر من عشر مرات في سياقات مختلفة، في سياق الحديث عن الطلاق عن الظهار عن المواريث وغيرها، ما المراد بحدود الله هنا؟


يوسف القرضاوي: حدود الله المراد بها المعالم المميزة للأشياء بين الحلال والحرام، المقادير المحددة، أكثر ما وجدت الحدود في شؤون الأسرة يعني شؤون الزواج والطلاق والمواريث وهذه الأشياء {..وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَن يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ..}[الطلاق:1]، الأسرة قامت على عنصرين أساسيين عنصر رباني وعنصر إنساني، العنصر الرباني التعاليم اللي جاء بها القرآن والسنة، أن الإنسان له طلقتان يراجع فيهما وبعد ذلك لا تحل له حتى تنكح زوجا غيره، أن المرأة لها عدة وعدتها، عدة المطلقة غير عدة اللي مات عنها زوجها، وعدة المطلقة الصغيرة والآيسة غير عدة.. دي ثلاثة أشهر ودي ثلاثة حيض {..وَأُوْلَاتُ الْأَحْمَالِ أَجَلُهُنَّ أَن يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ..}[الطلاق:4] دي كلها حدود الله، حدود مميزة، ربنا حتى ما تجيش تقول لا أنا أعمل ثلاثة أشهر يكفي شهر دلوقت مثلا، لا، هي حدود الله ما فيش فيها.. يعني ما فيش اجتهاد في النصوص القطعية، فدي حدود الله وفي الأمر الإنساني المعروف {..وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ..}[النساء:19]، {..وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ..}[البقرة:233]، {وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ..}[البقرة:241] المعروف ما يتعارفه أهل الفضل من الناس يعني العرف السائد في المجتمع الصالح. وبعدين أطلق بقى على الحدود هذه كلمة شاعت في الفقه الإسلامي وأول من نطق بها النبي صلى الله عليه وسلم حينما جاء يشفع سيدنا أسامة بن زيد في امرأة من قريش من بني مخزوم سرقت ويعني قبيلتها وأسرتها حتبقى فضيحة لما تقطع، فقالوا نوسط حبر رسول الله وابن حبه أسامة بن زيد فجاء يشفع لهذه المرأة، فالنبي عليه الصلاة والسلام غضب وقال "أتشفع في حد من حدود الله يا أسامة؟! إنما هلك من كان قبلكم أنهم إذا سرق فيهم الشريف تركوه وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد، وأيم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطع محمد يدها".


عثمان عثمان: عدالة الإسلام.


يوسف القرضاوي: هو سمى هذه الحدود أنها تعاليم منصوص عليها.


عثمان عثمان: طريقة ثبوت هذه الحدود هل هي فقط في القرآن الكريم أم من مصادر أخرى أيضا؟


يوسف القرضاوي: هو المقطوع به ثبت بالقرآن، ذكرت لك خمسة حدود القصاص والسرقة والحرابة أو قطع الطريق وجلد الزاني وأيضا حد القذف الذين يقذفون المحصنات المؤمنات الغافلات يعني حدهم ثمانين جلدة وحتى الإسلام جعل حتى الحد فيه ثلاث عقوبات {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً..} هذه عقوبة بدنية {.. وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَداً..} اسقاط اعتبارهم المدني ودي عقوبة مدنية {.. وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ}[النور:4] عقوبة دينية، وبعض العلماء يقول حتى لو تاب لا يعاد قبول شهادته، الأحناف، وبقية الأمة يقولون لا إلا الذين تابوا، أبو حنيفة يقول ده يعود على الفسق {.. وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} إنما دول كان قال لا تقبل لهم شهادة أبدا، فهذه هي الحدود التي ثبتت بالقرآن وهذه الحدود قطعية. وهناك حدود ثبتت بالسنة مثل مثلا حد الشرب، شرب الخمر وبعض الفقهاء يجعل حد الخمر أربعون جلدة وبعضهم يقول ثمانون جلدة وبعضهم قليل من الفقهاء يقول حد الشرب تعذير، الشرب ليس حدا بل هو فيه عقوبة تعذيرية وكان هذا مذهب الإمام البخاري لأنه ما ذكر فيه عدد قال كانوا يضربونه بالنعال والجريد والثياب والأشياء دي وأن دي ما تتعداش ساعات كل واحد بيلطش كده ويعمل كده ولذلك ذهب بعض العلماء من الأقدمين ليس الطبري وغيره ومن القريبين زي الإمام الشوكاني صديق حسن خان من المعاصرين، العلامة الشيخ أحمد محمد شاكر يقول إنه وأنا ممن يرى أن حد الشرب لم يثبت فيه عقوبة، يمكن تكون ضرب ويمكن تكون غرامة ويمكن تكون سجنا يعني..


