جنون فيسبوك

This picture taken on July 7, 2009 in Paris, shows the front page of the Facebook website.
فيسبوك اعتذرت للمستخدمين بعد إجراء تجارب نفسية عليهم (غيتي إيميجيز)

إستير دايسون*

في الآونة الأخيرة، دارت نقاشات كثيرة حول التجربة النفسية التي أجراها موقع فيسبوك على ما يقرب من سبعمائة ألف من مستخدميه. فمن أجل قياس مدى تأثر مزاج مستخدمي فيسبوك بـ"موجز الأنباء" الجديد، نفذت الشركة بشكل مؤقت خوارزمية جديدة لعرض رسائل أكثر إيجابية بعض الشيء على بعض المستخدمين، وأكثر كآبة بعض الشيء على بعضهم الآخر. وكما تبين فإن مشاركات الناس المنشورة تحولت لكي تعكس طابع مشاركات أصدقائهم.

ولكن هذه الجلبة غفلت عن بعض التساؤلات الأكثر إثارة للاهتمام، فركزت (كالمعتاد) على صَمَم النغمات (المعتاد) على فيسبوك. ولم يُبد أحد أي اهتمام بالسؤال الواضح حول ما إذا كانت النتائج تعكس تحولاً حقيقياً في المزاج، أو مجرد رغبة -واعية أو غير واعية- لمجاراة الآخرين.

إن ما أثار غضب الناس هو فكرة استغلال موقع فيسبوك لمستخدميه بغير علمهم من أجل تعزيز أجندته خاصة، وقد استشهد كثيرون بالسرية المحيطة بالبحث لإثبات سوء سلوك الشركة (ولو أن الشركة نشرت النتائج بلا شعور واضح بالانزعاج أو عدم الارتياح). ولكن برغم أن افتقار فيسبوك إلى الشفافية أمر محبط ومقلق بكل تأكيد -تماماً مثل عدم اكتراثه على الإطلاق بمخاوف مستخدميه- فإن مثل هذه الشكاوى لا تصيب بيت القصيد.

بطبيعة الحال، تستغل شركة فيسبوك مستخدميها تماما مثل كل الشركات التي تستخدم الدعاية والإعلان لحث المستهلكين على التشوق إلى استهلاك منتج غذائي، أو رداء مثير جنسيا. وسواء فعلت الشركات هذا من خلال إعلانات موجهة استنادا إلى تاريخ البحث على محركات البحث أو اللوحات الإعلانية على الطرق العامة، فإن النتيجة (المقصودة) هي ذاتها دائما.

ولعل هذا كان يشكل حدثاً إخبارياً كبيراً قبل قرن من الزمان، ولكنه اليوم خبر بسيط وممل. ومع هذا فلا يزال الناس يتفاعلون مع الكشف الصريح عن مثل حالات التلاعب والاستغلال هذه بالصدمة والغضب.

سلطة القرار
غير أن المشكلة الأكبر تكمن في مفارقة الاختيار الحديثة. فاليوم تُعرَض الخيارات على الناس بشكل دائم، كما يُعرَض عليهم أيضاً خيار تجنب كل هذه الخيارات، تحت ستار السرعة أو الراحة.

ورغم أن سلطة اتخاذ المرء القرار بشأن خياراته الخاصة أمر جذاب من الناحية النظرية، فإن العدد الهائل من الخيارات المتاحة قد يكون مُرهقاً ومُربكا، وخاصة بسبب الضغوط المتمثلة في ضرورة اتخاذ الاختيار "الصحيح". وكما أشار باري شوارتز، فإن الاختيارات فرصة للندم. فعندما تتسبب قوة خارجة عن نطاق سيطرتنا في جعلنا تعساء فإننا على الأقل لا نشعر بالغضب من أنفسنا لأننا وضعنا أنفسنا في هذا الموقف أو ذاك.

المستخدمون يسمحون لغوغل بفلترة طوفان من رسائل البريد الإلكتروني التي يتلقونها يوميا، ولكنهم يستشيطون غضباً عندما يحذف غوغل رسالة مهمة

وتتمثل الاستجابة المنطقية لهذا الضغط في تفويض بعض القرارات لآخرين. ولكن عندما نتذكر كيف يشكل آخرون حياتنا نشعر بالسخط الشديد ونصف هذا الأمر بأنه "مخيف" وانتهاك لإرادتنا الحرة. فالمستخدمون يسمحون لغوغل بفلترة طوفان من رسائل البريد الإلكتروني التي يتلقونها يوميا، ولكنهم يستشيطون غضباً عندما يحذف غوغل رسالة مهمة.

