"نداء تونس" بين الثورة ورموز الهيمنة

Supporters of Nida Touns (Call of Tunisia), a secular party, chant slogans and hold flags during a demonstration against the immunization law of the revolution, outside the National Constituent Assembly headquarters in Tunis June 29, 2013. REUTERS/Zoubeir Souissi (TUNISIA - Tags: POLITICS CIVIL UNREST)
undefined

مجدي مصطفى 

لم يكن ظهور الأحزاب السياسية في تونس ولادة طبيعية عقب ثورة 14 يناير/ كانون الثاني 2011، فقد ظهر ما يزيد على 130 حزبا وربما أكثر، يصعب على التونسيين أنفسهم حصرها، أو تذكر عشرة على الأقل من "الإفرازات الحزبية الجديدة" التي أعقبت حالة جمود دامت نحو ربع قرن، فرضها النظام الشمولي وسيطرة الحزب الواحد.

لم يكن غريبا إذا ألا تقابل تلك الأحزاب بفرحة الولادات السياسية الطبيعية المنتظرة في مجتمع يجثم على صدره ركام 23 عاما من سياسة الحزب الواحد، فقد وجد الشارع التونسي في الطوفان الحزبي مادة للتندر، خصوصا مع تشابه الأسماء، فراجت مقولة "لا تنخرط في حزب سياسي بل أسس حزبا".

وهناك من رأى أن أقطاب النظام السابق هم وراء هذا الكم الكبير من الأحزاب السياسية، دافعهم الرغبة في العودة إلى الساحة والسيطرة على مجريات الأمور السياسية والاقتصادية في البلاد رغم الثورة التي قام بها الشباب.

لا يختلف المشهد كثيرا عما سبق وحدث في الخبرات السياسية للدول الشمولية السابقة، والتي شهدت عشرات الأحزاب عقب انهيار نظمها، ما لبثت أن اختفت، ولم يبق منها إلا القليل، بمرور الوقت انطلاقا من قانون "الانتخاب الطبيعي". وفي تونس أيضا تبخرت العشرات من الأحزاب بالسرعة التي نشأت بها والتي بلغت ذروتها مع اقتراب أول انتخابات بعد نجاح ثورتها، فأغلقت أو أدمجت أو ذابت في رمال التحالفات المتحركة مع الانتخابات التشريعية اليتيمة التي جرت في البلاد يوم 24 أكتوبر/تشرين الأول 2011.

‪السبسي يحاول التشبه ببورقيبة‬ (الألمانية)
‪السبسي يحاول التشبه ببورقيبة‬ (الألمانية)

مخاض
مضت الانتخابات بحلوها ومرها وأفررت تحالفا حكوميا تقوده حركة النهضة الإسلامية، بالاشتراك مع حزبين علمانيين، وبمرو الوقت تعقد المشهد، وتأزم فتردى الأمن وانتشر العنف.

رافق ذلك تردى الوضع الاقتصادي والاجتماعي وتدهورت مؤسسات الدولة، فحملت المعارضة الحكومة المسؤولية واتهمتها بالتراخي في معالجة المشاكل العالقة منذ قيام الثورة مما دفع بعض الأحزاب السياسية المحسوبة على المعارضة إلى الدعوة إلى حكومة إنقاذ وطني بعيدا عن المحاصصة السياسية وحسابات الترويكا.

وفي غمرة تلك الأوضاع جاء الإعلان عن حركة "نداء تونس" التي ما لبثت أن تحولت إلى حزب سياسي يحمل نفس الاسم، لكن الوليد السياسي الجديد جاء بلا حمل، وحتى الأب.. عجوز في "خريف العمر" يسعى أو يجد من يحاول إعادة انتاجه ليتبؤ مكانا في "ربيع الثورة" إنه الباجي قايد السبسي.

السبسي ناهز التسعين من العمر.. وهووزير سابق بحكومة أول رئيس لتونس الحبيب بورقيبة، سبق وشغل السبسي منصب رئيس البرلمان في عهد الرئيس المخلوع زين العبدين بن علي ثم قاد الحكومة المؤقتة بعد سقوطه، ويحسب له أنه أدار بنجاح أول انتخابات ديمقراطية في تونس بعد الثورة.

يحاول السبسي بعث حفريات الذاكرة لمن عرفوا بورقيبة لكنه يبدو مقلدا و"ظلا باهتا" بفعل الزمن، يطلق عليه نفر من التونسيين لقب "البحبوح" ويجد السبسي من يحاول يسوقه معتبرا إياه "رجل دولة أفلت من زمن الزعيم الحبيب بورقيبة ليشكل قارب النجاة لتونس غير عابئ بثقل السنين ولا بنواميس العمر" لكن آخرين يرون أن الرهان عليه "رهان خاسر وخيبة كبيرة، وصفعة للشباب الذي ينبغي أن تعهد إليه مهمة أخذ جانب من المسؤولية في بناء تونس الغد".

