أزمة سوريا.. التدويل مستمر وسوخوي عنوانه الجديد

تركيا وروسيا.. تصريحات متبادلة بعد إسقاط سوخوي
إسقاط الطيران التركي طائرة سوخوي الروسية على الحدود مع سوريا أدخل الأزمة السورية في منعطف دولي جديد (الجزيرة)

المحفوظ فضيلي

عندما خط مجموعة من التلاميذ السوريين على جدران مدرسة في مدينة درعا جنوب البلاد عبارات مناهضة لنظام الرئيس بشار الأسد لم يدر في خلدهم أنهم كانوا بصدد إطلاق الشرارة الأولى لربيع بلادهم الذي سيتحول لاحقا إلى أزمة داخلية سرعان ما ستتداعى لها أطراف الجوار قبل أن تصبح شأنا دوليا تتصارع فيها الإرادات والمصالح والتحالفات.

فبعد أن تحول ذلك الحلم المشروع في درعا إلى مطالب واسعة بالكرامة والحرية والديمقراطية لم ير النظام السوري في تلك التطورات سوى بوادر مؤامرة على كيانه وعلى دوره الإقليمي في ما يعرف بمحور الممانعة والمقاومة فلم يجد بدا من انتهاج أسلوب القوة لإخماد ذلك الحراك الذي لم يكن سوى صدى لما يعرف بالربيع العربي الذي لاح في تونس وليبيا ومصر واليمن.

وأمام اتساع رقعة العنف وانطلاق مسلسل النزوح واللجوء بدأت الأزمة السورية تصبغ بألوان الطائفة والأيديولوجيا والمصالح والتحالفات وتحولت سوريا إلى ساحة تتدخل فيها أطراف إقليمية كثيرة بشكل مباشر أو غير مباشر سواء بتوفير الدعم المادي أو السياسي لهذا الطرف أو ذاك قبل أن يتحول الموضوع إلى ملف دولي شائك.

بموازاة القتال على الأرض بأيد وأدوات داخلية وخارجية دخلت الأزمة في متاهات الدبلوماسية الدولية من خلال تحركات أممية كثيرة ومؤتمرات إقليمية بعناوين متباينة قبل أن يتكثف ذلك المسار في ما باتتا تعرفان بمبادرتي جنيف1 وجنيف2 وأن تصبح العاصمة النمساوية فيينا خلال الشهرين الأخيرين الماضيين قبلة الأطراف الدولية المعنية بالأزمة والساعية لتسويتها في هذا الاتجاه أو ذاك.

فرنسا حركت حاملة الطائرات شارل ديغول إلى شرق المتوسط لقصف تنظيم الدولة بالأراضي السورية(الأوروبية)
فرنسا حركت حاملة الطائرات شارل ديغول إلى شرق المتوسط لقصف تنظيم الدولة بالأراضي السورية(الأوروبية)

تحالف ضد تنظيم الدولة
ومن صلب الأزمتين السورية والعراقية وارتداداتهما الداخلية والخارجية برز بشكل لافت تنظيم الدولة الإسلامية وبسط سلطانه على أراض واسعة في سوريا وبلاد الرافدين، وسعى للتمدد في كل الاتجاهات وجلب الانتباه بكل الأساليب بما فيها إحراق الرهائن والمخطوفين وعرض ذلك في مشاهد متقنة الإخراج والتنفيذ.

وظل العالم يتفرج على ذلك المسلسل شهورا طويلة قبل أن يتشكل تحالف دولي واسع اختار التركيز على الضربات الجوية لشل قدرات تنظيم الدولة الذي لم يزدد مع الزمن إلا شراسة وإصرارا على نقل المواجهات إلى ساحات أبعد من بيروت وسيناء والضرب في عمق باريس.

لكن مسار تدويل الأزمة السورية دخل منعطفا حادا عندما أسقط سلاح الجو التركي الثلاثاء الماضي طائرة سوخوي روسية انتهكت الأجواء التركية في إطار مهامها القتالية بالأراضي السورية المجاورة.

وتمثل تلك الحادثة تطورا لافتا إذ إنها تعتبر أول مقاتلة روسية يسقطها بلد عضو في حلف شمال الأطلسي (ناتو) خلال 63 عاما الماضية، وقد كانت آخر مرة يسقط فيها ناتو طائرة روسية عام 1952 خلال الحرب الكورية. 

روسيا تعزز تدخلها في سوريا بنشر منظومة صواريخ إس 400 في مطار حميميم(ناشطون)
روسيا تعزز تدخلها في سوريا بنشر منظومة صواريخ إس 400 في مطار حميميم(ناشطون)

تداعيات الطائرة
وفيما لا تزال تداعيات تلك الحادثة متفاعلة على أكثر من صعيد، خاصة على الجبهة العسكرية بنشر روسيا منظومة صواريخ متقدمة في اللاذقية (شمال سوريا) تلوح في الأفق ملامح فصل جديد من فصول تدويل الأزمة مع اقتراب إقامة "منطقة آمنة" في شمال سوريا بدعم من تركيا وفرنسا وبإشراك أطراف من المعارضة السورية المسلحة.

ولا يبدو أن تلك المنطقة -التي طالما دعت لها تركيا- سترى النور بسهولة في ظل الرفض القاطع من روسيا التي دخلت المستنقع السوري بطائرات وصواريخها تحت مبرر الحرب على ما يسمى "الإرهاب"، لكن الكثيرين يرون في ذلك التدخل دعما واضحا للنظام السوري وتماهيا مكشوفا مع أطروحته التي ما فتئ يرددها في كل المحافل والمناسبات وبكل النبرات وهي أنه ضحية "للإرهاب".

وفي مقابل التورط الروسي في سوريا لا تزال الولايات المتحدة منذ اندلاع الأزمة تراوح بين خيارات كثيرة عنوانها الرئيسي التردد وعدم الحسم بين المسلكين العسكري والدبلوماسي، في وقت أصبحت فرنسا الآن أكثر الأصوات المسموعة في الموضوع وحركت حاملة طائراتها المتطورة "ديغول" إلى شرق المتوسط لقصف تنظيم الدولة في عمق سوريا بعد أن ضربها قلب "مدينة الأنوار".

المصدر : الجزيرة