ترامب يعاني من عجز الذكاء العاطفي

Republican presidential nominee Donald Trump speaks during a campaign town hall meeting in Virginia Beach, Virginia, U.S., September 6, 2016. REUTERS/Mike Segar

في الشهر الماضي، نَشر خمسون من مسؤولي الأمن القومي السابقين الذين شغلوا مناصب رفيعة المستوى في الإدارات الجمهورية من ريتشارد نيكسون إلى جورج دبليو بوش، رسالة تقول إنهم لن يصوتوا لصالح مرشح حزبهم لمنصب الرئاسة دونالد ترامب.

وعلى حد تعبيرهم: "ينبغي للرئيس أن يكون منضبطا، مسيطرا على مشاعره، وأن لا يتصرف إلا بعد تفكير ودراسة متأنية". الأمر ببساطة أن "ترامب يفتقر إلى المزاج الذي يؤهله لمنصب الرئيس".

في مصطلحات نظرية القيادة الحديثة، يعاني ترامب من نقص في الذكاء العاطفي، التمكن الذاتي، والانضباط، والقدرة على التعاطف مع الآخرين وهي الملكات التي تسمح للقادة بتوجيه عواطفهم الشخصية واجتذاب الآخرين. وعلى عكس الرأي القائل بأن المشاعر تتداخل مع الفكر، فإن الذكاء العاطفي ــ الذي يضم اثنين من المكونات الرئيسية، التمكن من الذات والتواصل مع الآخرين- يشير إلى أن القدرة على فهم وتنظيم العواطف من الممكن أن يجعل عملية التفكير في المجمل أكثر فعالية.

ورغم حداثة المفهوم فإن الفكرة ليست جديدة؛ فقد أدرك العمليون من الناس منذ فترة طويلة أهميته في القيادة. ففي ثلاثينيات القرن العشرين، ذهب قاضي المحكمة العليا السابق أوليفر ويندل هولمز -وهو من المحاربين القدامى في الحرب الأهلية الأميركية- لمقابلة فرانكلين د. روزفلت، وهو زميل من خريجي هارفارد ولكنه لم يكن طالبا متميزا. وعندما سُئل عن انطباعه عن الرئيس الجديد في وقت لاحق، قال ساخرا: "إنه يتمتع بذكاء من الدرجة الثانية؛ ومزاج من الدرجة الأولى". وقد يتفق أغلب المؤرخين على أن نجاح روزفلت كقائد كان راجعا إلى ذكائه العاطفي أكثر من اعتماده على ذكائه التحليلي.

لقد حاول علماء النفس قياس الذكاء لأكثر من قرن من الزمان. وتقيس اختبارات حاصل الذكاء العامة أبعاد الذكاء هذه من خلال الفهم اللفظي والمنطق الإدراكي، ولكن درجات الذكاء تتنبأ بنحو 10% إلى 20% فقط من التباين في مستويات النجاح في الحياة. أما الثمانين في المائة المتبقية غير المفسرة فهي نتاج مئات من العوامل التي تنشأ بمرور الوقت. والذكاء العاطفي أحد هذه العوامل.

يزعم بعض الخبراء أن أهمية الذكاء العاطفي تعادل ضعف أهمية المهارات الفنية أو المعرفية، ويرى آخرون أن الذكاء العاطفي يلعب دورا أكثر تواضعا. وعلاوة على ذلك، يختلف علماء النفس حول كيفية الارتباط بين البعدين المختلفين للذكاء العاطفي: ضبط النفس والتعاطف. وقد سجل بيل كلينتون، على سبيل المثال، درجة منخفضة على البُعد الأول ولكن الدرجة التي سجلها على البعد الثاني كانت مرتفعة. ولكنهم يزعمون رغم ذلك أن الذكاء العاطفي عنصر مهم في القيادة. ولعل معدل ذكاء ريتشارد نيكسون كان أعلى من روزفلت، ولكن ذكاءه العاطفي كان أقل كثيرا.

يستخدم القادة الذكاء العاطفي لإدارة "الكاريزما" أو مغناطيسيتهم الشخصية عبر سياقات متغيرة. ونحن جميعا نقدم أنفسنا للآخرين من خلال مجموعة متنوعة من الطرق من أجل إدارة الانطباعات التي نخلفها: على سبيل المثال، نحن "نرتدي ملابس النجاح". ويضع الساسة أيضا "أردية" تختلف باختلاف الجمهور. وكان موظفو رونالد ريغان مشهورين بفعاليتهم في إدارة الانطباعات، وحتى الجنرال الصارم جورج باتون كان يتدرب على التجهم أمام مرآة.

