حان الوقت لتقوم الولايات المتحدة الأميركية بالأمر الصحيح

جو بايدن نائب الرئيس الأميركي
(أسوشيتد برس)

كتب ألكسيس دي توكفيل في كتابه "الديمقراطية في أميركا": "ليس هناك ما هو أروع من فن الحرية، لكن لا شيء أصعب من تعلم كيفية استخدام تلك الحرية". بل في الواقع هذا التوازن ليس بالأمر السهل، فالآن وبينما يقوم الرئيس الأميركي جو بايدن بتثبيت مكانته السياسية، هو بحاجة إلى التفكير بعناية في هذا الأمر إذا كان يأمل في اغتنام الفرصة وإعادة وضع أميركا كقوة عالمية بارزة.

لا تزال أميركا تتعافى من تداعيات رئاسة ترامب. "الانقسام" و"العنصرية" و"مهاجمة النساء" هي بعض الكلمات التي استخدمها أعضاء فعَّالون في المجتمع المدني الأميركي لوصف فترة الرئيس السابق ترامب.

في الواقع، الحرية ليست نواة القوة الأميركية العظيمة فحسب، بل هناك أيضا القناعة بأن جميع الناس متساوون، وليسوا مقيدين أو أنه يتم التقليل من شأنهم تبعًا للعرق أو الدين أو الجنس أو المكانة الاجتماعية. فالحرية والمساواة والفردية هي الدافع المطلوب الذي يشجع الإبداع ويدفع الأميركيين للمجازفة في حين يتردد الآخرون.

هذا الأمر يشجع على الاتصال ويخلق مساحات مفتوحة ورحبة للناس للتفاعل بحرية مع روعة التكاثر العضوي. هذه العقلية هي التي ينبغي على أميركا أن تغرسها ليس فقط للتوفيق بين حروبها العرقية الداخلية، ولكن لإعادة العالم من الهاوية الاستبدادية التي يقف عليها. ومع ذلك يجب أن يتم ذلك بشكل صحيح وفي أسرع وقت، وإن تم الأمر فيمكن للرئيس بايدن استعادة دور أميركا الريادي العالمي ومواجهة التحديات الخمسة الأكثر خطورة التي تواجهنا جميعًا، وهي:

1. التهديد السياسي المتزايد لليمين البديل.

2. التراجع الديمقراطي وتجاهل المنظمات متعددة الأطراف.

3. جائحة الفيروس المستجد كوفيد-19.

4. الانكماش الاقتصادي العالمي.

5. تغير المناخ.

كل هذه التهديدات يمكن أن تعرقل جهود السلام والأمن الدوليين، ويجب التصدي لها من خلال الإدماج والتسوية وتقاسم السلطة. لكن ولسوء الحظ، هناك معادلات خاطئة تغري الرئيس بايدن بتجاهل تلك المثل العليا. فهل سيخون تلك القيم الديمقراطية بتبنيه للدكتاتوريات الاستبدادية والأنظمة الفاشية من أجل المصالح السياسية؟ هل سيتوجب عليه إجبار تقاسم السلطة في أفغانستان واحترام القيم المحلية وتوحيد جميع أصحاب المصلحة أم إنه سيتبنى الإصرار على إطالة أمد هذه الحرب الخاسرة؟ هل سينبغي عليه أن يظل ملتزمًا بمبادئ حقوق الإنسان أم سيغض الطرف عن جرائم الحرب في إقليم جامو وكشمير المتنازع عليه للتركيز بسذاجة على جهود احتواء الصين؟ في لحظة الاضطراب هذه ما تحتاجه أميركا والعالم هو أن تقوم القيادة الأميركية بالأمر الصحيح.

لا تزال أميركا تتعافى من تداعيات رئاسة ترامب. "الانقسام" و"العنصرية" و"مهاجمة النساء" هي بعض الكلمات التي استخدمها أعضاء فعَّالون في المجتمع المدني الأميركي لوصف فترة الرئيس السابق ترامب. فقد اعتاد أن ينفخ بوقه لينتقد خصومه بسخرية -حتى أولئك ذوي الإعاقة- وكان يلجأ إلى الشتائم غير الناضجة وكأنه متنمر في ساحة مدرسة. ولا تزال خطاباته مليئة بالكلمات الطنانة والعبارات الإيجابية: "الفائز" و"النجاح" و"جعل أميركا عظيمة مجددًا"، ولكن وفي الواقع جميع تلك العبارات خالية من الجوهر بشكل واضح.

