جدل بأميركا حول غارات باكستان واليمن
ياسر العرامي-واشنطن
يتصاعد النقاش في الولايات المتحدة الأميركية حول واحدة من أكثر القضايا إثارة للجدل داخل البلد وعلى مستوى العالم. إنها هجمات الطائرات بدون طيار التي تنفذ ما تسمى بعمليات القتل الموجه ضد أعضاء تنظيم القاعدة، وتواجه بانتقادات كبيرة لما تخلفه من ضحايا في صفوف المدنيين.
الجديد هذه المرة أن الجدل يدور داخل أروقة الإدارة الأميركية ذاتها، وطرفاها وكالة المخابرات المركزية (سي آي أي) ووزارة الدفاع (بنتاغون) اللتان تتنازعان إدارة هذه الطائرات وعملياتها باليمن وباكستان على وجه الخصوص.
وكشفت لوس أنجلوس تايمز الأسبوع الماضي عن وجود نقاش متصاعد داخل الإدارة الأميركية والكونغرس حول اقتراح بتسليم "سي آي أي" مهمة هجمات الطائرات بدون طيار إلى البنتاغون، وذلك بعد سلسلة الأخطاء التي ارتكبتها تلك الهجمات في اليمن وباكستان وذهب ضحيتها الكثير من المدنيين.
وأوضحت الصحيفة عن وجود تبادل للاتهامات بين "سي آي أي" والبنتاغون حول الأخطاء التي ترتكب وتحميل كل منهما الآخر المسؤولية، أو التشكيك في دقة الأهداف التي ينفذها الطرف الآخر.
وأشارت إلى أن كلتيهما تنفذان هجمات منفصلة، لكن أعضاء بالكونغرس يطالبون بنقل إدارة هذه الطائرات كلياً لوزارة الدفاع لأسباب تتعلق بدقة العمليات وأخرى لها صلة بإمكانية مساءلتها خلافاً لـ "سي آي أي" التي تتمتع عملياتها بسرية تامة ويُصعب حتى على المشرعين فرض رقابة عليها.
وتعليقاً على هذا الأمر، يرى أستاذ للعلوم السياسية بجامعة لاسال أن الجدل ليس على أي مؤسسة يجب أن "تضغط على الزناد" بقدر ما هو على دقة الأهداف التي تستهدفها هجمات الطائرات بدون طيار.
وأوضح د. مايكل بويل -في حديث للجزيرة نت- بأن الحكومة وزعت إدارة هجمات الطائرات بدون طيار بين وكالة الاستخبارات المركزية وقيادة العمليات الخاصة المشتركة التي تديرها وزارة الدفاع، مضيفاً "لدى كلتا الجهتين عملياتها الخاصة مع وجود تنسق محدود فيما بينهما".
ويشير بويل -وهو مستشار سابق بفريق حملة الرئيس أوباما لشؤون مكافحة الإرهاب- إلى أن النقاش بواشنطن يدور حول ما إذا كان من الأفضل إعفاء وكالة المخابرات المركزية من عمليات الطائرات بدون طيار وتسليم البرنامج بأكمله إلى قيادة العمليات الخاصة المشتركة من أجل ضمان تحقيق أعلى معايير من الدقة والمساءلة.
وأرجع أسباب هذا المقترح إلى ما تتمتع به عمليات وكالة المخابرات المركزية من سرية، فضلاً عن قلق الكثيرين من خطورة بقاء هذا البرنامج في أيادي وكالة استخبارات ليست ملزمة بالكشف عن المعايير التي تستخدمها أو عدد الضربات التي تنفذها.
وقال بويل أيضا إن البرنامج إذا أعطي تماماً لوزارة الدفاع فإنه ينبغي عليها أن تلتزم بمعايير اختيار الأهداف، والكشف عن المعلومات حول الهجمات.
عسكرة "سي آي أي"
وإلى جانب السرية، يساور المشرعون الأميركيون قلق من أن إعطاء "سي آي أي" برنامج الطائرات بدون طيار سيحولها إلى منظمة عسكرية على حساب التركيز على جمع المعلومات الاستخبارية.
ويرى الباحث الأميركي أن هذا النقاش وصل إلى طريق مسدود في جزء منه لأن الغارات باليمن وباكستان تشير إلى استنتاجات متضاربة حول من هو أفضل تجهيزاً وأكثر مسؤولية لإدارة هجمات الطائرات بدون طيار.
ففي باكستان، كانت وكالة الاستخبارات المركزية هي المسؤولة عن معظم الأخطاء وسقوط الضحايا المدنيين، بينما كان يُنظر إلى قيادة العمليات الخاصة بوزارة الدفاع على أنها أكثر حذراً حين تنفيذ الهجمات.
ولكن بالنسبة لليمن، يُنظر إلى وزارة الدفاع باعتبارها المسؤول الأكبر عن العمليات هناك والأكثر ارتكاباً للأخطاء.
ويرى بويل أن أخطاء البنتاغون في اليمن أعطت المدافعين عن وكالة المخابرات المركزية سبباً لإبطاء عملية النقل الكامل للبنتاغون، معتبراً ذلك أيضاً سبباً لجعل الكثير من اقتراحات أوباما لإصلاح إدارة برنامج الطائرات بدون طيار تصل إلى طريق مسدود.
مراقبة القضاء
من جهته، اتفق صحفي مختص بشؤون حرب الطائرات بدون طيار على أن المطالب بسحب إدارة الطائرات بدون طيار من "سي آي أي" نابعة من "مخاوف مشروعة" تجاه إدارة عمليات القتل خارج نطاق القضاء، وأن نقلها بعيداً عن وكالة المخابرات سيجعل منها أسهل للرقابة والمساءلة.
وأضاف كيفن غوستولا للجزيرة نت "عمل وكالة المخابرات المركزية السري يستطيع تحويل العالم لساحة معركة مع إفلاتها من المحاسبة، بينما وزارة الدفاع قد تجد صعوبة في القيام بذلك".
وانتقد الصحفي الأميركي الهجمات التي تنفذ باليمن وباكستان، قائلاً "ما يبدو واضحاً بكلتا الدولتين أن الطائرات بدون طيار تخلف دوامة من العنف وتعمل أداة جذب لتنظيم القاعدة وليس العكس.