إشراقات - فن الحرف الإسلامي
إشراقات

فن الحرف الإسلامي

الفنان محمد إحصائي.. فنان برع في فك رموز الحرف ولا سيما الحرف القرآني مع أنه لا يجيد اللغة العربية, فبرز في هذا الفن الواسع (الحرف القرآني) الذي احتل وما يزال مكانة خاصة في الحس والذوق العام في العالم الإسلامي.

مقدمة الحلقة:

كوثر البشراوي

ضيف الحلقة:

محمد إحصائي: فنان تشكيلي إيراني

تاريخ الحلقة:

11/10/2002

– فن الحرف والربط بين الأمة الإسلامية بمختلف لغاتها
– الحرف الإسلامي ومواجهة العولمة والخط اللاتيني

– تأثير المدارس الفنية الحديثة على الخط الإسلامي

– مدى استقبال المتلقي في العالم الإسلامي لفن الحرف الإسلامي

– الفنون التشكيلية قبل وبعد الثورة الإسلامية في إيران

undefined

كوثر البشراوي: أيها الأصدقاء، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وأهلاً وسهلاً بكم جميعاً في برنامجكم الثقافي (إشراقات).

اليوم يدعوكم الفنان التشكيلي الحروفي الإيراني محمد احصائي إلى فك رموز الحرف القرآني الذي احتل وما يزال مكانة خاصة في الحس والذوق العام في العالم الإسلامي، فالحرف إلى جانب كونه شكلاً فنياً ساحراً، هو أيضاً الوعاء الذي احتضن عبر القرون العقيدة الإسلامية، وهو اللغة التي ترجمت النفوذ والسلطة والعلم والشعر والفنون بكل أشكالها على مدى حقب تاريخية مشرقة، وعلى مدى رقعة جغرافية امتدت حتى أطراف الصين وشطآن المحيط الهادي وأدغال إفريقيا.

الحرف عالم شاسع رحب يختزن في ثناياه تاريخ الشعوب الإسلامية ويوحدها باختلاف لغاتها ولهجاتها ولكناتها، ويبقى الحرف المفتاح الألمع لذاكرة الأمة وخزانتها الثقافية والرمز الأوحد لعظمة الرسالة المحمدية.

أيها الأصدقاء، الحديث عن الحرف يطول ويطول، ولهذا الغرض اسمحوا لي أن أفسح المجال لأحد الحروفيين المشهورين في العالم الإسلامي الأستاذ محمد احصائي، الذي يوضح لنا أكثر بعض الجوانب التاريخية والفنية للمدرسة الحروفية.

أستاذ محمد احصائي، طبعاً بعد الترحيب والشكر على وجودنا في بيتك، اسمح لي أعترف أنه لا أنا أتحدث الفارسية ولا أنت تتحدث العربية، ولكن أكيد مدرسة الحروفية أو الحرف العربي.. الحرف الفارسي هو قاسم مشترك بيني وبينك، هو قاسم مشترك مع جمهورنا في كل مكان، لأنه بإمكاننا جميعاً أن نقرأ هذه المدرسة بالروح أولاً قبل ما نقرأها ببصرنا أو بقراءتنا الفنية.

فن الحرف والربط بين الأمة الإسلامية بمختلف لغاتها

محمد احصائي: أرى أنا أيضاً أن من واجبي أن أشكرك، المعنى الآخر لما تفضلتِ به هو أن الفن هو اللغة المشتركة بين الناس في شتى أنحاء العالم، لكن على وجه الخصوص خطنا الخط الفارسي ينسجم مع الخط العربي، ربما باستثناء ثلاثة أو أربعة حروف يختص بها الخط الفارسي، وعدا ذلك فإن ألف باء لغتنا مأخوذة عن العربية، وهكذا فمن الواضح أن بيننا لغة مشتركة بواسطة الحوار والخط والكتابة، وهذا بحد ذاته توفيق كبير للشعوب التي تشترك في اللغة، وتستطيع أو يستطيع كل شعب منها أن يُفهم كل منهما الآخر ما يقول.

كوثر البشراوي: طبعاً أستاذ محمد اسمح لي نعمل ما يشبه zoom in يعني بالإطار الموضوعي والعريض، ثم ندخل إلى تجربتك الفردية، فن الحرف العربي أو فن الحروفية هو قديم، يعني مرتبط أساساً باهتمام المسلمين بجمع القرآن وحفظه، ومن ثم تفننوا في أشياء كثيرة منها الخط، منها التزويق، منها التذهيب، لو نتحدث عن هذه الفنون وبالتحديد الخط في الحضارة الفارسية.

