هل يغير مقتل خاشقجي سياسات بن سلمان بالمنطقة؟

كومبو جمال خاشقجي والامير محمد بن سلمان
خاشقجي كان قد طالب بوقف الحرب في اليمن قبل مقتله (الجزيرة)
 
لا يبدو أن مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي سيمر من دون تغييرات تلقي بظلالها على سياسات السعودية الخارجية، وإعادة ترتيب بيتها الداخلي الذي استحوذ فيه ولي العهد السعودي محمد بن سلمان على كل مفاصل القوة، بعد أن أقصى كثيرا من أعضاء الأسرة الحاكمة أصحاب النفوذ والسلطة.
 
فقد ساعدت قضية مقتل خاشقجي في قنصلية بلاده بإسطنبول في الثاني من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، في توجيه الأنظار تجاه سياسات السعودية الخارجية، ولا سيما حربها في اليمن التي تخوضها للعام الرابع على التوالي، وخلفت عشرات الآلاف من القتلى وشردت أكثر من مليونين وأدت لتفشي الأمراض والمجاعة في هذا البلد.

مقتل خاشقجي -الذي طالب بوقف الحرب في اليمن- كان له تأثير واضح في المطالبات الأوروبية بإيقاف تجارة الأسلحة مع المملكة، فقد قالت وزيرة الخارجية النمساوية كارين كنايسل لصحيفة دي فيلت الألمانية إن على الاتحاد الأوروبي وقف مبيعات الأسلحة للسعودية بعد مقتل خاشقجي، مضيفة أن هذه الخطوة ستساعد أيضا في إنهاء "الحرب البشعة باليمن".

وجاءت تصريحات النمسا -رئيسة الاتحاد الأوروبي حاليا- بعد أن قالت ألمانيا إنها ستتوقف عن الموافقة على تصدير السلاح للسعودية إلى أن تتضح ملابسات مقتل الصحفي السعودي، بالإضافة إلى تصريحات مماثلة من هولندا وبلجيكا وكندا.

وفي مؤشر على الضغط الأميركي المحتمل لإيقاف الحرب في اليمن، كشفت وسائل إعلام أميركية أمس السبت أن الكونغرس سيبحث قريبا مشروع قانون من شأنه عرقلة أي تعاون مع السعودية في مجال التقنيات النووية والتسليح، في خطوة تهدف لمعاقبة المملكة على قتل الصحفي جمال خاشقجي.

‪حرب السعودية أدت إلى تفشي المجاعة والأمراض في اليمن‬ (رويترز)
‪حرب السعودية أدت إلى تفشي المجاعة والأمراض في اليمن‬ (رويترز)

وفيما بدا أنها خطوة استباقية للقرار الأميركي، أعلن التحالف السعودي الإماراتي في بيان رسمي أنه طلب من الولايات المتحدة وقف تزويد طائراته بالوقود جوا في العمليات الجارية باليمن.

كما جاء في الإطار ذاته تأكيد وزير الدفاع الأميركي جيمس ماتيس أن قرار التحالف السعودي الإماراتي وقفَ تزويد طائراته في اليمن بالوقود الأميركي جوا، جاء بالتشاور مع واشنطن، مضيفا أن بلاده ستواصل العمل لتقليل أعداد الضحايا المدنيين وتوسيع جهود الإغاثة العاجلة في اليمن.

فيما قالت واشنطن بوست إن إدارة الرئيس دونالد ترامب كانت بصدد إنهاء ذلك الدعم الذي يؤمّن للطائرات القاذفة القيام برحلات أطول والتحليق في الجو أوقاتا أطول لشن الهجمات على أهدافها.

معركة الحديدة
يأتي ذلك في وقت تحوّل فيه الهجوم للسيطرة على مدينة الحديدة اليمنية الواقعة على البحر الأحمر إلى حرب شوارع، وسط كثافة استخدام المدفعية والضربات الجوية في القتال بين الحوثيين من جهة والقوات الموالية للحكومة المدعومة من التحالف الإماراتي السعودي من جهة ثانية.

ويرى مراقبون أن السعودية -ومعها الإمارات– تسعى فيما يشبه طلقات الحرب الأخيرة، لتعزيز مكاسبها على الأرض قبل إيقاف الحرب والذهاب لمفاوضات مع الحوثيين.