ومع ذلك فإن ما سيثير الدهشة بالنسبة للكثيرين أنه لا ينبغي أن يكون ذلك، فقد أعمى اشمئزاز ترامب الكثيرين إلى عدم الاعتراف بتواطؤهم ومشاركتهم في تأجيج طاغوت اليمين البديل. وإن الأميركيين يدركون تمامًا كيف أصبح مجتمعهم منافقًا وهم يكرهون تلك الحقيقة. فقد استغل ترامب -بعد أن تم إشباع شعبه بالكذب لدرجة أصبحوا كارهين فيها المزيد من النفاق والكذب- هذا الإحباط لتنشيط اليمين البديل الذي شارك بلا خجل في ترهيب الناخبين وحرمان النساء من حق التصويت واستهدف الأقليات والأشخاص "الملونين" على مستوى لم نشهده من قبل. ووفقًا للأستاذة جينيفر سكلافاني التي كتبت "حماقة دونالد ترامب"، فإن هذه هي جاذبية ترامب، أسلوبه النحاسي المبهرج الذي يتنكر في صورة الصدق ويعكس ما يسعى إليه الأميركيون بشدة. وتبعًا لهذا ينبغي على الرئيس بايدن التصرف بشكل صحيح.

يجب على بايدن فتح صفحة جديدة ومعالجة القضايا المحلية والعالمية. فمستويات الجريمة فلكية، والعنف المنزلي والجنسي ضد النساء ارتفع بنسب مروعة، والفجوة بين الذين يملكون والذين لا يملكون اتسعت. كل تلك الحقائق تشل المجتمع الأميركي من الداخل. وبالإضافة إلى ذلك هناك تآكل خطير للمؤسسات الديمقراطية ورفض للتعددية في جميع أنحاء العالم. وما يحتاجه الرئيس بايدن الآن هو تقديم نفسه على أنه يدعم الروح الديمقراطية في الداخل والخارج، وينبغي عليه الوقوف ضد فاشية الهندوتفا والاستعمار الاستيطاني وانتهاكات حقوق الإنسان في كشمير وأماكن أخرى حول العالم.

وخاصة الآن في ظل معاودة ظهور الوباء بشكل أكثر فتكًا من أي وقت مضى، فما تحتاجه أميركا حقًا هو إعادة بناء صورتها والثقة الاجتماعية بها. هذا يعني -كما يقول المعلق الاجتماعي اليساري سلافوي زيزاك- أن أميركا في حاجة ماسة إلى إعادة ضبط، هي بحاجة لصدمة شديدة تعيدها إلى رشدها. وقد حدث ذلك مع الانكماش الاقتصادي العالمي الذي من المرجح أن يؤدي إلى انخفاض كبير في مستويات المعيشة في جميع أنحاء العالم، مما سيقود إلى إخراج الملايين من الطبقة الوسطى العالمية وتضخيم صفوف الفقراء.

وبالمثل فإن الطريق إلى الانتعاش الاقتصادي مليء بالشكوك. كل هذا يزيد من تعقيدات التهديد العالمي لتغير المناخ. ولهذا تبدو خطة الوظائف الأميركية العملاقة التي وضعها الرئيس بايدن كأنها حلم بيئي، استثمار ضخم في السيارات الكهربائية وحوافز ضريبية كبيرة للطاقة المتجددة. علاوة على ذلك فإن مبادراته المتعلقة بتغير المناخ ستخلق أيضًا "فيلقا مناخيا مدنيا يضع الشباب الأميركي في الخطوط الأمامية لتعزيز المرونة والحفاظ على الأراضي العامة لأول مرة". وعلى الرغم من ذلك وبالنظر إلى حجم الأزمات العالمية، ينبغي علينا أن ننتظر ونرى ما إذا كان هذا كافيا.

وفي هذا المنعطف الحرج، تحتاج أميركا -بقيادة الرئيس بايدن- إلى قيادة الخطوط الأمامية. بايدن بحاجة إلى تجديد شباب المجتمع المدني، ووضع معايير للشراكات العالمية مربحة للجانبين، والوقوف بحزم ضد أولئك الذين يتجاهلون القانون الدولي، فمن الذكاء أن يتعاون مع الدولة القطرية للوصول إلى السلام والرخاء العالميين. يجب على أميركا وبأي ثمن أن تسعى لدحر تلك المشاعر ضيقة الأفق التي تترك الناس -كما يقول دي توكفيل- "غير مهتمين بثروات قريتهم وسلامة شوارعهم ومصير كنيستهم ومجلسها. وعندما تصل أمة إلى هذه النقطة سيتوجب عليها إما أن تغير قوانينها وأعرافها وإما أن تهلك لأن بئر الفضيلة العامة قد جف: في مثل هذا العالم لم يعد المرء يجد مواطنين بل رعايا فقط".

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.