محمد احصائي: بعد أن تشرف الإيرانيون باعتناق الإسلام وذلك في أيام صدر الإسلام فقد عمل كل من الخطين العربي والفارسي منسجمين على كتابة القرآن وبالتالي نشر كلام الله، وكان هناك فنانون وخطاطون إيرانيون وطبعاً كان هناك أيضاً فنانون مسلمون من البلدان الأخرى، حتى أنه يمكن القول بأن الخطاطين الإيرانيين والخطاطين المسلمين من البلدان الأخرى يمكن القول بأنهم لعبوا دوراً كبيراً بعد النبي -صلى الله عليه وسلم- في نشر كتاب الله، وبغير أدنى انحياز وفي ضوء الدراسات والمتابعات التي كانت لي أستطيع أن أقول لكم إن رسالة الخطاط كانت عظيمة ومهمة بعد الرسول الأكرم –عليه الصلاة والسلام- وذلك في مهمته في نشر كتاب الله، الحقيقة هي أن المصاحف النفيسة التي اتسمت بالتذهيب الفاخر والتي بقيت إلى عصورنا تؤكد الحقيقة التي ذكرتها لكم، هنالك الكثير من المصاحف التي يعود بعضها إلى صدر الإسلام وعلى امتداد التاريخ الإسلامي حتى عصرنا الحاضر كتبت من قبل الخطاطين في البلدان الإسلامية، وجميع هذه المصاحف يمكن أن يعطينا فكرة عن مدى عمق واحترام وحب الخطاطين للدين الإسلامي ونبي الإسلام.

كوثر البشراوي: أستاذ محمد، فقط من باب الفضول يعني، طبعاً دائماً نحن نتعامل مع الكثير من فنوننا أو حتى مع قراءة تاريخنا فقط من مجيء الإسلام، لكن للتاريخ وللأمانة التاريخية ما قبل الرسالة الإسلامية ألم يهتم أحد خاصة لدى الفرس بالحرف، كان اسمه.. كان هناك أدب مزدهر.. كان هناك اهتمام بالشعر في الجزيرة كان هناك المعلقات ناس معروفين يعني الشاعر الجاهلي معروف، صحيح أن التنقيط لم يوجد إلا بعد مجيء الإسلام، لكن الحرف لم يهتم به أبداً قبل الإسلام؟

محمد احصائي: ما يخبرنا به التاريخ وكذلك الشواهد الموجودة هو أن الفنون مثل الخط والشعر والأدب كلها كانت فنون موجودة قبل الإسلام، والعرب تحديداً اشتهروا بموضوعي الشعر والأدب، ولذلك جاءت معجزة النبي الأكرم –صلى الله عليه وسلم- بمعجزة القرآن، بكلام الله المجيد، وعلى هذا الأساس تحدى القرآن الناس بأن يأتوا بسورة أو آية مثل آيات القرآن، ولهذا فإن الأدب وكذلك الخط كانا موجودين قبل الإسلام، لكن في ضوء الدراسات والآثار التي وصلتنا توصلنا إلى نتيجة هي أن القرآن أسهم بقدر مهم جداً في نشوء الخط وأحياناً الرسم كذلك، وخصوصاً أن الخط فن يحمل الكثير من القداسة في الإسلام، وذلك باعتباره الشيء الذي يكتب به القرآن أو الوسيلة التي يمكن أن نوصل القرآن بها، وعلى أساس ذلك فإننا يمكن أن نعتبر القرآن حلقة وصل بين مسلمي العالم أضفت على فن الخط أهمية أكثر وإبداعاً أكثر وجمالاً أكثر، وكما تعلمون فإنه منذ القرن الرابع وما تلته من قرون طبعاً وذلك عندما تنامى الإسلام وانتشر في أنحاء العالم فقد ظهر خطاطون وظهرت مصاحف مخطوطة تعبر عن حب الجمال، وإيمان الخطاطين بالخط، لاسيما القرآني منه، قبل الإسلام لم يكن الخط العربي دخيلاً على الخط الفارسي، والخط الذي لدينا الآن مستمد من الخط العربي، لغتنا الفارسية التي نتداولها حالياً والتي تسمى اللغة (الدرية) نشأت بعد الإسلام، والخط الذي نتناوله أيضاً لم يكن موجوداً هنا قبل الإسلام، وقد كان قبل ظهور الإسلام في الحجاز شيء من خط النسخ البدائي كما يقال، بمعنى أنه كان دون تنقيط، وكان يكتب به على عظام أكتاف الإبل، أما بالنسبة لنا فقد كان خطنا قبل ظهور الإسلام وقبل وصوله إلينا هو الخط البهلوي، ثم انتقل لاحقاً إلينا الخط العربي بعد ظهور الإسلام للتعبير عن المفاهيم والأدب، طبعاً أنا بالتأكيد لست خبيراً في اللغات، ولكن في حدود معلوماتي فإن الخط المتداول لدينا حالياً لم يكن موجوداً عندنا قبل ظهور الإسلام، وكان لدينا الخط البهلوي، وبعد الإسلام أخذنا نحن بالخط العربي وأضفنا له أربعة حروف تختص بها اللغة الفارسية عن العربية، واشتهرت بعد ذلك هذه اللغة التي نتحدث بها باللغة الفارسية، وكما تعلمون فإن الخط كان موجوداً لدى العرب قبل الإسلام، وأظن أن هناك نوعاً من خط النسخ كان في السابق يستخدم في كتابة النصوص.

