هل دفعت شارلي إيبدو ثمن خطها التحريري "المستفز"؟

French satirical weekly Charlie Hebdo's publisher, known only as Charb, presents his new comic strip named 'La Vie de Mahomet' (The life of Mohammed) in Paris on December 27, 2012.
ستيفان شاربونيه، مدير صحيفة شارلي إيبدو الذي قتل في هجوم الأربعاء (غيتي-أرشيف)

عبد الله العالي-باريس

منذ صدور أول عدد من صحيفة شارلي إيبدو الفرنسية قبل 44 سنة حتى أول أمس الأربعاء تاريخ الهجوم الذي أودى بحياة كوكبة من كتابها ورساميها، ظلت الصحيفة تدفع ثمن جرأتها في السخرية من رموز الدين والسياسة داخل فرنسا وخارجها.

كما أن خط الصحيفة التحريري اليساري ساهم في إخفاقها في جذب الإعلانات، مما جعلها تعاني ضنكا في العيش أدى أحيانا إلى اختفائها من الأكشاك لفترات طويلة.

حينما رأت شارلي إيبدو النور في عام 1970 أراد القائمون عليها أن تكون امتداد لصحيفة "هارا كيري" الساخرة التي أقدمت السلطات على حظرها قبل سنة من ذلك الوقت، بعد نشرها مقالا ورسوما ساخرة بشأن وفاة الرئيس الفرنسي السابق شارل ديغول الذي تنظر إليه أغلبية واسعة من الفرنسيين بوصفه بطلا قوميا قاد المقاومة الوطنية للاحتلال النازي في أربعينيات القرن الماضي وخلص البلاد من ورطة حرب الجزائر.

واعتمدت الجريدة على الرسوم الكاريكاتيرية ومارست الصحافة الاستقصائية من حين لآخر، مركزة نقدها على اليمين المتطرف وعلى الظاهرة الدينية انطلاقا من رؤية يسارية جذرية تسخر من كل المعتقدات الدينية. ولم تستطع الصحيفة الصمود في مواجهة نقص القراء ونضوب موارد الإعلانات وقلة الاشتراكات، فاختفت عام 1982 لتعود للظهور بعد عقد كامل في العام 1992.

‪فرنسيون يقفون بساحة في‬ (رويترز)
‪فرنسيون يقفون بساحة في‬ (رويترز)

معارك اليسار الجذري
وكانت شارلي إيبدو ملتزمة في عملها الصحفي بمعارك اليسار الجذري، متسلحة بمواهب رساميها وبتعدد آراء كتابها لإضفاء نكهة جديدة على المشهد الإعلامي الفرنسي.

وبدأت الصحيفة -بدفع من مدير تحريرها فيليب فال- بالابتعاد عن جزء من اليسار المحلي حينما أدانت كل الذين رفضوا التضامن مع الولايات المتحدة بعيد هجمات 11 سبتمبر/أيلول 2001، ثم ما لبثت أن تبنت في بعض كتاباتها أطروحات الصحفية الإيطالية أوريانا فالاتشي المعادية للإسلام.

وفي ذلك السياق، أعادت الصحيفة في 2006 نشر رسوم مسيئة للنبي محمد صلى الله عليه وسلم تضامنا مع صحيفة دانماركية كانت قد أثارت غضبا واسعا لدى المسلمين بعد إقدامها على عرض تلك الرسوم. وقد اعتبر الرئيس الفرنسي آنذاك جاك شيراك أن شارلي إيبدو قامت بـ"استفزازات جلية" للمسلمين، إلا أن رسامي الصحيفة حظوا بعيد ذلك بتكريم من وزارة الثقافة المحلية.

وقد رفعت جمعيات إسلامية دعوى قضائية ضد الصحيفة إلا أن القضاء الفرنسي أحجم عن إدانتها. وفي نوفمبر/تشرين الثاني 2011 أحرق مقر الصحيفة في باريس وتعرض موقعها الإلكتروني للقرصنة بعد ما أعلنت نيتها نشر عدد يتضمن إساءة لنبي الإسلام.

الرسوم المسيئة
ثم تكررت الأحداث في السنة التالية حينما أقدمت الأسبوعية الساخرة على نشر رسومات جديدة للرسول الكريم، ورد قراصنة على ذلك بتعطيل موقع الصحيفة على الإنترنت، وفي يناير/كانون الثاني 2013 نشرت الصحيفة إصدارا يحتوي صورا وصفت بالصادمة عن حياة النبي عليه السلام.

وظل مدير المجلة ستيفان شاربونيه -المعروف اختصارا بـ"شارب"، وهو رسام بالغ من العمر 48 عاما- يدرج هذه الخيارات التحريرية ضمن ممارسة حرية التعبير، وهو الذي كان من بين قتلى هجوم الأربعاء.

وقتل المهاجمان -إضافة إلى مدير المجلة- سبعة من أعضاء هيئة التحرير، أبرزهم جان كابو (76 عاما) الذي يعد أحد رواد الفن الكاريكاتيري بفرنسا، وجورج ولينسكي (80 عاما) الذي كان ينظر إليه بصفته عميدا وأبا روحيا للعديد من الرسامين المحليين.

كما فقدت الأسبوعية رساما آخر عُرف بسخريته اللاذعة هو برنار فيرلاك الملقب بـ"تينيوس" الذي غادر الحياة عن عمر ناهز 75 عاما. وقد أدى الهجوم أيضا إلى مصرع فيليب هونوريه (73 عاما)، وهو أحد أعمدة الصحيفة التي تعتمد مبدأ "الإكثار من الرسوم والاقتصاد في النصوص".

المصدر : الجزيرة