وعلى نحو مماثل، عندما يستجيب موقع فيسبوك للشكاوى من عجز مستخدميه عن متابعة كل مشاركات أصدقائهم، فإنه يطور خوارزمية معينة تعمل على إظهار رسائل البريد الإلكتروني الأكثر أهمية فقط. ولكن ما الذي يؤهل مشاركة من صديق ما كمشاركة "مهمة"؟ الآن يحاول موقع تويتر حل نفس المشكلة.

تهديد للعقل
يقول البعض إن الخيارات التي يتيحها فيسبوك لمستخدميه قد تهدد صحتهم العقلية. ولكن كذلك قد يفعل مُـعَلِّم مثقل بالعمل في المرحلة الثانوية ولا يستطيع تكريس الطاقة اللازمة للطلاب المضطربين، والمجلات التي تروج لصور غير واقعية للجسم البشري، وخطب رجال الدين الذين يعتقدون أن الرب لا يغفر للجميع، أو حتى شخص غريب يتصرف بوقاحة في القطار. كل من هؤلاء الفاعلين لديه أفكاره ودوافعه الخاصة، وجميعهم يتلاعبون كل يوم بوجهات نظرنا وحالتنا المزاجية ويستغلونها.

في عالم الدعاية والإعلان يكون التلاعب والاستغلال علنيا، ولكن المسوقين يختبرون أيضاً وعلى نحو منتظم ردود فعل المستخدمين العاطفية إزاء جوانب أقل وضوحاً لمنتجاتهم

بطبيعة الحال، في عالم الدعاية والإعلان يكون التلاعب والاستغلال علنيا. ولكن المسوقين يختبرون أيضاً وعلى نحو منتظم ردود فعل المستخدمين العاطفية إزاء جوانب أقل وضوحاً لمنتجاتهم. وهم يغرون المستهلكين بدفع المزيد من الأموال من خلال عرض خيارات مبالغ في تقييم تكلفتها حتى أن أي شيء أقل تكلفة يبدو معقولا.

عندما تقرأ فتاة أو سيدة عن فستان كيم كارداشيان الجديد فقد يجعلها هذا تشعر بالرغبة في شراء ذلك الفستان، ولكن هل يجعلها أيضاً تشعر بأنها دميمة؟ وإذا كنت رجل أعمال في مجال التكنولوجيا، فقد تطمح إلى اكتساب مكانة كمكانة مارك أندرسن، ولكن القراءة عنه قد تجعلك أيضاً تشعر بأنك غير مؤهل أو ناقص، وخاصة لو كنت أنثى.

وقد أثار فيسبوك عن غير قصد قضية الاستغلال العاطفي هذه والعواقب غير المقصودة التي قد تترتب عليها بشكل غير مباشر وفي سياق بعينه، من خلال التزام التكتم والسرية بشأن بحثها وعدم إعطاء الناس الفرصة لاختيار عدم المشاركة مسبقا. (والآن، أظن هذا كان يصبح اختياراً ذكيا!).

ولكن في نهاية المطاف، لا توجد مشكلة تنتظر الحل أو حتى قضية تهم شركة فيسبوك بشكل خاص. فما نشهده الآن يُعَد تحسناً جوهرياً في قدرتنا على اكتشاف التأثيرات القصيرة والطويلة الأجل المترتبة على أفعالنا وأفعال الآخرين (الانحباس الحراري العالمي على سبيل المثال). ومع تحسن قدرتنا على قياس الأمور واستكشاف التأثير الذي قد يخلفه أي تغيير -باختصار، مع تقدمنا في إدارة البحوث التجريبية- ينبغي لنا أن نفكر في المسؤولية المترتبة على المعرفة التي نكتسبها.

_________
*رئيسة شركة EDventure للاستثمارات، وهي سيدة أعمال ومستثمرة تركز على الأسواق الناشئة والتكنولوجيا. ومن بين اهتماماتها تكنولوجيا المعلومات، والرعاية الصحية، والطيران الخاص، والسفر إلى الفضاء.

المصدر : بروجيكت سينديكيت