الحرف الإسلامي ومواجهة العولمة والخط اللاتيني

كوثر البشراوي: الحرف العربي والحرف الفارسي ما أسميه أنا بالحرف الإسلامي بمفهوم انتماؤه إلى القرآن على الأقل، هذا الحرف كان من أهدافه الرسالة، التبليغ، السلطة، يعني من الدولة الأموية إلى انهيار الحضارة العثمانية كان الحرف هو وعاء الحضارة بمفهوم السلطة السياسة العلم الاقتصاد، كانت لغة البحار في بعض الأحيان في مناطقنا- نقول- كان الحرف العربي أو الحرف القرآني، ومع انهيار الحضارة العثمانية بالتحديد أول.. مِنْ أخطر وأول الخطى اللي عملها (أتاتورك) طبعاً أتاتورك هو جزء من الرغبة الغربية في إنهاء قوة هذه الحضارة الإسلامية، هو ضرب الحرف العربي لما يحتويه من قوة عقائدية وسياسية واجتماعية وفنية، هل تعتقد على ضوء كل هذه الحقيقة التاريخية أن اليوم الحرف العربي ينهزم وينسحب مع أواخر القرن العشرين أمام الحرف اللاتيني مع طغيان العولمة واللغة الإنجليزية وبالتالي الحرف اللاتيني؟

محمد احصائي: لأن عملي الفني له طابع بصري، الخط علاوة على نقله للمعنى فإنه من الناحية البصرية يرمز إلى موضوع ما، الخط العربي وخاصة خط الثلث والنسخ يرمزان إلى تلك الحالة القدسية للقرآن وهي حالة معروفة بالنسبة للشعوب التي تقرأ هذا الخط، بمعنى أنهم كلما شاهدوا لوحة مخطوطة بهذا الخط أم ذاك فإنهم سينتقلون في ذواتهم إلى كلام الله، وهذا ينطبق على كل من لا يتكلم العربية أيضاً.

دعيني في هذا السياق أذكر لكي مزحة في هذا الخصوص، يقال أن هنالك شخصاً يجهل العربية رأي ذات مرة سجالاً كلامياً بين اثنين من العرب، وانتهى هذا السجال إلى عراك بينهما، فذهل الرجل باعتباره يجهل اللغة العربية، ولعله كان فارسياً ربما، وعندما وصل إلى داره أخبر أهله وزوجته بأنه رأى شيئاً عجباً، وقال لهم بأنه رأى اثنين يتخاطبان بالقرآن أولاً ثم ثار سجال بينهما وانتهى هذا السجال بعراكهما معاً، هذه الحادثة تشير لنا بأن العربية وإن كانت ليست مختصة بالقرآن فقط، بل هي بالطبيعي لغة تحاور وكلام بين العرب، ولكن لأن العربية بالنسبة لذلك الشخص الثالث الذي يجهلها تقترن في تصوره بالقرآن، فإنه ظن أن الرجلين كانا يتخاطبان بالقرآن الكريم.

هذا الأمر بالمناسبة حصل لي أنا شخصياً، وذلك عندما كنت ذات مرة متوجهاً إلى الديار المقدسة في مكة المكرمة كنت ذاهباً إلى الحرم الشريف، وكنت جالساً في سيارة أجرة، وفي السيارة شاهدت مشاجرة كلامية بين اثنين من الركاب، حيث شرعا في تبادل الكلام البذيء، عندها انزعجت كثيراً وقلت في نفسي كيف يمكن أن يكون في هذه اللغة المقدسة كلمات بذيئة ونابية، لم أكن أطيق أن يكون في هذه اللغة مثل هذه الكلمات السيئة، بينما كلام الله -سبحانه وتعالى- نزل بها، ولهذا السبب فإن اللغات غير العربية التي دخلت إلى أدبياتنا لن يكون لها نفس الأثر أو التأثير لأنها لن تنسجم مع لغة وكلام القرآن.

تأثير المدارس الفنية الحديثة على الخط الإسلامي

كوثر البشراوي: أروح إلى النقطة الثانية تحدثنا الآن عن الوظيفة، أنت أشرت إلى الرسالة ثم الفن أو الخط في حد ذاته كجمالية، أنا أعتقد للحرف للقرآني بالتحديد لا يمكن أن نطبق عليه نظرية التجريد التام، لا يمكن، لأن الخط مرتبط بفلسفة.. فلسفة التوحيد أو حتى النقطة مش الألف كاملة، ولما أنت تعمل لوحة فيها (لا) أو (الله)، نقطة واحدة من كل ذاك.. من تلك اللوحة هو في حد ذاته توحيد لله وذكر الله، فهل ده يتنافى مع مبدأ المدارس الحديثة اللي هي التجريدية والتكعيبية والأمور هذه؟

محمد احصائي: نعم، هو كذلك، قسم من زينة المساجد والأماكن المقدسة يعرض في حقيقة الأمر بعضاً من معتقدات المسلمين، والغرض من ذلك التأثير على من يدخل تلك الأماكن روحياً ونفسياً بغرض تقريب ناظريها إلى الهدف الذي أنشئ هذا المكان من أجله، هذا الكلام صحيح تماماً، هذا الأمر بالمناسبة ينطبق عليَّ شخصياً أيضاً، أنتم كما تعرفون بأنه لدى المتدينين كلمة يتناولونها ويكررونها على الدوام في الجلسات الصوفية مثلاً، وهي لفظ (هو) والتي تمثل حالة من الذكر، وهي في الحقيقة تنم عن كل ما أورده الله –سبحانه وتعالى- في كتابه، والمفاهيم التي تضمنها لدرجة أنهم يقولون بأن نقطة تعبر عن تلك كل المفاهيم، كذلك الأمر بالنسبة لي، كانت لي أعمال فنية كثيرة كتبت بعبارة (لا إله إلا الله)، وكل حرف من هذه العبارة يعبر عن كل تلك المفاهيم، وأحياناً تصبح تلك الأحرف تجريدية لدرجة أنها تولد لي حالة من الذكر، فأصبح بصورة لا إرادية لا أعلم ما الذي أقوم به من عمل وعندما أنتهي من عملي أجد أن نتاجي فيه تعبير عن حالة الذكر تلك التي كانت لدي وعن كلمة (لا إله إلا الله).

