إعدام متهمي "عرب شركس".. لعنة الدم

دعاء عبد اللطيف-القاهرة

الخامسة صباحاً، الممر هادئ، والإضاءة الخفيفة التي تنبعث من مصابيح قليلة يتراكم عليها ناموس وأتربة تزيد من ضبابية المشهد، لا أحد مستيقظ سوى الشباب الستة والحراس وموظف وزارة الأوقاف، ومن سيتولى تنفيذ الإعدام بحقهم بعد إدانتهم في قضية "عرب شركس".

وتباعا استيقظ سجناء سجن الاستئناف في القاهرة مع وقع الأقدام المتجهة ناحية غرفة الإعدام والتكبيرات التي علت من المحكوم عليهم.

ووفق رواية بعض نزلاء سجن الاستئناف لأسرة عبد الرحمن سيد (19 عاما) -أحد المعدومين- ردد الشباب التكبيرات والأناشيد قبل الإعدام.

وكانت المحكمة العسكرية قضت في أغسطس/آب الماضي بإحالة أوراق سبعة أشخاص -أحدهم هارب- إلى المفتي بتهم استهداف حافلة جنود في منطقة الأميرية ونقطة شرطة مسطرد، وقتل ضابطين بمنطقة عرب شركس في محافظة القليوبية.

ووافق المفتي يوم 21 أكتوبر/تشرين الأول الماضي على إعدام المتهمين الذين تتراوح أعمارهم بين 19 و32 عاما، وهم محمد بكري محمد هارون، وهاني مصطفى أمين عامر، ومحمد علي عفيفي، وعبد الرحمن سيد رزق، وخالد فرج محمد، وإسلام سيد أحمد إبراهيم.

وأكد مصدر أمني نقل المتهمين من سجن العقرب إلى سجن الاستئناف قبل ساعات من تنفيذ حكم الإعدام صباح أمس الأحد.

وأوضح المصدر في تصريحات صحفية أن المتهمين فور وصولهم الممر المؤدي إلى غرفة الإعدام، هتفوا "الله أكبر" ورفضوا ترديد عبارات التوبة، وأنكروا التُهم الموجهة إليهم.

‪بعض الأهالي استقبلوا جثامين أبنائهم بالزغاريد‬ (الجزيرة نت)
‪بعض الأهالي استقبلوا جثامين أبنائهم بالزغاريد‬ (الجزيرة نت)

ثبات
والدة عبد الرحمن سيد أطلقت الزغاريد أمام جثة ابنها طالب الثانوية العامة، "وجهه عند تغسيله كان كالبدر، لقد رحمه الله من التعذيب في السجن، ونحتسبه شهيدا، فلماذا لا أزغرد؟"، هكذا بدا فعلها غيرَ منطقي وتبريره منطقيا.

وأضافت للجزيرة نت أنها زارت نجلها الخميس الماضي في سجن العقرب، وحدثها عن شعوره باقتراب ميعاد تنفيذ الحكم، موضحة أن ابنها كان حافظا للقرآن وبارا بوالديه.

وأشارت الأم إلى إلقاء قوات الأمن القبض على نجلها قبل اقتحام الشرطة مخزن عرب شركس، مما ينفي تورطه في الحادث.

ورغم حظر قانون الطفل تنفيذ الإعدام بحق الأطفال حتى سن الثامنة عشرة، فقد نفذ بحق عبد الرحمن الذي ألقي القبض عليه وهو في هذه السن، وفق الأوراق الرسمية.

ولفتت والدة عبد الرحمن إلى عدم إخبار مصلحة السجون أسر المعدومين بتنفيذ الحكم، وأنها علمت من وسائل الإعلام.. "لعنة الدم ستصيب كل من شارك في قتل ابني"، بتلك الجملة اختتمت حديثها.

‪أهالي المعدومين تسلموا ملابسهم ممتلئة بالدماء مما أثار حيرتهم‬ (الجزيرة نت)
‪أهالي المعدومين تسلموا ملابسهم ممتلئة بالدماء مما أثار حيرتهم‬ (الجزيرة نت)

لغز الدماء
في أوائل أكتوبر/تشرين الأول الماضي زارت سلمى زوجها محمد عفيفي في سجن العقرب، ولم تكن تتوقع أن زيارتها التالية له ستكون وهو ممدد في مشرحة "زينهم".

وقالت للجزيرة نت إن ملابس زوجها التي استلمتها من المشرحة كانت ممتلئة بدمه، موضحة أن حكم الإعدام نص على القتل بالشنق، لذا فلا تفسير لسبب النزيف.

وكان عفيفي محبوسا بسجن العقرب في زنزانة انفرادية كحال زملائه في نفس القضية، "لقد تعرض لتعذيب شديد، ولم ير الشمس منذ أغسطس/آب الماضي، وطعامه اليومي كان عبارة عن ملعقة أرز ومكعب حلوى طحينية" وفق تأكيد زوجته.

وبكلمات ثابتة اختتمت حديثها قائلة "لا أقبل عزاء في زوجي فهو شهيد، وكنت أتمنى أن يدفن بملابسه دون كفن".

‪غنيم: المحكمة تجاهلت أقوال الشهود والمحامين باعتقال المتهمين قبل الجريمة‬ (الجزيرة نت)
‪غنيم: المحكمة تجاهلت أقوال الشهود والمحامين باعتقال المتهمين قبل الجريمة‬ (الجزيرة نت)

جرم السلطة
مدير تنسيقية الحقوق والحريات عزت غنيم قال إن قضية عرب شركس "توضح مدى جرم السلطات المصرية".

وأوضح غنيم للجزيرة نت أن هيئة المحكمة تجاهلت أقوال الشهود وأوراق المحامين التي تؤكد أن ثلاثة من المتهمين اعتقلوا قبل وقوع الجرائم المنسوبة إليهم بمدد تتراوح بين ثلاثة أيام وأربعة أشهر.

واعتبر أن تنفيذ الإعدام رسالة لكل المنظمات الحقوقية مفادها أن السلطة فوق القانون، متوقعا تنفيذ مزيد من الإعدامات خلال الفترة المقبلة.

والإعدام في مصر يتم بأكثر من طريقة غير الأحكام النافذة، فالإهمال الطبي في السجون الذي يودي بحياة المعتقلين يعد إعداما، وكذلك قتل المتظاهرين في الشوارع يعتبر حكما سريعا بالإعدام، وفق قول غنيم.

المصدر : الجزيرة