عثمان عثمان: المهم أن يكون هناك عقوبة قد تصل إلى حد التعذير.


يوسف القرضاوي: فهذا ما ثبت بالسنة، ما ثبت بالسنة أيضا حد الردة، وهل هو القتل، في عدد من الأحاديث بعض الناس بيقولوا حديث "من بدل دينه.." لا، في عدة أحاديث مش حديث "لا يحل قتل امرئ إلا بثلاث.." في حديث معاذ بن جبل وأبي موسى الأشعري، في حديث عثمان بن عفان، في حديث عائشة، في القرآن حتى أشار إلى هذه العقوبة حينما قال {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ يَخَافُونَ لَوْمَةَ لآئِمٍ..}[المائدة:54] يعني تقاوم الردة خصوصا إذا كانت ردة جماعية، لا نترك المجتمع يرتد ويخرج عن دينه ونسيب الزنادقة والمنافقين والعملاء ينشرون الردة في المجتمع والفساد في المجتمع ويستغلون غفلة المجتمع عن هذا الأمر، لا، لا بد أن تقاوم الردة، وبعض.. يعني ورد عن سيدنا عمر أنه يعني مش ضروري أن الردة تقاوم بالقتل لما سأل عن بعض الناس من بكر بن وائل قالوا قتلوا يا رسول الله، فقال إنا لله وإنا إليه راجعون، قال وهل كان سبيلهم غير القتل؟ قال لو كنت أنا كنت أحبسهم وأعطيهم كل يوم كم رغيف وكذا وبعدين أستتيبهم، يعني أناقشهم وأحاول. والإمام النخعي والإمام الثوري يرون أن المرتد يستتاب أبدا، هناك كلام كثير يعني في الردة. أيضا حد الرجم يعني لم يثبت بالقرآن، ثبت بالسنة وبعض الخوارج يعني يقول إنه لا يرى الرجم.


عثمان عثمان: في موضوع الحدود أيضا فضيلة الدكتور هناك تفاوت ربما في تفاصيل بعض هذه الحدود كحد السرقة مثلا هناك من يتحدث عن مفهوم القطع حد القطع النصاب الذي يجب فيه هذا القطع ماذا تقولون في هذه المسألة؟


يوسف القرضاوي: طبيعي لازم، كل التفصيلات الفقهية فيها خلافات، المهم الذي لا خلاف فيه أن السارق إذا سرق ما يستحق القطع ده يسميه الفقهاء نصاب السرقة، مش معقول يعني يجي واحد سرق أكلة علشان يأكل تقطعوا يده، لا، لا سرقة في الأكل وهذه الأشياء، لا سرقة في ما دون دينار أو عشرة دراهم عند الأحناف، غيره بيقول ربع دينار أو ثلاثة دراهم، يعني لازم يكون في مال يستحق، في خلاف كثير وهذه الأشياء قابلة للاجتهاد في عصرنا يعني فالأشياء الأساسية متفق عليها والأشياء المختلفة إنما اتفقوا على الأقل الجمهور أن القطع من الرسغ هنا، مش من كل كده يعني أيديكم إلى المرافق وفي.. اليد هنا إلى الرسغ، فالأمور المختلف فيها..