كوثر البشراوي: جميعاً نعلم أن بالنسبة لإيران بالتحديد المدارس التحديثية في الفنون التشكيلية بدأت مع الأربعينيات من القرن العشرين، وهذا غريب بالنسبة لبلد متطور يعني في فنونه، لكن الحرف.. الحرف القرآني بالتحديد تأخر عن الرسم والنحت والفنون التشكيلية الأخرى، أستطيع أن أقول أنه من منتصف السبعينات الثمانينات شيء من هذا القبيل، بدأنا نشعر أنه الحرف بدأ هو أيضاً يستقل ويدخل في مرحلة التجريب والتجريد والتكعيب والأمور هذه، أنت أحد مؤسسي مدرسة جديدة سميتها Calligraphy painting أو باللغة العربية نقول فن رسم الخط، أولاً لماذا هذا التأخير بين الفنون التشكيلية، وبين الخط العربي.. الخط القرآني، وهل تقصد بمدرستك الجديدة أن تفصل بين فلسفة الخط والخط أو بعبارة أخرى أنت تفصل بين الشكل والمعتقد؟

محمد احصائي: ربما لا يسعنا الوقت إذاً أردنا أن نجيب على هذا السؤال بالأسلوب الأكاديمي، أو العلمي، لكنني سأجيب على سؤالك أو سأحاول الإجابة عليه باختصار، فباستثناء حرص الخطاطين على تجسيد المفاهيم وربما العمل على تخليدها فهم إلى حد كبير كانوا ينظرون بشكل خاص وتجريدي للخط، وكما ذكرتي فقد كانوا ربما يعمدون إلى التفنن في استخدام الكلمات بغرض تصويرها في هيئة الحيوانات مثلاً، وكانوا يخطون أحاديث معروفة للرسول ولأئمة المسلمين، وكمفهوم في أعمالي الفنية استلهمت جوانب من أعمال الفنانين أو الخطاطين السالفين كانت تتخطى مجرد الخط للخط لتذهب إلى أبعد من ذلك وتحاول نقل والتعبير عن مفاهيم أخرى.

لكن ما تجدونه في أعمالي أنا الفنية هو في حقيقته حالة من بلوغ خط ليس فيه أي صورة أو عبارة أو أدب، والسبب هو أن هذه الأعمال الفنية أعتمد فيها على التجريد في استخدام الحروف، لتصبح بعد ذلك لغة مشتركة للجميع، وبالنتيجة عندما يعمل شخص في مجال الخط فإنه يستشعر معاني الكلام الذي يخطه، وإن كانت غير مقروءة، وعليه فسواء لمن يعرف العربية أو الفارسية أو اللاتينية فإنه سيستشعر هذا المعنى، وإن كان غريباً عن هذه الكتابة، وهذا فن خاص ومعاصر لم يعرف من قبل، أنتم تلاحظون مثلاً في الأعمال التي ترونها أن الخط الفارسي أو الخط العربي يفقدان مفهومها، ويتحولان بطريقة ما إلى صورة يتشاركان ويلتقيان فيها إحساس الكتابة بنظرة المشاهد، اعتماداً على ذلك فإن غير العربي وغير المسلم وكل من يأتي مثلاً من شمالي أوروبا ولا يعرف الفارسية ولا يعرف خط اللغة الفارسية بتاتاً سيرى في تأمله وسيركز على الآثار التجريدية، ما أراه أنا لأنني بالطبع وضعت خطي جانباً أن هذه وسيلة تعبير تجريدية، تتجاوز الخط والكتابة، ولهذا فإنها تجذب النظر وتجذب الاهتمام لأنها صورة، أنتم تعلمون بأن عدداً كبيراً من الخطاطين والرسامين المسلمين يمارسون الخط، وتباع لوحاتهم وأعمالهم الفنية في بلدان أوروبا وأميركا، وهناك تحظى باهتمام وتفهم الكثير من المشاهدين، والكثير من إنتاجاتي يمكنني أن أشبهها بحالة من الرقص، حالة من الترنم، هذه الكلمات المقدسة تتحول في كياني إلى حالة من الترنم، حالة من الانتشاء في داخلي وفي ذاتي وتنتقل على نفس الشاكلة التي أعيشها أنا في حالة الترنم والانتشاء تنتقل بنفس الشكل إلى ناظرها، إلى الشخص الذي يشاهدها، هذا فن معاصر لم يكن سائداً في السابق.

كوثر البشراوي: على العموم أستاذ محمد يعني أنت قلت أنك لم تلتزم بالشكل مثل من يستخدم الخط أو آية قرآنية في.. في شكل خيل أو في شكل إنسان يصلي أو في شكل إبريق، ولكن أيضاً أنت يعني لديك أشكال تقرأ في نهاية الأمر كأن تصور الدائرة.. دائرة الذكر للدراويش وهي طبعاً مدرسة صوفية معروفة في تركيا على الأقل وأكيد في إيران، على كل اسمح لي أمر إلى سؤال آخر على بساطة السؤال لماذا اخترت الحرف القرآني يعني لماذا التزمت به.. بمنطق التحرر من المعنى يعني التزمت به فناً في حين أن مساحات أخرى من الفنون التشكيلية قد تعطيك أكثر حرية أو أكثر انطلاق من ذاتك و..

