تحت المجهر

فسيفساء.. يهود المغرب بين "أرض الميعاد" وأرض الأجداد

تروي حلقة 26/11/2014 من البرنامج قصة ما يزيد عن أربعمائة ألف من يهود المغرب، هاجروا إلى أرض ظنوها “أرض الميعاد” قبل أن يفطنوا إلى حجم ما ضيعوه في أرض الأجداد.

عندما وصلت إلى المغرب للاشتغال على بحثي حول تاريخ وحاضر حياة اليهود في البلاد، أدهشتني قوة ارتباط المكون اليهودي بوطنه المغرب. وبدا وكأن لا أحد يفهم حقا كيف أن هذه الجالية التي كانت مزدهرة كادت تنقرض من البلد.

لم تكن صناعة هذا الفيلم سهلة بالنظر للتسييس القوي الذي أحاط بمصير هذا المكون الديني منذ أواسط القرن العشرين. لم يكن تأسيس دولة إسرائيل سببا رئيسيا وراء بداية نهاية الوجود اليهودي في البلاد بل الحملات الدعائية القوية التي أطلقتها المخابرات الإسرائيلية عشر سنوات بعد ذلك.

لقد تمكنت الدعاية الإسرائيلية من إقناع اليهود المغاربة بالخطر الذي سيمثله المسلمون عليهم بعد استقلال المملكة عن فرنسا. هكذا غادر معظم اليهود المغرب في اتجاه إسرائيل وأوروبا وشمال أميركا. في إسرائيل عانى اليهود المغاربة من التمييز فور وصولهم، ولعبت السياسة دورا كبيرا في التعريف بهويتهم وتاريخهم.

في الواقع، كثير من اليهود المغاربة يناصرون إسرائيل، لكنهم يخفون حقيقة أن هذه الدولة لم تستقبلهم كما ينبغي. كما أنهم يعتبرون كل من يعارض السياسات الإسرائيلية من بينهم مشبوهين.

يصعب في المغرب أيضا الدفع بالحياد في قضايا الشرق الأوسط رغم أن اليهود المغاربة هناك يدفعون دوما بضرورة التفريق بين الانتماء للمغرب والانتماء لإسرائيل. لكن هؤلاء يجدون أنفسهم أيضا داخل قضايا خلافية داخلية أخرى كقضية الأمازيغية وموالاة النظام الملكي. هكذا كانت لقاءاتي بشخصيات الفيلم ممزوجة بين الأحاسيس الشخصية والخلفيات السياسية وكذا الخوف من سوء الفهم أو التحجيم بسبب آرائهم السياسية المختلفة.

كنت سعيدة جدا بلقاء فاني وبنحاس الشخصيتين الرئيسيتين في الفيلم. شعرت بأنهما مجبران للتحول إلى نشطاء سياسيين للاستمرار في العيش بالطريقة التي اختاراها. أبهرتني شجاعتهما وتصميمهما على تنفيذ خياراتهما، وهو ما أثر في نفسي بالنظر إلى قسوة هذا الواقع الذي يعيشانه كل يوم.

في النهاية، يظهر هذا الفيلم جيدا كيف أن الأديان المختلفة كانت تتعايش في المغرب، وكيف أن هذا التعايش شكل جوهر الهوية المغربية. هذه الفسيفساء المغربية تذكرنا بأن الحاجة الإسرائيلية إلى الهجرة اليهودية اقتلعت مكونات يهودية بأكملها من بيئاتها الأصلية، حيث تعايشت اليهودية مع الإسلام في سلام، وأجبرت اليهود على العيش في دولة علمتهم أن المسلمين هم الأعداء.

لم يكن الفلسطينيون وحدهم من عانى من المشروع الاستعماري اليهودي الأوروبي بل كثير من العرب والأمازيغ واليهود والفرس. قد لا يكون هناك مجال للعودة إلى الوراء، لكن الفيلم يعلمنا بالتأكيد درسا يمكن أن يلهمنا كلما حاول البعض خداعنا بوجود ضرورة لبناء جدران الفصل في منطقة الشرق الأوسط.

المخرجة: تشارلوت برونو