هل يعطل السبسي التعديل الوزاري؟

Tunisian President Beji Caid Essebsi speaks during a news conference at the Carthage Palace in Tunis, Tunisia November 8, 2018. REUTERS/Zoubeir Souissi
الرئيس التونسي في مؤتمر صحفي بقصر قرطاج قبل يومين (رويترز)

خميس بن بريك-تونس

يتساءل البعض عن الوسائل القانونية التي يمكن أن يستخدمها الرئيس التونسي الباجي قايد السبسي لرفض التعديل الوزاري. وبينما يرى مراقبون أن الرئيس لا يملك فعل شيء، يقول آخرون إنه قد يلعب دورا معطلا للتعديل، في حين يتجه جزء آخر للقول إنه سيقبل به.

ورغم أن السبسي صرح قبل يومين أمام الصحفيين بأنه مستعد لتنظيم جلسة أداء اليمين للوزراء الجدد أمامه إذا صادق البرلمان على التعديل الذي أجراه الاثنين الماضي رئيس الحكومة يوسف الشاهد، فإنه لم يفوّت الفرصة للتذكير برفضه إجراء هذا التعديل بدعوى أنه لم يتم استشارته.

وستعقد الاثنين المقبل بالبرلمان جلسة عامة لمنح الثقة للوزراء الجدد، وحسابيا ستحصل التركيبة الجديدة للحكومة على ما يزيد على الأغلبية المطلقة (109 أصوات) لأنها مدعومة من قبل كتلة حركة النهضة (68 نائبا) وكتلة الائتلاف الوطني (38 نائبا) وكتلة حركة مشروع تونس (12 نائبا).

‪السبسي يؤكد رفضه التعديل في مؤتمر صحفي‬ (مواقع التواصل الاجتماعي)
‪السبسي يؤكد رفضه التعديل في مؤتمر صحفي‬ (مواقع التواصل الاجتماعي)

انقلاب دستوري
والتعديل الأخير هو الثالث الذي يدخله الشاهد على الحكومة منذ عين في 2016. ومع أن حزبه نداء تونس يستأثر فيها بأغلبية الحقائب، فإن خصومه بنداء تونس وعلى رأسهم نجل الرئيس حافظ قايد السبسي دعوا وزراء حزبهم للانسحاب فورا من الحكومة أو الاستقالة من الحزب.

ويعارض نداء تونس التعديل بدعوى أنه "انقلاب" على نتائج الانتخابات التي فاز فيها عام 2014. وآنذاك عيّن الحزب الحبيب الصيد رئيسا للحكومة، قبل أن يقال ثم يعوض بيوسف الشاهد الذي حاول السبسي قبل أشهر إقالته، لكن حركة النهضة تمسكت ببقائه دعما للاستقرار.

ويرى النائب عن نداء تونس منجي الحرباوي أن الحكومة الحالية هي "حكومة حركة النهضة المنقلبة على الشرعية الانتخابية وعلى سياسة التوافق مع حزب نداء تونس"، مشيرا إلى أن حزبه دعا نوابه بالبرلمان إلى عدم منح الثقة للحكومة كما دعا وزراءه للانسحاب منها فورا.

ويقول الحرباوي للجزيرة نت إن "هذه الحكومة فاقدة للشرعية القانونية والسياسية والأخلاقية"، مضيفا أنه "تم الانقلاب على الدستور الذي ينص على أن يُعيّن الحزب الفائز بالانتخابات شخصية لتشكيل الحكومة، وهذا الشرط لم يحصل بل وقع الانقلاب عليه من قبل الشاهد وحركة النهضة".

‪حركة نداء تونس طالبت وزراءها في الحكومة بالانسحاب منها فورا‬ (مواقع التواصل الاجتماعي)
‪حركة نداء تونس طالبت وزراءها في الحكومة بالانسحاب منها فورا‬ (مواقع التواصل الاجتماعي)

أزمة خطيرة
ويرى النائب عن حزب التيار الديمقراطي المعارض غازي الشواشي أن التعديل الأخير سيقود البلاد إلى "أزمة خطيرة لم تشهدها من قبل، خاصة مع بلوغ الأزمة السياسية بين رأسي السلطة التنفيذية أي رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة ذروتها بما يجعل الصراع مفتوحا".

ويقول للجزيرة نت إن رئيس الحكومة أجج هذا الصراع بعد فرضه سياسة الأمر الواقع على رئيس الجمهورية وقيامه بتعديل وزاري لم يستشره فيه، موضحا أنه كان من الأجدر توسيع نطاق التشاور في هذا الوضع السياسي الهش ولو كان الدستور يتيح للشاهد صلاحية التعديل.