محمد احصائي: عليَّ أن أقول بداية إن نمط التفنن الذي كان يصوره الخطاطون السابقون على هيئة شخص يصلي أو بهيئة الخيل أو جواد أو بهيئات أخرى، مثل الأواني أو الأباريق، هذه الأنماط تختلف عن نمط عملي أنا الفني، الشيء الثاني أن ما أسميتيه الحرف القرآني في حقيقة الأمر لا يمكن إطلاق هذه التسمية عليه، وإنما اصطلح عليه ذلك ربما لأن القرآن الكريم نفسه يكتب بخط الثلث، في حين أنه خط عربي وخط إيراني وخط إسلامي ربما، وقد يكون من الأفضل بالتالي أن نصنفه في إطار الخطوط الإسلامية، أنتم تعلمون أنه منذ أواخر القرن الرابع عكف (ابن مقرة الشيرازي) على تصنيف وتنقيح الخطوط التي كانت في صدر الإسلام، حيث صنفها في ستة خطوط من بين قرابة 46 خطاً، كانت تسمى في السابق بأسماء الأشخاص أو حتى حواضر تلك الفترة أو بحسب الاستخدامات لها، الخطوط الستة المصنفة هي: النسخ والثلث والطوقي والرقعة والريحان والمحقق، وقد اعتمدت هذه الخطوط في البلدان الإسلامية لكتابة نسخ من القرآن الكريم، وفي بعض الأوقات لكتابة دواوين الشعراء وغيرها، ثم أضيف لهذه الخطوط الستة أضيفت ثلاثة خطوط أخرى في إيران وهي: التعليق الذي ظهر في القرن الخامس وربما السادس، وخط النسخ التعليق، وخط ثالث اسمه التعليق المنكسر، وهذه الخطوط خطوط ابتدعها الخطاطون الإيرانيون، وعليه فإنني عندما اخترت خط الثلث فليس بمعنى أنني اخترت الخط القرآني كما تفضلتي بتسميته، وبرأيي أن السبب في كتابة القرآن بخط الثلث ربما يكون بسبب شكل حروفه وبيانه التصويري الفائق والرائع، ولابد أنكم رأيتم مصاحف كثيرة كتبت بخط الثلث أو النسخ أو المحقق، وأنا شخصياً عندما اخترت خط الثلث وخط المحقق في كتابة الخطوط واللوحات التي أرسمها فأعتقد أن ذلك بسبب جمالهم، وربما لأنهما يمنحان الخطاط انعطافا كبيراً، فمثلاً عندما أخط كلمة معنى، أستطيع تصغير أو تكبير أو حني الحروف بما أراه يمنح الخط جمالية أكثر، في حين أنني لو أردت مثلاً الكتابة بخط النسخ التعليق فإن مثل هذه المرونة لا تكون متاحة لي بشكل كبير، في الحقيقة أن خط الثلث يمنح الخطاط إمكانية أن يتحول من مجرد الخط إلى الرسم، فعندما أحرك حبات المسبحة في يدي فهناك عملان أؤديهما الأول حركة يدي والثاني أن المعاني الكامنة في المسبحة تنتقل بالتسبيح إلى يدي وتترسخ في ذاكرة يدي، وخط الثلث ربما يتميز بهذه الميزة.

[فاصل إعلاني]

مدى استقبال المتلقي في العالم الإسلامي لفن الحرف الإسلامي

كوثر البشراوي: طب أستاذ محمد، لما نتحدث عن تجارب نتحدث عن متلقي لهذه التجارب، هناك حسب ما أعرف من خلال البلدان العربية على الأقل، يعني أنا إيران أجهلها تماماً، نجد أنه الفنان يعني عمل خطة كبيرة تجاه التحديث وتجريب مدارس مختلفة، لكن المتلقي، زائر المعارض، الزبون، المهتم مازال متردد يعني نسبة الذوق العام الذي يستسيغ التحديث مازالت نسبة محدودة جداً، هل هذا هو نفس الوضع بالنسبة للإيرانيين؟

