المحاكم العسكرية في مصر

سمعة القضاء المصري في الآونة الأخيرة
الأحكام المشددة الصادرة عن القضاء الطبيعي لم تكف السيسي فوسع نطاق المحاكم العسكرية (الجزيرة-أرشيف)

كان رفض محاكمة المدنيين أمام المحاكم العسكرية أحد المطالب الثورية التي نادى بها المتظاهرون المصريون إبان ثورة 25 يناير/كانون الثاني 2011، لأن محاكمة المدنيين أمام المحاكم العسكرية تعني حرمان المتهمين من حقوقهم القانونية والقضائية.

وتؤكد تجربة المدنيين والسياسيين المصريين الذين أحيلوا إلى هذا النوع من المحاكمات أنها تحفل بالمآسي والانتهاكات؛ فقد استخدمت المحاكم العسكرية ضد المدنيين في مصر أول مرة عام 1954 في قضية محاولة اغتيال رئيس الجمهورية في مصر آنذاك جمال عبد الناصر، والتي اتهم فيها أفراد من تنظيم الإخوان المسلمين.

ومنذ ذلك الحين، تعرّض العشرات من المدنيين المصريين من الإخوان المسلمين ومن الشيوعيين واليسار المصري للمحاكمات العسكرية في فترات متفرقة تحت حكم كل من جمال عبد الناصر، وأنور السادات وحسني مبارك.

تجاهل
لكن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي تجاهل ذلك كله، ولم يعبأ بالانتقادات الحقوقية الدولية لأحكام الإعدام بالجملة والسجن المشدد الصادرة عن القضاء المصري الطبيعي، ولأن السيسي وحده يمتلك صلاحية التشريع في ظل عدم وجود برلمان، فقد أصدر في 27 أكتوبر/تشرين الثاني 2014 مرسوما بقانون يوسع اختصاص القضاء العسكري.

ويشمل مرسوم القانون جرائم التعدي على طيف واسع من المنشآت بما فيها "محطات وشبكات وأبراج الكهرباء وخطوط الغاز وحقول البترول وخطوط السكك الحديدية وشبكات الطرق والكباري، وغيرها من المنشآت والمرافق والممتلكات العامة وما يدخل في حكمها".

التوقيت
وجاء توقيت إصدار القانون بعد يومين من هجوم على كمين عسكري بالقرب من مدينة الشيخ زويد (شمال سيناء)، أدى إلى مقتل ٣٣ فردا من القوات المسلحة، ويعد الأكثر دموية منذ قيام الجيش بعزل الرئيس المصري المنتخب ديمقراطيا محمد مرسي في يوليو/تموز 2013.

وثمة إجماع حقوقي على أن هذا القانون يمثل مسماراً جديداً في نعش العدالة في مصر، ويعد توسيعًا لاختصاصات القوات المسلحة، فنصوصه تبدو فضفاضة، وتعني أن المدنيين المشاركين في احتجاجات معارضة للحكومة يواجهون خطر "عسكرة" الملاحقة القانونية والمثول أمام قضاة بأزياء عسكرية يخضعون لأوامر رؤسائهم العسكريين، حيث لا مجال للحقوق التي تمنحها المحاكم المدنية للمتهمين، بما فيها حق المتهم في إخطاره بالتهم الموجهة إليه، والحق في التواصل مع محام والمثول على وجه السرعة أمام قاض في أعقاب الاعتقال.

تكريس العسكرة
وظل قضاة عسكريون يرأسون محاكمات لمدنيين في مصر طوال عقود، رغم جهود النشطاء وبعض السياسيين لإلغاء هذه الممارسة، وأصبحت المحاكمات العسكرية للمدنيين سمة أساسية لعودة السلطات العسكرية إلى واجهة الحكم مرة أخرى، فقد وصلت إلى ذروتها بإحالة أكثر من 12 ألف مدني بتهم جنائية عادية إلى محاكمات عسكرية في الشهور التي أعقبت ثورة 2011، وعادت من جديد بقوة بعد قيام القوات المسلحة بعزل مرسي.

ويوسع القانون الجديد الذي أصدره السيسي اختصاص المحاكم العسكرية إلى حدٍّ بعيد، ويمنحها أوسع سلطان قانوني لها منذ ولدت الجمهورية المصرية الحديثة في 1952.

وقبل مرسوم السيسي، كان الدستور المصري وقانون القضاء العسكري يقصران المحاكمات العسكرية -نظرياً- على القضايا التي تمس مباشرة القوات المسلحة أو ممتلكاتها، رغم أن حالة الطوارئ التي استمرت 31 عاماً في البلاد، والتي انتهت في 2012، كانت تسمح لرئيس الجمهورية بإحالة مدنيين للقضاء العسكري.

حتى الأطفال
ويحمل قانون السيسي شبهاً كبيراً باثنين من المراسيم التي أصدرها وزير العدل عادل عبد الحميد والمجلس العسكري في يونيو/حزيران 2012، خلال فترة حكم الأخير قبل انتخاب مرسي مباشرة، وفور انتهاء حالة الطوارئ التي سادت البلاد وقتا طويلا.

وكان مرسوم عبد الحميد يخول ضباط الشرطة والمخابرات العسكرية صلاحية الضبطية القضائية لاعتقال مدنيين، بينما عمل مرسوم المجلس العسكري على تخويل الرئيس سلطة استدعاء الجيش "للمشاركة في مهام حفظ الأمن وحماية المؤسسات العامة".

وحسب إحصائية لوكالة أنباء الأناضول، فإن عدد المعارضين الذين أحيلوا إلى المحاكم العسكرية بعد أربعة أشهر من صدور قانون السيسي الجديد بلغ 2729 شخصا في مختلف محافظات مصر، أغلبيهم من أعضاء جماعة الإخوان المسلمين، حيث أصبح الانتماء إليها تهمة توجب الإحالة إلى هذا النوع من المحاكم، ومن بينهم أطفال، وطلبة جامعيون، وسيدات من مختلف الأعمار، وصحفيون.

ويبدو أن الجيش المصري عازم على التوسع في تفسير القانون الجديد، حيث أعلن رئيس هيئة القضاء العسكري اللواء مدحت غزي أن الاختصاص العسكري "يمتد إلى أي مبنى أو عقار يقدم "خدمة عامة أو مملوك للدولة، وإذا كانت هناك منشأة عامة أو حيوية يتم الاعتداء عليها، فمن المعتدي؟ لا يهم إن كان امرأة أو رجلاً أو معلماً أو طالباً أو مراهقاً أو طفلاً، فالقانون قاعدة عامة ومجردة".

المصدر : الجزيرة + مواقع إلكترونية + وكالات