الانتخابات المغربية.. احتدام بالمدن وفتور بالأرياف

عملية تصويت في انتخابات سابقة - المغرب
يتنافس في الانتخابات الحالية 29 حزبا للفوز بأكثر من 31 ألف مقعد (الجزيرة-أرشيف)

الحسن أبو يحيى-الرباط

دخلت حملة الانتخابات البلدية والجهوية بالمغرب مرحلة العدّ العكسي ولم يبق على نهايتها سوى يومين. وبينما يرى مراقبون في هذه الانتخابات موضوعا حيويا له تداعيات على الحياة الديمقراطية للبلاد، يرى آخرون أن الحديث فيها يجري عن الأشخاص بدل البرامج، إلى جانب هيمنة العنف اللفظي الذي يعمّق من حالة العزوف، ويزيد الفجوة اتساعا بين خطاب الدولة والأحزاب وبين الحياة اليومية في المجتمع.

وفي حديث للجزيرة نت قال أستاذ التواصل السياسي بجامعة محمد الخامس بالرباط ميلود بلقاضي إن الحملة الانتخابية التي انطلقت يوم 22 أغسطس/آب الماضي لم تكن شرسة من حيث النقاش الموضوعي للبرامج الانتخابية، بل تميّزت بنوع من الفتور وهيمن على خطابها التواصلي الجانب الشخصي في غياب للمقارعة بين البرامج والأفكار وتقييم السياسات، "وهذا يتعارض في العمق مع الدستور ومع قانون الأحزاب الذي ينص على البعد المؤسسي في تدبير الأحزاب وليس على الشخصي".
 
وخلُص بلقاضي إلى أن الحملة الانتخابية فاقدة للجاذبية، ولم توظف فيها آليات التواصل المؤسساتي والمقنع والمؤثر الذي يمكن أن يجلب الناخبين.
 
وفي السياق ذاته قال المحلل السياسي محمد بودن للجزيرة نت إن الحملة تحتدم أكثر عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وتتباين من حيث درجة الحماس بين الأرياف التي تكون فاترة فيها، وبين المدن "لكن هذا الحماس يزداد كلما تقلصت فترة العد العكسي ليوم الاقتراع".
 
ولاحظ بودن أن الخطاب الانتخابي لأغلب المرشحين لا يخلو من "شعبوية"، وأن عددا منهم اختار التوجّه للناخبين بالأحياء الشعبية التي تعتبر خزّانا انتخابيا بخطاب مباشر.

ميلود بلقاضي: الحملة الانتخابية غير جذابة (الجزيرة)
ميلود بلقاضي: الحملة الانتخابية غير جذابة (الجزيرة)

فجوة وملل
من جانبه أكّد الباحث في علم الاجتماع رشيد الجرموني للجزيرة نت على حالة عدم التجاوب، وقال إن المواطنين يتعاملون مع الحملات الانتخابية ببرودة وكأنهم ملّوا من الأشكال التقليدية لها.
 
وإذا كان تزامن الانتخابات مع العطلة وبداية العودة إلى المدراس من الأسباب الموضوعية لعدم التجاوب، فإن أسبابا أخرى تفسر ذلك، يحدّدها الجرموني في ضعف الثقة وهشاشتها بين الأحزاب والمواطنين، وتصدّر أشخاص للوائح الانتخابية لا يتوفرون على الشروط المطلوبة من كفاءة مهنية ومستوى فكري وحضور اجتماعي.
 
ورغم أن الانتخابات -يضيف الجرموني- موضوع حيوي وحاسم وله تداعيات على الحياة الديمقراطية بالمغرب، فإن ما يقع أحيانا يمكن وصفه بالمهزلة، ويدلّ على فجوة كبيرة في المغرب بين الخطاب الرسمي والسياسي وبين الواقع الاجتماعي اليومي، وقدّم مثالا على ذلك بأنه "عندما كان أحد المرشّحين للانتخابات بنواحي العاصمة الرباط يوزّع أوراق الدعاية، سأله أحد المواطنين عن مقر البلدية فأجابه المرشّح بأنه لا يعرف مكانها بالتحديد!".

أكد الباحث في علم الاجتماع رشيد الجرموني للجزيرة نت على حالة عدم التجاوب، وقال إن المواطنين يتعاملون مع الحملات الانتخابية ببرودة وكأنهم ملّوا من الأشكال التقليدية لها

مال وعنف
وإذا كانت حالات العنف التي تتحدث عنها التقارير الإعلامية محدودة ومرتبطة بتوترات محلية لا علاقة لها في الغالب بتوجهات عامة للأحزاب، فإن إجماعا يحصل على أن ظاهرة العنف اللفظي اكتسحت المشهد السياسي دون ضابط أخلاقي.

ويرى الجرموني أن الخطاب الرائج أثناء الحملات الانتخابية مشحون وعنيف، وتساهم وسائل الإعلام في تسويقه.

وعن ظاهرة استعمال المال في الانتخابات، أكد بلقاضي أنها لا ترتبط فقط بشراء الأصوات يوم الاقتراع، وإنما تسبق ذلك في مرحلة الترشح، حيث يتم صرف تعويضات لفائدة المرشحين المرتبين في آخر اللوائح لأن حظوظهم في الفوز منعدمة.

وفي هذا السياق يقول بلقاضي إن على الدولة "أن تعيد هيبتها وتحارب مستعملي المال في الانتخابات، لأن من بين أبرز أسباب عزوف المواطنين عن التصويت عودة الوجوه نفسها والكائنات الانتخابية نفسها، ورهان الأحزاب على الأعيان وأصحاب المال".
 
ويشارك في هذه الانتخابات الأولى من نوعها في ظل الدستور الجديد حوالي 29 حزبا سياسيا بما مجموعه 130 ألفا و925 مرشحا يتبارَون للفوز بـ31 ألفا و503 مقاعد.

المصدر : الجزيرة