محمد احصائي: تعلمون أن الناظر والمشاهد عندما يقف أمام عمل فني، فإنه يحاول الاتصال به، يحاول التفاعل معه، فيسعى أولاً إلى التعرُّف عليه وفهمه، ويحرص على أن يكون ما يتلمسه في العمل الفني المذكور مألوفاً لما لديه من تصوُّر ذهني أيًّا كانت صورة هذا العمل سواء كانت من الطبيعة أو على هيئة حيوان ما أو أي شيء آخر، أي أنه يحاول تسهيل عملية الارتباط بالعمل الفني، وبعد ذلك يحاول الناظر أن يتلمس المهارة التي تتمثل في إنجاز هذا العمل الفني، وكذلك ما أراد الفنان أن يقوله لمن يشاهد لوحته الفنية، بيد أن الأمر يختلف بالنسبة للأعمال التجريدية، وإن الناظر عندما يقف أمام اللوحة الفنية التجريدية ربما يحاول أن يمد جسور الارتباط معها أيضاً، ويسعى إلى أن يعثر في اللوحة الفنية على ما يشترك معه، بعد ذلك كله كانت ثقافة الناس المعاصرة أو الحديثة أكثر تقدُّماً، بمعنى أنهم كلما كانوا أكثر اطِّلاعاً، وأكثر معرفة بما يمكن أن نسميه اللغة البصرية، فإنهم بالتالي سيتفاعلون أكثر مع الأعمال ذات النوع من مدرسة الانطباعية أو المدرسة التجريدية، بالنسبة للمشاهد الأوروبي الذي ربما يعتبر أكثر اطِّلاعاً- بحسب المتعارف عليه على الأقل- أكثر اطِّلاعاً على الفن، فإنه يسهل عليه فهم واستيعاب أبعاد اللوحة الفنية، لكن بالنسبة لمن يجهل الرسم ويجهل الفنون المعاصرة، فإنه بالتالي عندما يقف أمام لوحة من هذا النمط يصعب عليه فهم معانيها وأبعادها، طبعاً الجميع يرغب في أن يفهم كل معاني وأبعاد العمل الفني، والذين يميلون إلى الصورة ودلالاتها تروق لهم أكثر مثل هذه اللوحات، لأنها قريبة إلى ذهنيتهم.

في إيران أستطيع القول أن سكان المدن يعرفون الفنون المعاصرة، ولكن بدرجات متفاوتة، ولهذا فهم يحاولون التلذُّذ والاستمتاع بمثل هذه اللوحات الفنية وفهمها واستيعابها، هذا على عكس من لا يستطيع فهمها واستيعابها، وسرعان ما يتركها، وقد يرى أنها سيئة، ربما لأنه لا يفهمها، ربما لأنه أقل ثقافة، بحسب اطِّلاعي فأعتقد أن الإيرانيين أكثر تقديراً للأعمال الفنية، وربما نرجع هذا، لأنهم أكثر اطِّلاعاً ومعرفة من السابق بالفنون المعاصرة، وهم بالتالي يتابعون ما يكتب في هذا المجال في الصحف والمجلات، وأعتقد أنهم يتعاملون مع مثل هذه الأعمال بسهولة أكثر من غيرهم في بقية البلدان الإسلامية، وبالنتيجة فإن النتاجات الفنية لمن كانوا مثلي تلقى ترحيباً أوسع لدى الجمهور وتفهُّماً أكثر من قِبل نفس الجمهور، أذكر لكم مثلاً لذلك عندما أقمت معارض لأعمالي الفنية في إحدى الدول العربية لاحظت أن عدداً أقل من الناس والزوَّار استطاعوا التفاعل والارتباط مع إنتاجاتي، أستثني طبعاً من ذلك الكلام الفنانين والرسامين، وربما طلبة الفنون المختلفة والمطلعين على الفنون المعاصرة، لأن هؤلاء يتعاطون مع هذا الشأن، لكن بالنسبة لعامة الناس، أعتقد أن هناك نسبة أكبر من الإيرانيين ممن يتفهمون الأعمال الفنية المعاصر مقارنة ببقية الدول الإسلامية.

كوثر البشراوي: طيب، في عملك هناك صنفان من العوالم، هناك عالم مغلق، تقفل الباب Close your door، تأخذ ريشتك، ترسم ألف، الله، لون أحمر، أصفر، لكن هناك عمل مائة متر عمارة كاملة يعني تحتاج إلى ناس آخرين، مهندس، بنَّاء نحَّات، دهَّان، ما الفرق في روح العمل يعني (The soul) روح العمل؟ يعني ممكن البنَّاء يعمل خطأ، يعني ممكن مش كويس العمل، احكي لي عن ها العالمين المختلفين، هذا منغلق، وهذا منفتح على الآخر.

محمد احصائي: هذا سؤال جيد، كما ذكرتُ لكِ فأنا أقوم بالأعمال ذات الطابع الذاتي، وهذا يرتبط بموضوع شخصي، لكن الطلبات التي أقبلها لمبنىً كبير مثلاً يتعيَّن عليَّ فيه أن آخذ بعين الاعتبار ملاحظاتٍ ونقاطٍ عديدة، وذلك طبعاً بعد دراسة المشروع والاطلاع على ما يطلبه صاحب الطلب من أهداف، وعلى هذا الأساس أُعد التصاميم اللازمة على أساس هذه الدراسة، بعد ذلك وبحسب نوع المادة المستخدمة في العمل الفني مثل الفخار أو المعدن مثلاً، فإن المهندس والبنَّاء يشاركان وبإشرافي طبعاً ليكون مطابقاً للتصاميم الفنية المعدة، وفي كثير من الأحيان أساهم شخصياً في عمليات البناء المعماري، وأوجِّه المهندسين والعمال في مراحل البناء المختلفة لأتمكن من أن أضع بنفسي اللمسات الأخيرة على المشروع مع اقتراب ذلك المشروع الفني من نهايته.

