الصندوق الأسود

نفط العراق.. الدولة تسرق الدولة

يتناول الفيلم سرقة وتهريب النفط الخام ومشتقاته إلى خارج العراق، وكيف أصبح أهمُّ مورد من موارد الدولة مستباحا من قبل “مافيات” وأحزاب وعشائر ومليشيات وشخصيات حكومية متنفذة سياسيا وأمنيا.

لو قدر لأحد أن يجري استطلاعا حول أكبر مظاهر الفساد والاستنزاف للاقتصاد العراقي منذ الاحتلال الأميركي عام 2003، لكان النفط هو القاسم المشترك، وربما الأوحد بين كل من يجيب عن السؤال.

 

فمنذ عام 2003 قدرت خسائر العراق من النفط المهرب والمصدّر بطرق غير شرعية إلى الخارج قرابة 120 مليار دولار، وهو ما تناوله بالتفصيل برنامج "الصندوق الأسود" الذي بثته الجزيرة يوم 25/12/2014.

تناول فيلم الحلقة -الذي حمل عنوان "نفط العراق"- ظاهرة سرقة وتهريب النفط الخام ومشتقاته إلى الخارج، وكيف أصبح أهمُّ مورد من موارد الدولة مستباحا من قبل مافيات وأحزاب وعشائر ومليشيات وشخصيات حكومية متنفذة سياسيا وأمنيا، بل وبتواطؤ من بعض الدول المجاورة التي يفوق نفوذها نفوذ الدولة العراقية، والتي تسمح أيضا بمرور النفط المهرب من خلال أراضيها وعبر الموانئ التابعة لها، الأمر الذي شكل الاستنزاف الأكبر للاقتصاد العراقي في السنوات الأخيرة.

جاب فريق العمل بعض المناطق الغنية بالنفط في العراق محاولا الوقوف على أهم أساليب سرقة وتهريب النفط ومشتقاته، ومن يقف وراءها، وكيف تحوّل إلى غنائم يتم تقاسمها في البلاد وبطرق غير قانونية، أو بالتحايل على القانون واستغلال ضعف الرقابة وحالة الفوضى التي خلفها الاحتلال الأميركي الذي فتح أثناء وجوده الباب واسعا لرعاية كافة أشكال النهب لمقدرات الدولة، وأهمها الثروة النفطية.

هذه الفوضى سمحت في شمال العراق بأن يبدأ إقليم كردستان عام 2012 وبعزلة عن الحكومة الاتحادية في بغداد، بتصدير كميات من النفط مرورا بالأراضي التركية وصولا إلى إسرائيل، بحسب الخبير النفطي فالح الخياط.

بل إن الإقليم لم يكن يصدر النفط خارج نطاق الحكومة الاتحادية حسب تسعيرها وحسب عقودها واستلام مبالغها، وإنما استخدم الأنبوب العراقي المخصص للنفط العراقي لتلك الغاية.

ويكشف الخياط أن جنوب العراق تشكلت فيه مظلة واسعة للتهريب المحمي وصلت فيها الأمور إلى بناء خزانات نفطية في بعض بساتين أبو الخصيب وبعض بساتين تنومة، وتحميل النفط العراقي علنا من موانئ على شط العرب بموافقة وترتيب القوى المتنفذة في البصرة، مثل حزب الفضيلة.

النتيجة الصادمة تقول إن قيمة النفط المهرب من الجنوب العراقي فقط منذ العام 2008 إلى اليوم، بلغت خمسة مليارات دولار.

كما بيّن الفيلم أسباب عجز وإخفاق الأجهزة الأمنية في وقف التهريب، بل وتورط عناصر في الشرطة والجمارك العراقية وعدد من شركات النفط، بالإضافة إلى مسؤولين من وزارة النفط والحكومة، في عمليات التهريب هذه، وكيف يتم تحويل الجزء الأكبر من عائدات المخزون النفطي العراقي إلى مليشيات وأحزاب وشبكات تهريب وموظفين فاسدين.

لم تكن قلة الموارد وبدائيتها هي ما يقف وراء إخفاق الأجهزة الأمنية في وقف التهريب في العراق، فالقضية تقف خلفها جهات متنفذة ومنتفعة في الدولة العراقية تحرص على إفلات هذه العصابات من المساءلات القانونية واستمرار نشاطها.

يقول عضو لجنة النفط والطاقة سابقا علي عواد إن ثمة تنسيقا واضحا بين بعض المسؤولين في وزارة النفط وبين المديرين العامين، وبالتالي فإن قضية التهريب والتلاعب في الكميات المنتجة والمصدرة سيتم التغاضي عنها لأن هناك رؤوسا كبيرة مستفيدة من هذا الإهمال والتقصير.

كما تناول الصعوبات والمضايقات التي تعرض لها فريق العمل، ومنها مصادرة عدد من المواد التي تم تصويرها، وتهديد أفراده بالمساءلة القانونية من قبل الحكومة بداعي الأمن الوطني، وتعرضهم لانفجار بعبوة ناسفة أثناء مرافقتهم لرتل عسكري من شرطة النفط.