تتطلب الإدارة الناجحة للانطباعات الشخصية بعض الانضباط العاطفي والمهارات التي يمتلكها الممثلون البارعون. وهناك الكثير من القواسم المشتركة بين التمثيل والقيادة. فكل منهما يجمع بين ضبط النفس والقدرة على التصور. وكانت خبرة ريغان السابقة كممثل في هوليود مفيدة له في هذا الصدد، وكان فرانكلين روزفلت ممثلا بارعا أيضا، ورغم الألم وصعوبة الحركة على ساقيه اللتين أعجزهما شلل الأطفال، حافظ روزفلت على مظهر خارجي متبسم، وكان حريصا على تجنب التقاط الصور له في كرسيه المتحرك الذي كان يستخدمه.

إن البشر مثلهم في ذلك مثل بقية الجماعات الرئيسية الأخرى، يركزون انتباههم على قائدهم. وسواء أدرك المسؤولون التنفيذيون والرؤساء هذا أو لم يدركوه، فإن الإشارات التي ينقلونها تُراقَب عن كثب دائما. ويشمل الذكاء العاطفي الوعي بهذه الإشارات والتحكم فيها، والانضباط الذاتي الذي يمنع الاحتياجات النفسية الشخصية من تشويه السياسة. فكان بوسع نيكسون على سبيل المثال أن يقيم إستراتيجية فعّالة على السياسة الخارجية؛ ولكنه كان أقل قدرة على إدارة مشاعر عدم الأمان الشخصية التي دفعته إلى خلق "قائمة من الأعداء" وتسببت في سقوطه في نهاية المطاف.

يتمتع ترامب ببعض مهارات الذكاء العاطفي؛ فهو ممثل تمكن بفضل خبرته في استضافة برنامج تلفزيون الحقيقة من السيطرة على الميدان الجمهوري الأساسي المزدحم واجتذاب قدر معقول من الاهتمام الإعلامي. ويبدو أنه بارتدائه الملابس الملائمة للمناسبة وقبعة البيسبول الحمراء التي تحمل شعار "فلنجعل أميركا عظيمة مرة أخرى"، ناور النظام بالاستعانة بإستراتيجية ناجحة تقوم على استخدام تصريحات "صحيحة سياسيا" بهدف تركيز الاهتمام على شخصه واكتساب قدر هائل من الدعاية المجانية.

بيد أن ترامب أثبت عجزا فيما يتصل بضبط النفس، الأمر الذي جعله غير قادر على التحرك في اتجاه مركز الانتخابات العامة. وعلى نحو مماثل، فشل ترامب في عرض الانضباط اللازم لإتقان تفاصيل السياسة الخارجية، وكانت النتيجة أنه -خلافا لنيكسون- يبدو ساذجا عندما يتعلق الأمر بفهم شؤون العالَم.

يتمتع ترامب بسمعة المشاغب المتنمر في تعاملاته مع الصحافة، ولكن هذا ليس سيئا في حد ذاته. فكما أشار عالِم النفس رودريك كرامر من جامعة ستانفورد، كان الرئيس ليندون جونسون متنمرا، كما ينتهج العديد من رجال الأعمال في وادي السليكون سلوكا متنمرا.

الواقع أن نرجسية ترامب تدفعه إلى المبالغة في ردود أفعاله إزاء الانتقادات والإهانات، وعلى نحو هدام في كثير من الأحيان. على سبيل المثال، انهمك ترامب في نزاع مع زوجين مسلمين أميركيين قُتل ولَدهما، وهو جندي أميركي، في العراق. كما انخرط في نزاع تافه مع رئيس مجلس النواب بول ريان بعد شعور ترامب بأنه أهين. وفي مثل هذه الحالات، كان ترامب يدوس على رسالته ولا يبالي.

هذا العجز في الذكاء العاطفي هو الذي كلف ترامب خسارة دعم بعض خبراء السياسة الخارجية الأكثر بروزا في حزبه وفي البلاد. فهو على حد تعبيرهم: "عاجز عن، أو غير راغب في فصل نفسه عن الباطل. وهو لا يشجع وجهات النظر المتعارضة، ويفتقر إلى ضبط النفس ويتصرف بتهور، وهو عاجز عن التسامح مع الانتقاد". أو كما قد يقول هولمز، أصبح ترامب غير مؤهل بسبب مزاج من الدرجة الثانية.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.