كوثر البشراوي: طيب أستاذ محمد، في إطار دردشة خارج الكاميرا، فهمت منك أنه لوحاتك تسافر بها إلى معارض في …. مدن كثيرة من العالم، ولما تعود تخفي البعض منها هكذا يعني، وكأنك تتعمد ألا يعني تقع أعين الزائر لبيتك على واحدة من ها اللوحات، فيطلب منك بيعها، لماذا تخفيها؟ ولماذا تصر على عدم بيعها، ونحن نعرف أنه الفنان يرسم لكي يبيع، لكي يأخذ فلوس، لكي يرسم.

محمد احصائي: هذا الأمر شيء خفي، شيء داخلي، لا أستطيع وصفه، القول لماذا لا يطاوعني قلبي في إعطائها لشخص آخر؟ أحياناً أشعر بخصوص بعض لوحاتي أنني أريد أن تبقى إلى جانبي، وأشعر وكأنني أحتاجها في بعض الأحيان لأتأملها تماماً كما يتأمل أي شخص في أعمال الآخرين، وعندما أكمل لوحة فنية تخرج بعد ذلك من يدي، وأحياناً أو لنقل في أكثر الأحيان أصبح مقتنعاً بأنني لم أنجز هذه الأعمال الفنية، وأعتقد أنها أُوحيت إليَّ من مصدر آخر، ولهذا السبب فإن بعض لوحاتي تجعلني أتحسس شعوراً خاصاً إزاءها، وأشعر أنها منعزلة وبدون الأنا الذاتية، وأعتقد أنها تتجاوز ذاتي ونفسي وقدراتي، وأنا أعتقد دائماً أنني لا أستطيع بنفسي إنجاز مثل هذه الأعمال، وعليه تصبح ذات جاذبية خاصة بالنسبة لي عندما أنظر إليها بين الفينة والأخرى، وبالتالي فإن قلبي لا يطاوعني أن تنتقل للآخرين، وبالتالي فأنا أحب أن أحتفظ بها.

الفنون التشكيلية قبل وبعد الثورة الإسلامية في إيران

كوثر البشراوي: أستاذ محمد، نتفق جميعاً أن لكل زمن حكامه ووزراؤه وشعراؤه، ومثقفوه، ومبدعوه، ورساموه، ونحاتوه، وخطاطوه، أكيد أيام الشاه كانت مساحة الفنون التشكيلية بالذات مساحة أوسع، وهذا مؤكد حتى بدون أن نطرح السؤال على الفنانين التشكيليين، لأنه الفلسفة الإسلامية أو الفكر الإسلامي عنده رؤية معينة تمس مثلاً النحت والأشكال والجسد والأمور هذه، ونحن نحترم هذا في إطار انتماءنا إلى الفكر الإسلامي في كل الحالات، سؤالي: هل يعني تجد نفسك أنت من المحظوظين؟ وهل تعتقد أن الحرف ذاك الحرف القرآني، ذاك الحرف اللي أنت جعلت منه شكل جميل حتى ولو نسيت معانيه، هل اختبأت وراءه؟ هل كان الدرع الذي حماك من أذى ممكن شعر به بعض الفنانين الآخرين وغادروا إيران البعض منهم بسبب فنون تشكيلية؟

محمد احصائي: لعله بإمكاني القول إنه لم يحصل فرق كبير، فالفنانون والرسامون كانوا قبل الثورة يعملون بحرية، لاسيَّما في مجال الفن الذي أمارسه أنا، اللوحة التي رسمت فيها لفظ الجلالة الله، كنت شرعت في العمل فيها قبل أربع سنوات من انتصار الثورة، ولازلت أتذكر أنني عندما قدمتها في أول معرض وقتذاك فإن اللوحة لقيت ترحيباً كبيراً، ومنذ الليلة الأولى من افتتاح المعرض اكتظ المعرض بالزوار، ولم يعد باستطاعة صاحب المعرض تسجيل كل الطلبات المتزايدة على شراء اللوحات الفنية، بعد الثورة لم تختلف الحالة كثيراً، وربما كان الفرق الذي أستطيع ذكره هو أنه خلال السنوات الأولى التي أعقبت انتصار الثورة –ولعلها السنوات العشر الأُوَل –لم يكن الناس يتفاعلون فيها كثيراً مع المعارض الشخصية للفنانين، ولم تحظَ الأعمال الفنية التجريدية كثيراً بترحيب وتفاعل.. وتفاعل الجمهور العام، والسبب في ذلك واضح، في رأيي أن سبب ذلك أن الجمهور في تلك الفترة كان يبحث عما يختلج في نفوسهم، ويحاولون أن يجدوه في الأعمال الفنية، ومعلوم أن الفنان ليس ملزماً بأن تكون نتاجاته للآخرين، فالفنان بالدرجة الأولى يعمل لنفسه، والحقيقة أن الناظر والمشاهد هو الذي ينبغي أن يتفاعل مع العمل الفني ويتعمق فيه لا العكس، وإذا ما تجاوزنا واستثنينا هذا الفرق لعلي أستطيع القول إذاً إن الحالة لم تختلف إطلاقاً.