عثمان عثمان: هذا الخلاف.


يوسف القرضاوي: ويرجح الراجح منها.


عثمان عثمان: هذا الخلاف الفقهي حول هذه المسائل في الحدود هل يفتح الباب أمام اجتهادات معاصرة لتطبيق الحدود الآن؟


يوسف القرضاوي: آه طبعا طبيعي، أنا اشترطت لكي نطبق الشريعة الإسلامية لا بد أن نفتح باب الاجتهاد في أمور كثيرة، يعني أنا أرى أن كثيرا من.. مثلا هناك هل يقتل المسلم بغير المسلم؟ لو واحد مسلم قتل واحدا من أهل الذمة من المواطنين، افرض مسلم مصري قتل قبطيا، يُقتص منه ولا لا؟ مذهب أبي حنيفة وأصحابه يقولون يقتص منه، وفي حديث يقول لا يقتل مسلم لكافر، أبو حنيفة يقول لا ده المقصود الكافر الحربي إنما إذا كافر ذمي إذا قتله يٌقتل، وهذا ما مشت عليه الدول الإسلامية في عهد العباسيين لأن العباسيين من عهد أبي يوسف كان قاضي القضاة كانت تطبق المذهب الحنفي وعهد الدولة العثمانية بعدها أيضا كانت تطبق المذهب الحنفي. في أشياء يعني يقابلها الديات، ودية المسلم وغير المسلم دية الرجل والمرأة، أنا لي اجتهاد في أن دية المرأة مثل دية الرجل وخالفت فيه جمهور الفقهاء لأن القرآن قال {..وَدِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِه..ِ}[النساء:92] لم يفرق بين رجل وامرأة وفي القصاص لو واحد قتل امرأة يقتل ما نقولش لا، حنقتل رجلا بامرأة؟! أيوه نقتل، وما دام نقتل رجلا بامرأة ليه ما تكونش ديته مثل ديتها؟! لا بد من إعادة الاجتهاد في هذه الأمور كلها.

العلاقة بين نظامي العقوبات الإسلامي والوضعي وحدود الاجتهاد


عثمان عثمان: الآن نتحدث عن نظام عقوبات إسلامي، نظام العقوبات الجنائي في الإسلام عن أنظمة وضعية، كيف ترون العلاقة بين هذين النظامين، هل هي علاقة تكامل أم مفاصلة؟


يوسف القرضاوي: لا، مفاصلة، ما فيش تكامل، الأنظمة الوضعية تعبر عن فلسفة معينة يعني لا يمكن أن يعاقب النظام الوضعي الزاني لأنه لا يرى أن الزنا جريمة هو يرى أن من حق الإنسان أن يستمتع، حتى الشذوذ أصبحوا ما عادوش بيسموهم شذاذ، بيسموهم مثليين أن الإنسان يميل إلى مثله يعني فكيف يكون متكاملا وهو يعبر عن فلسفة غير فلسفتي تماما؟ واحد بيرى أن الربا حلال وأنا بأقول إن الربا من أكبر الكبائر {..فَأْذَنُواْ بِحَرْبٍ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ..}[البقرة:279]، {وَلاَ تَقْرَبُواْ الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاء سَبِيلاً}[الإسراء:32] لا تكامل بين القوانين الوضعية ويمكن هذا في بعض القوانين المدنية وإن كان الإسلام يختلف في تحريم الربا وتحريم الغرر وتحريم أنواع من الظلم وأنواع من الغش ولكن لا يعني هذا أننا لو واحد طبق القوانين الوضعية نعتبره.. وهي حتى متفقة مع الشريعة الإسلامية نعتبره طبق الشريعة الإسلامية لماذا؟ لأنه يجب أن تأخذ النظام بفلسفته بجذوره الفلسفية، ما تأخذه بدون.. إذا أخذته بجذور غير الإسلامية لا تؤجر عليه ولا يعطيك القوة والروح، النية شيء مهم جدا، لما تأخذ هذا القانون على أنه أمر من الله لا يجوز الافتكاك عنه {وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَن بَعْضِ مَا أَنزَلَ اللّهُ إِلَيْكَ..}[المائدة:49]، {..وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ}[المائدة:44]، {..وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ}[المائدة:45]، {..وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ}[المائدة:47] كونك تأخذ هذا وأنت معتقد أنك تحكم بما أنزل الله وتعبد الله بهذا الأمر غير أنك تخدم قانونا وضعيا جايبه من الأجانب، لا، لازم تأخذه بنية التعبد لله سبحانه وتعالى وتحكيم ما أمر الله به، فرق بين الروح هنا والروح هنا والنية هنا والنية هنا والأثر هنا والأثر هنا.