جاءت مقدمات النداء بمبادرة تضمنها بيان أصدره السبسي يوم 26 يناير/كانون الثاني 2012، وحذر فيه "من عواقب الضبابية والتردد في تحقيق أهداف الثورة" ودعا "القوى الديمقراطية إلى التوحيد وخلق بديل تنظيمي ليحصل التوازن في الحياة السياسية بما يمكّن من التداول على السلطة وقيام حياة ديمقراطية حقيقية" أعقب ذلك تشكيل لجنة مؤقتة لمتابعة وتفعيل هذه المبادرة.

ويوم 16 يونيو/حزيران 2012 عقد قصر المؤتمرات بتونس العاصمة مؤتمرا للتعريف بالحركة من قبل رئيسها الباجي قائد السبسي قال فيه "تونس تنادينا فلنلب نداء تونس" كما تعهد بـ"التصدي لهيمنة حركة النهضة الإسلامية وإحداث توازن في المشهد السياسي في تونس مهد الربيع العربي". وما لبث الحزب أن حصل على موافقة رسمية يوم 7 يوليو/ تموز 2012.

ما عدا المبادئ العامة لا يوجد برنامج تفصيلي للنداء، لكن الغاية الواحدة وربما تكون الوحيدة للحزب الجديد هي أن يصبح بديلا للنهضة في قيادة الحكومة

مبادئ
وعن نفسها تقول "حركة نداء تونس" إنها تستند إلى "الفكر الإصلاحي التونسي، والتراث الإنساني العالمي، وقيم الحرية والعدالة الاجتماعية" كما تؤكد أنها "مفتوحة إلى مختلف التيارات الفكرية والسياسية التي تشترك معها في الإيمان بالدولة، والتمسك بالفصل الأول من دستور 1959 تونس دولة حرة مستقلة ذات سيادة الإسلام دينها والعربية لغتها والجمهورية نظامها".

كما تؤكد أيضا تمسكها بالعلم والنشيد الوطني لتونس، وبـ" المكاسب العصرية للدولة التونسية التي حققت منذ خمسين سنة وفي المقدمة مجلة الأحوال الشخصية". وتؤكد أيضا على" المواطنة وتونس للجميع، والاعتراف بالديمقراطية والتداول على السلطة، والعدالة الاجتماعية والتنمية الاجتماعية باعتبارها حقا من حقوق مهما كانت الجهات أو الأشخاص أو الفئات، وترفض العنف في الحوار مع المخالفين في الرأي وعدم الإقصاء".

وماعدا المبادئ العامة، لا يوجد برنامج تفصيلي للنداء، لكن الغاية الواحدة وربما تكون الوحيدة للحزب الجديد هي أن يصبح بديلا للنهضة في قيادة الحكومة، مما جعل البعض يؤكد أن الحزب "يشكو فراغا أيديولوجيا".
 
ويضم الحزب أعضاء سابقين بالتجمع الدستوري الديمقراطي للرئيس المخلوع زين العابدين بن علي، المنحل بقرار قضائي، مما يحعله يتميز بوفرة التمويل لكن معارضيه يقولون إنه سيمكن اتباع وقيادات الحزب المنحل -الذين يطلقون عليه اسم الأزلام- من العودة للساحة السياسية من باب واسع رغم مطالب شعبية لإبعادهم من الحياة السياسية.

وترى حركة النهضة  أن "نداء تونس" امتداد لحزب  بن علي، واعتبرها رئيس حزب النهضة راشد الغنوشي "أخطر على الثورة التونسية من السلفيين المتشددين" وبدأت الاحتجاجات عليه مبكرا منذ لحظة الإعلان عنه حيث ردد المتظاهرون هتافات "لا رجوع.. لا رجوع لعصابة المخلوع" و"عار.. عار يا سبسي رجعت أنت والتجمع".

ومع طول الأزمة وتعقدها في ظل حالة التجاذب السياسي الحاد الذي تسببت في إرجاء الانتخابات التشريعية والرئاسية، وأخر إصدار الدستور، تنتظر الأحزاب والقوى السياسية اختبارا حقيقيا إذا ما تم المضي قدما في خريطة الطريق التي تم التوافق عليها حتى النهاية، والاتفاق على الدستور وإجراء الانتخابات المنتظرة لتقدم فرزا حقيقيا للخريطة السياسية في تونس في "سنة ثالثة ثورة". 

المصدر : الجزيرة