بالنسبة للشطر الثاني من سؤالك فبالنسبة لي أقول: إنني كرست اهتمامي منذ خمسين عاماً في القرآن، ولازلت أعمل في هذا الاتجاه، ومن الطبيعي أن تدعم الدولة مثل هذه الأعمال ذات المغزى والمضمون والتوجه الديني والعرفاني والمعنوي، لأن الدولة هنا دولة إسلامية، ومن الطبيعي أن تشجِّع وترحب بمثل هذه الأعمال، وعلى ذلك فبالإمكان الاستنتاج أن عدداً كبيراً من الفنانين أصبح لديهم توجُّه واهتمام بما تريده وتهتم به الدولة، وفي هذا السياق شاع فن الخط وتنامى أكثر، ربما بمرات مقارنة بالفنون الأخرى، وهو ما يصب في اتجاه تبيين وتصوير الكلمات المقدسة والكلمات ذات المغزى والمضمون والتي شاعت في أوساط المجتمع، أعتقد شخصياً أن تأثير ذلك كان إيجابياً، لأن عامة الناس عندما ينظرون لمثل هذه الأعمال الفنية يشعرون بأنهم يستلهمون منها ما يرفع ويحلق بنفوسهم إلى آفاق أفضل، أنتم تعرفون بأن الخط اقترن في الدورات السابقة بالمعاني المقدسة، وعندما كانوا يجلسون حول المائدة يرون أنها مزدانة بالخط الجميل بآيات القرآن الكريم، وكذلك على الأواني، ولهذا آثار إيجابية، ونحن لو انطلقنا في الحديث من هذه الزاوية نجد آفاقاً وأبعاداً إيجابية للموضوع، ولابد لي من التأكيد هنا أن الأعمال الفنية لم تتعرض لا في السابق ولا في الوقت الحاضر للرقابة أو المنع، الجميع في الوقت الحاضر لهم مطلق الحرية في ممارسة أعمالهم الفنية، طبعاً قد لا تلقى نتاجاتهم ترحيباً وتشجيعاً في بعض الحالات، ولكن ذلك قد يعود لطبيعة النتاج نفسه وجودته، أستطيع القول إن الفنانين وأصحاب الاهتمامات الفنية لا يخوضون عادةً في القضايا السياسية، ولهذا فإننا لا نرى تقاطعاً بين الدولة والفنانين، بل يمكنني القول حتى أن في السنوات الأخيرة فإن الدولة قدمت الكثير من الدعم، وهي تحرص على بذل كل ما تستطيعه للفنانين بغرض تشجيعهم.

كوثر البشراوي: طيب أستاذ محمد، أختتم بسؤال يمس خصوصيتك شوية، أنا أعرف إنه الفنان لما يريد أن يرسم أو هكذا يقول الفنانون إنه يريدون عالم مغلق، حتى الزوجة لا تدخل، الأطفال لا يدخلون الغرفة.. غرفة الرسم، ولكن هل هناك فن آخر ممكن يتحول لحظة الرسم إلى أداة من أدوات تقنية العمل الفني؟ يعني هل تكتفي بالصمت لترسم أم أنك تحتاج إلى فن الموسيقى لتبدع أكثر أو فن آخر مثلاً؟

محمد احصائي: لوحاتي في مجال التصوير الخاصة بالذكر تحديداً، ومنها لوحة (لا إله إلا الله) ولفظ الجلالة (الله)، هذا النوع من اللوحات هي في الحقيقة أعمال فردية، أعمال ذاتية بحتة، وأقوم بها دائماً عندما أكون منفرداً، لأنني أحتاج إلى تركيز كبير، ولا يمكن أن يكون الحال على غير ذلك، لا يمكنني أن أواصل العمل في غير هذه الحالة، وفي غير هذه الأعمال مثل الرسم التخطيطي فعادةً ما أرسم في مخيلتي صورة التصميم الفني عندما أنفرد مع نفسي، أما أثناء التنفيذ والعمل فلا يضيرني مثلاً سماع الموسيقى، أو أن أكون بمعية أشخاص آخرين، حتى أنني كنت أعمل في ورشتي أمام الآخرين لكي يتعرفوا على كيفية عملي، وعليه فالحالتان مختلفتان جداً، حتى بالنسبة للخط الذي هو فن تقليدي أحتاج للعمل على انفراد أحياناً، وذلك عندما يكون الخط مجرد ذريعة، بينما أنا أقوم بعمل آخر ظاهره المجرد هو الخط، عندما لا يكون العمل الفني الذي أنجزه تجريدياً لا يعيقني سماع الموسيقى، بل قد أرى ضرورة لذلك.

كوثر البشراوي: شكراً يا سيدي.

في الختام أرجو -أيها الأصدقاء- أن يكون هذا اللقاء ذا فائدة للجميع، فبالرغم من عدم معرفة معظمنا للغات الشائعة في عالمنا الإسلامي مثل الفارسية، والتركية، والمالوية، والأردو، فإننا ضمن برنامج (إشراقات) سنحرص على فرش الطريق في اتجاه أهالينا في الديار الإسلامية في محاولة لتحقيق بعض من التقارب الثقافي المرجو والضروري، والمحاولة طبعاً لا تستثني الخطأ والصواب، لذلك أرجو أن تتسع صدوركم لأي عثرة أو عثرات محتملة، وأرجو أكثر مشاركتكم بالرأي والاقتراح، وهذا ممكن عبر المراسلة، أو البريد الإلكتروني، أو الفاكس.

والآن لم يبقَ لي سوى الانسحاب على أمل اللقاء بكم في سهرة الخميس المقبل، وحتى ذلك الحين أترككم في أمان الله ورعايته، إلى اللقاء، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.