مصير غامض لحكومة الشاهد في مشهد تونسي متقلب

: حكومة الشاهد تواجه ضغوطا متزايدة لدفعها نحو الاستقالة/مقر الحكومة بالقصبة/العاصمة تونس/أكتوبر/تشرين الأول/ 2018
حكومة الشاهد تتعرض لضغوط متزايدة لدفعها نحو الاستقالة (الجزيرة)

خميس بن بريك-تونس

تواجه الحكومة التونسية بقيادة يوسف الشاهد مصيرا غامضا بسبب التغييرات الطارئة على المشهد الحزبي، خاصة بعد إعلان اندماج حزب الاتحاد الوطني الحر في حركة نداء تونس، وهو ما يمنح الحركة حظوظا أكبر لسحب الثقة  من الشاهد داخل البرلمان، حسب مراقبين.

وانعقد المجلس الوطني لحزب الاتحاد الوطني الحر بصفة استثنائية قبل نحو أسبوع، ثم أصدر الحزب بيانا يعلن فيه انطلاق عملية الاندماج مع نداء تونس، وتفويض رئيس الحزب سليم الرياحي باتخاذ التدابير القانونية لاستكمال الاندماج؛ مما أثار تساؤلات حول المصلحة التي سيحققها الحزب من هذا القرار.

وقال النائب عن حزب الاتحاد الوطني الحر طارق الفتيتي للجزيرة نت إن عشرة نواب من حزبه قدموا الثلاثاء استقالتهم من كتلة "الائتلاف الوطني" في البرلمان استعدادا للالتحاق بكتلة نداء تونس.

ويرى الفتيتي أن كتلة الائتلاف الوطني "حادت عن الطريق" بعد تكوينها تنسيقيات جهوية باسم الكتلة لمساندة يوسف الشاهد في الترشح للانتخابات الرئاسية القادمة. ومن المتوقع أن تصعد كتلة نداء تونس إلى المركز الثاني بعد حركة النهضة، القوة الأولى بالبرلمان (68 مقعدا من جملة 217).

عودة النداء
ويمثل نداء تونس الآن 39 نائبا، بعدما استقال منه 47 نائبا التحق بعضهم بكتلة حركة مشروع تونس، وأسس آخرون كتلة الائتلاف الوطني مع نواب آخرين، وهي الثانية بالبرلمان (51 مقعدا) في الوقت الراهن، وتدعم مع حركة النهضة حكومة الشاهد.

لكن مع توجه نحو 14 نائبا من حزب الاتحاد الوطني الحر للاستقالة من كتلة الائتلاف الوطني والاندماج بكتلة نداء تونس؛ من المنتظر أن تقفز الأخيرة للمركز الثاني بأكثر من 51 مقعدا، مقابل نزول عدد نواب كتلة الائتلاف الوطني الداعمة للشاهد إلى نحو 37 نائبا.

رئيس حزب الاتحاد الوطني الحر سليم الرياحي (الجزيرة)
رئيس حزب الاتحاد الوطني الحر سليم الرياحي (الجزيرة)

ويبدو أن رئيس حزب الاتحاد الوطني الحر سليم الرياحي قد حسم أمره بترجيح كفة الرئيس التونسي الباجي قايد السبسي وحزبه نداء تونس المتفكك جراء الاستقالات الأخيرة لنوابه بالبرلمان بسبب رفضهم توجه قيادة الحزب لسحب البساط من تحت أقدام يوسف الشاهد ابن حزبهم، إضافة إلى رفضهم طريقة إدارة نجل الرئيس التونسي للحزب.

وكغيره من نواب الاتحاد الوطني الحر رحّب النائب طارق الفتيتي بالانضمام لحركة نداء تونس وضم صوته معها لإقالة الحكومة وإجراء تغيير وزاري شامل قبل عام واحد من موعد الانتخابات التشريعية والرئاسية القادمة. وكان الاتحاد الوطني الحر دعم السبسي في الدورة الثانية بالانتخابات الرئاسية التي جرت عام 2014.

وقد تعيد هذه التطورات خلط الأوراق من جديد في المشهد السياسي المتحول والمعقد بتونس؛ فبعد خسارته المركز الثاني عقب حركة النهضة المتماسكة هيكليا، يبدو من الواضح أن حزب نداء تونس -المنهك من صراعاته الداخلية في ظل قيادة حافظ قايد السبسي نجل رئيس الدولة- سيستعيد مركزه بالبرلمان، ويزيد ضغطه لدفع رئيس الحكومة للاستقالة.