عثمان عثمان: فضيلة الدكتور أشار الفقيهان القانونيان عبد القادر عودة وتوفيق الشاوي إلى إمكان القول بحد أقصى للعقوبات وحد أدنى لهذه العقوبات وأن الحد الأدنى متروك للاجتهادات، ما إمكانية العمل بمثل هذا القول؟


يوسف القرضاوي: هو المفروض أن الحد هو العقوبة القصوى والتعذير هو العقوبة الدنيا، يعني نحن لا نطبق الحد إلا إذا اكتملت الجريمة تماما، إذا كان فيها أي خلل لا نطبق الحد، فنطبق العقوبة.. الحد هو عقوبة قصوى لمن اكتملت جريمته تماما، إذا لم تكتمل.. فالواحد يعني ما ثبت عليه حد الزنى إنما ثبت أنه دخل بيت واحد أجنبي وثبت أنه لم يرتكب الزنا إنما قبل المرأة ولا كذا وبتاع هذا نعاقبه عقوبة أقل اسمها العقوبة التعذيرية، العقوبة التعذيرية مفوضة للقاضي أو الإمام أو لمن يضع القانون فعقوبة التعذير هي العقوبة الدنيا وعقوبة الحد هي العقوبة القصوى لكن لا نطبق الحد إلا إذا اكتملت الجريمة تماما بشروطها وقيودها.


عثمان عثمان: لم يبق إلا القليل من الوقت ربما دقيقة أو أكثر، من يطبق هذه الحدود في دول اليوم أو عالم اليوم؟


يوسف القرضاوي: كاملة يعني؟


عثمان عثمان: نعم. حصلت سرقة أو زنا أو أو إلى ما هنالك، من يقيم الحدود، هل تقيمها جماعات، أفراد، دول؟


يوسف القرضاوي: في دول ملتزمة بتطبيق الحدود مثل السعودية مثل إيران مثل السودان ولكن هل تطبقها كما ينبغي تماما بقيودها وشروطها وبالاجتهادات التي نطلبها في هذه القضية؟ يعني هذه تحتاج لمناقشة لا يتسع لها الوقت.


عثمان عثمان: نعم أو لا، هل يمكن لجماعة معينة في مكان ما أن تقيم الحدود على منطقة جغرافية محددة؟


يوسف القرضاوي: لا، لا، هذا من حق الدولة ليس من حق أناس يجعلون أنفسهم دولة داخل الدولة وإلا أصبح الأمر فوضى.


عثمان عثمان: في ختام هذه الحلقة أشكركم مولانا فضيلة العلامة الدكتور يوسف القرضاوي على هذه الإفاضة الطيبة، كما أشكركم مشاهدينا الكرام على حسن المتابعة لكم تحيات معد البرنامج معتز الخطيب والمخرج منصور الطلافيح وسائر فريق العمل وهذا عثمان عثمان يترككم بأمان الله والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.