وإذا كان مقتل خاشقجي يسلط الضوء على مغامرات بن سلمان الخارجية، فإن حصار قطر إلى جانب الحرب اليمنية يبرز بشكل لافت، إذ إنه يعد مغامرة غير محسوبة.

ورغم عدم وجود مؤشرات قاطعة بقرب حلحلة الأزمة الخليجية التي حاصرت فيها السعودية والإمارات والبحرين -بالإضافة إلى مصر– قطر، فإن هناك إشارات من قبيل تخفيف حدة الخطاب الإعلامي الموجه ضد قطر وتصريحات محمد بن سلمان التي امتدح فيها الاقتصاد القطري بمؤتمر الاستثمار المنعقد مؤخرا في الرياض.

وإذا ما صحت التسريبات -التي تناقلها وعلق عليها إعلاميون قطريون- برغبة الرياض في حل الأزمة مع الدوحة وإرسالها مسؤولين بهذا الشأن، فإنها بلا شك ستظهر رغبة المملكة في تخفيف الضغط عليها عبر تدارك أزمات صنعتها سياستها الخارجية.

كما كان لافتا تصريحات خالد الجار الله نائب وزير الخارجية الكويتي قبل يومين عن وجود "رؤية إيجابية لاحتواء الخلاف الخليجي"، مضيفا أنه سيأتي يوم وتُطوى فيه صفحة هذا الخلاف، وسيعيد مجلس التعاون بناء نفسه بشكل أقوى مما كان عليه.

تحركات داخلية
وإذا كانت للغرب عينٌ على السياسات الخارجية، فإن عينها الأخرى على التحركات الداخلية، ولا سيما في البلاط الملكي، إذ أفرجت السلطات السعودية الأسبوع الماضي عن أمراء من العائلة الحاكمة كان ولي العهد السعودي قد احتجزهم.

آخر أولئك المفرج عنهم كان الأمير عبد العزيز بن فهد، وقبله الأمير خالد بن طلال، وهو ما رآه مراقبون تنفيسا للضغط الذي يقع تحته بن سلمان من العائلة الحاكمة التي جرد كثيرا من أبنائها من سلطاتهم ونفوذهم.

كما عاد الأمير أحمد بن عبد العزيز -عم محمد بن سلمان- إلى السعودية بعد ضمانات، قال موقع ميدل إيست آي إنه حصل عليها من الأوروبيين والأميركيين بعدم التعرض له.

ويرى البعض أن الأمير أحمد قد يلعب دوار مستقبليا، ولا سيما أنه كان نائبا لوزير الداخلية لسنوات طويلة وأصبح وزيرا للداخلية لبضعة شهور في 2012.

ولم يكن خافيا شعور كثير من السعوديين بالغضب حين اعترفت سلطات بلادهم بمقتل خاشقجي في قنصليتها على أيدي عناصر حكومية مقربة من السلطة، لذا جاء صدور الأمر الملكي باعتماد صرف العلاوة السنوية لموظفي القطاع الحكومي بعد قطعها، وذلك في محاولة لامتصاص الغضب وصرف الأنظار عن الجريمة.

ورغم تصريحات وزير الخدمة المدنية سليمان الحمدان بأن القرار يعود إلى حرص الملك سلمان بن عبد العزيز على رفع أداء القطاع الحكومي وتطويره، فإنه كان لافتا إيقاف الحكومة نفسها قبل أشهر قليلة العلاوات العامة وربطها بأداء الموظف وتقييمه لتحسين الأداء العام، قبل أن تتراجع الآن وتحررها من هذه الضوابط.

وفي موازاة ذلك، ظهرت تساؤلات حول موعد زيارة الملك سلمان وابنه إلى منطقة القصيم وحائل اللتين استُقبلا فيهما الأسبوع الماضي بحفاوة، رغم الأزمة التي تمر بها البلاد والضغوط الدولية التي تتعرض لها؛ في مشهد قُرِئ على أنه محاولة لإظهار التأييد الشعبي لسياسات الملك ونجله.

وإذا كانت دول غربية وعربية ينتابها الخوف من عدم الاستقرار في السعودية جراء أي تغيير غير سلس في أعلى هرم السلطة السعودية، فإن كثيرين يرونها فرصة لرفع الحصانة عن محمد بن سلمان وإحداث تغييرات من قبل العائلة الحاكمة لتقييد سلطاته غير المحدودة داخل المملكة ومغامراته خارجها.

المصدر : الجزيرة