وإذا تحقق ذلك، فإن حكومة الشاهد ستكون قاب قوسين أو أدنى من السقوط، حتى إذا ظلت تحظى بمساندة حركة النهضة (أول قوة برلمانية)، لأن الرئيس الباجي قايد السبسي المتخاصم مع حركة النهضة -لرفضها وقف دعمها للشاهد- ستكون لديه كتلة معطلة لتجديد منح الثقة لرئيس الحكومة.

الفصل 99
وينص الفصل 99 من الدستور التونسي على إمكانية أن يطلب رئيس الدولة من البرلمان التصويت على منح الثقة في مواصلة الحكومة نشاطها مرتين على الأكثر خلال كامل المدة الرئاسية (خمس سنوات). وإذا لم يتم التصويت بالأغلبية المطلقة للنواب (109 أصوات) لفائدة الحكومة، فإنها تعتبر مستقيلة، وعندئذ يكلف رئيس الدولة شخصية أخرى لتشكيل حكومة.

ولا يستبعد أستاذ القانون الدستوري جوهر بن مبارك فرضية لجوء الرئيس التونسي لتفعيل الفصل 99، خاصة أن حكومة الشاهد لم تعد تتمتع بأغلبية مطلقة الآن بعد استقالة نواب الاتحاد الوطني الحر من كتلته الداعمة وانصهارها مع نداء تونس، وذلك رغم أن الرئيس أكد في حوار تلفزيوني مؤخرا أنه لن يلجأ إلى هذا الفصل في الوقت الحالي.

التغييرات داخل البرلمان التونسي تثير تساؤلات حول مستقبل حكومة الشاهد (الجزيرة)
التغييرات داخل البرلمان التونسي تثير تساؤلات حول مستقبل حكومة الشاهد (الجزيرة)

لكن ربما تكون تصريحات الرئيس مجرد تطمينات في انتظار اللحظة الحاسمة التي يبدو أنها صارت ممكنة من الناحية المؤسساتية والدستورية، لكنها تبقى في نهاية المطاف مغامرة بالنسبة للسبسي؛ لأنه مطالب دستوريا بعد إقالة الشاهد بتعيين شخصية أخرى لتشكيل حكومة جديدة لا يضمن لها الأغلبية المطلقة.

ويقول جوهر بن مبارك للجزيرة نت إن حكومة الشاهد لن تستطيع الصمود طويلا في معركة لي الذراع مع الرئيس التونسي الذي قد يستعمل نفوذ كتلة نداء تونس بالبرلمان لعرقلة تمرير مشروع قانوني المالية والموازنة لسنة 2019 بقصد تكثيف الضغط على الشاهد لدفعه للاستقالة دون تفعيل الفصل 99.

تشتت الخصوم
لكن المحلل عبد الجليل بوقرة لا يتوقع أن يفرز اندماج الوطني الحر مع نداء تونس أي تغيير، قائلا للجزيرة نت إن حكومة الشاهد ستصمد أمام الضغوط لأن خصومها غير قادرين على تكوين أغلبية لسحب الثقة منها؛ نظرا لاستمرار دعم حركة النهضة لها، وعدم قدرة خصوم الشاهد على اختيار شخصية توافقية بديلة تترأس حكومة جديدة.

ومن وجهة نظره، فإن توجه الرئيس التونسي لتفعيل الفصل 99 من الدستور قد يفضي إلى استقالته، لأنه في حال تجديد الثقة في الحكومة مرتين يعتبر الرئيس مستقيلا. غير أنه لم يستبعد إمكانية الحديث عن تغيير وزاري شامل عقب مصادقة البرلمان على مشروع قانوني المالية والموازنة قبل نهاية العام الجاري.

أما بشأن ما يحصل من تقلبات في المشهد السياسي، وبروز تحالفات وانهيار أخرى، يقول بوقرة إن عدم استقرار المشهد السياسي، وهشاشة نظام الحكم في تونس أمر طبيعي ومتوقع بسبب طبيعة الدستور وقانون الانتخابات الذي يشجع على السياحة الحزبية، والانتقال من حزب لآخر؛ طمعا في كسب الغنائم والمناصب والحقائب الوزارية، وفق تعبيره.

المصدر : الجزيرة