أثر إعدام الرهينة غورديل على العلاقات الجزائرية الفرنسية
ياسين بودهان-الجزائر
أثارت حادثة مقتل الرهينة الفرنسي إيرفي غورديل على يد جماعة "جند الخلافة" الموالية لتنظيم الدولة الإسلامية بالجزائر تساؤلات عدة عن مدى تأثيرها على العلاقات الجزائرية الفرنسية، في مشهد يعيد للأذهان وقع حادثة اغتيال "رهبان تبحيرين" على العلاقة بين البلدين.
كما أثارت هذه الحادثة ردود فعل قوية على المستويين الرسمي والشعبي في الجزائر وفرنسا.
وكانت جماعة "جند الخلافة" قد بثت الأربعاء شريط فيديو لقتل غورديل، الذي اختطف في وقت سابق بمنطقة جبلية بشمالي الجزائر.
وظهرت في الشريط بعد ذلك عملية قطع رأس الرهينة (55 عاما) وهو سائح متخصص في رياضة تسلق الجبال وينحدر من مدينة نيس الفرنسية.
وقد ندد الرئيس فرانسوا هولاند الأربعاء بالحادثة التي وصفها بـ"الجريمة الجبانة والوحشية"، وأكد أن بلاده تعيش محنة عبر اغتيال أحد مواطنيها، لكنه شدد على أن "فرنسا لا ترضخ أبدا للابتزاز".
إدانة واستياء
من جهتها أصدرت الحكومة الجزائرية بيانا بثه التلفزيون الحكومي أدانت من خلاله حادثة الإعدام، ووصفتها بـ"الفعل البغيض والحقير".
ونجمت عن الحادثة حالة استياء شعبي واسع، وأعادت للأذهان أحداث العنف التي شهدتها الجزائر خلال مرحلة التسعينيات، وتحولت شبكات التواصل الاجتماعي إلى منصات للتعبير عن رفض الجزائريين للحادثة.
كما شهدت ولاية تيزي وزو حيث اختطف الرهينة تظاهر العشرات من المواطنين احتجاجا على عملية الإعدام.
وأثارت هذه الردود الرسمية والشعبية نقاشا بشأن مدى تأثير الحادثة على العلاقات الجزائرية الفرنسية قياسا على تجربة سابقة فيما تسمى قضية "رهبان تبحيرين"، وهي الحادثة التي راح ضحيتها سبعة رهبان فرنسيين، تم اغتيالهم من طرف الجماعات الإسلامية المسلحة يوم 27 مارس/آذار 1997 في دير تبحيرين بولاية المدية جنوب العاصمة الجزائر، وهي القضية التي تسببت في أزمة سياسية بين البلدين ولا تزال تداعياتها قائمة.
مستقبل العلاقات
وبشأن إمكانية تأثير إعدام غورديل على مستقبل العلاقات الجزائرية الفرنسية وإمكانية توترها بسبب ذلك، استبعد عضو لجنة الدفاع في البرلمان عن جبهة العدالة والتنمية حسن عريبي حدوث هذا الأمر، لأن العمل في نظره "حدث إجرامي طائش خارج عن إرادة الجميع"، لذلك من المستبعد برأيه أن يثير أزمة سياسية بين الجزائر وباريس.
وإذ يؤكد عريبي أن الجريمة تسيء لسمعة الجزائر خارجيا، فإنه بالمقابل يحمّل المسؤولية الكاملة في إعدام الرهينة لفرنسا لأنها "تسببت في التعجيل بإعدامه، ولم تناور بسبب غبائها وغطرستها الاستعمارية".
في حين أكد رئيس مركز الدراسات والأبحاث حول العالم العربي والمتوسط حسني عبيدي -في تصريحاته للجزيرة نت- أن الحادثة لن يكون لها تأثير على العلاقات بين البلدين على المدى القصير، وعلى العكس يرى أن مقتل الرهينة يعطي للتعاون الأمني -الذي هو أصلا في تصاعد برأيه- بعدا جديدا.
لكن الحادثة من ناحية أخرى ستجبر الجزائر على "مراجعة سياستها الأمنية والعسكرية لملف مكافحة التنظيمات المسلحة"، حسب رأي عبيدي.
تأثيرات متوقعة
من جهته توقع رئيس تحرير قناة الخبر الفضائية والإعلامي المختص في الشأن الأمني عاطف قدادرة أن "تقحم الحادثة العلاقات الجزائرية الفرنسية في مرحلة جديدة من عدم الثقة الموجودة أصلا، والمترتبة تاريخيا عن الماضي الاستعماري، ودبلوماسيا عن ملفات خلافية كثيرة من بينها قضايا أمنية".
كما من المنتظر، حسب تصريحات قدادرة للجزيرة نت، أن تثير الحادثة حساسية لدى "النخب الأمنية المتنفذة"، التي تسيّر الملفات الأمنية في البلاد قياسا لتجارب سابقة تؤشر على أن باريس ستتوجه لفتح تحقيق قضائي تطلب فيه "إنابة قضائية"، أي تنقل قضاة فرنسيين للتحقيق في الجزائر مثل ما حدث في قضية "رهبان تبحيرين".
من جهته يرى الأستاذ المحاضر بقسم العلوم السياسية بجامعة عبد الحميد بن باديس بمستغانم عبد القادر عبد العالي أن هذا الحدث يمثل إحراجا للسلطات الجزائرية ولمؤسساتها الأمنية، بعد مرحلة من الهدوء النسبي في النشاطات الإرهابية منذ عقود من الزمن.
ويضيف في تصريحاته للجزيرة نت أن هذه التطورات تعد فرصة للسلطات الفرنسية لدعم انضمام فرنسا إلى التحالف الدولي لضرب تنظيم الدولة الإسلامية.