ويعتبر الشواشي أن الخلاف الذي يدور حول التعديل في ظاهره دستوري لكنه في عمقه سياسي بالأساس. ورغم اقتناعه بأن الرئيس التونسي الباجي قايد السبسي لا يملك وسائل دستورية أو قانونية لرفض التعديل فإنه "سيستخدم كل الوسائل من أجل رد الفعل والانتقام من الشاهد".

وعن رأي حركة النهضة بشأن تصريحات السبسي الأخيرة باستعداده لتنظيم جلسة أداء اليمين للوزراء الجدد أمامه إذا صادق البرلمان على التعديل، يقول النائب أسامة الصغير للجزيرة نت إن حزبه يثمن تصريحات الرئيس بشأن احترامه لإرادة البرلمان وتطبيق مقتضيات الدستور.

‪الشواشي: الخلاف الذي يدور حول التعديل الوزاري في ظاهره دستوري لكنه في عمقه سياسي‬ (الجزيرة)
‪الشواشي: الخلاف الذي يدور حول التعديل الوزاري في ظاهره دستوري لكنه في عمقه سياسي‬ (الجزيرة)

احترام الدستور
ويقول الصغير "لا أحد يشك أن هناك أزمة سياسية بالبلاد بين رأسي السلطة التنفيذية، لكن المهم هو أن هذا الخلاف يدار بإطار احترام الدستور". وأوضح بنفس الوقت أن رئيس الحكومة لم يخرق الدستور عند قيامه بالتعديل، مؤكدا أن هناك من يريد أن ينفخ متعمدا بالأزمة لتوتير الأوضاع.

وحول مصير علاقة حزبه بالرئيس التونسي بعد إعلان الأخير إنهاء التوافق بينهما، قال الصغير للجزيرة نت إن حزبه التقى بالرئيس التونسي وعبر له مرارا عن تمسكه بسياسة التوافق معه باعتباره يمثل أحد الضمانات الهامة لنجاح المسار الانتقالي بالبلاد، على حد تعبيره. 

واستبعد الصغير أن يُضاعف التعديل الوزاري إرباك مؤسسات الدولة، مؤكدا أن عنوان الأزمة الحقيقية في تونس هو تفكك نداء تونس وتراجع مقاعده بالبرلمان من 86 إلى 51 مقعدا.

أما على مستوى الحزام السياسي للحكومة فقال إنها ستعمل باستقرار بفضل الأغلبية بالبرلمان.

‪‬ الصغير: عنوان الأزمة الحقيقية في تونس هو تفكك نداء تونس وتراجع مقاعده(الجزيرة)
‪‬ الصغير: عنوان الأزمة الحقيقية في تونس هو تفكك نداء تونس وتراجع مقاعده(الجزيرة)

دور معطل
ويقول الخبير القانوني عبد المجيد العبدلي إن السبسي لا يملك بهذا الوضع صلاحيات دستورية تخول له رفض التعديل أو حتى الدعوة لانتخابات مبكرة، التي تتم إذا قدم استقالته "وهو أمر مستحيل" أو عند فشل الحكومة التي اختار رئيسها بنيل الثقة من البرلمان لمرتين متتاليتين.

ويضيف في الوضع الراهن ليس لدى السبسي سوى الامتناع عن إصدار الأمر المتعلق بجلسة أداء اليمين من قبل الوزراء الجدد بعد نيل الثقة بالبرلمان بحسب الفصل 89 من الدستور. ويصرح للجزيرة نت "رئيس الجمهورية قد يكون له دور معطل للتعديل الوزاري".

ويرى العبدلي أنه لا يوجد خرق دستوري بإجراء التعديل الوزاري، مؤكدا أن الأزمة الحالية هي أزمة سياسية بامتياز "سيكون الخاسر الأكبر فيها الشعب التونسي بسبب تدهور الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية وتراجع قيمة الدينار وتفاقم العجز التجاري والمديونية وتفشي الأمراض".

ووصف الأزمة السياسية بأنها "مهزلة"، منتقدا إعادة تعيين وزراء من عهد الرئيس المخلوع زين العابدين بن علي في الحكومة الحالية.

يُذكر أنه تم تعيين بعض الوجوه القديمة، في مقدمتها كمال مرجان آخر وزير خارجية في عهد بن علي وقبيل سقوط النظام السابق في يناير/كانون الثاني 2011.

المصدر : الجزيرة