اللاجئون العراقيون والسوريون على أبواب المجهول

اللاجئون العراقيون والسوريون على أبواب المجهول- الكاتب / عبدالحسين شعبان

عبد الحسين شعبان

يواصل النازحون واللاجئون السوريون منذ العام 2011 تجرع حياتهم المرة في ظروف بالغة القسوة، ففي الصيف يعيشون تحت لهيب الشمس وفي الشتاء تحت المطر والثلوج أحيانا والبرد القارس، خصوصا أنهم يعيشون في الخيام التي بدأت تتآكل لطول مدة النزوح في العراء.

ومثل السوريين يعاني العراقيون الذين هربوا من سيوف داعش (تنظيم الدولة الإسلامية) والقتل والاغتصاب في ظروف لا تقل قسوة عن ظروف السوريين النازحين. وقد كشفت المديرة الإقليمية لبرنامج الأغذية العالمي جيني بيرس أن البرنامج لا يمكنه تقديم المساعدة لنحو ثلاثة ملايين نازح، وهو يشمل حالياً مليونا ونصف المليون، وطموحه أن تصل المساعدات إلى مليون و800 ألف شهرياً في جميع المحافظات العراقية، وكذلك في إقليم كردستان.

وكانت الأمم المتحدة أعلنت في نداء لها عن خطة لتقديم المساعدة لنحو 5.6 ملايين شخص من العراقيين المستضعفين لمدة الأشهر الستة القادمة، وهي بحاجة إلى 150 مليون دولار أميركي وذلك من أواسط يونيو/حزيران المنقضي وحتى نهاية العام الجاري (ديسمبر/كانون الأول 2015).

ويتداخل أحيانا اللجوء بالنزوح، فبعد فترة انتظار يضطر الآلاف من النازحين إلى مغادرة مناطقهم لسوء أوضاعهم، ويتحملون أحيانا أعباء لا قدرة لهم عليها، ويضطرون إلى عبور الحدود واستخدام وثائق عديدة تساعدهم إلى الوصول إلى بلدان اللجوء، كما يضطر بعضهم إلى ركوب البحر، حين يكون حرس الحدود في انتظارهم وفي أحيان كثيرة تغرق سفنهم فتأكل الأسماك أجساد من فرّوا من العنف والإرهاب والتسلط لإنقاذ حياتهم ولكنهم يواجهون ما هو أشد وأقسى، وفي الكثير من الأحيان تكون الأبواب موصدة أمامهم.

اعتقد الكثير من النازحين واللاجئين أن حياة المخيّمات مؤقتة وأن عودتهم قريبة، ولكن المعاناة مستمرة، وهو الاعتقاد ذاته الذي ساد في أوساط اللاجئين الفلسطينيين منذ العام 1948

معاملة قاسية
وقد دعت منظمات إنسانية عديدة دول الاتحاد الأوروبي إلى استقبال أعداد من اللاجئين السوريين والعراقيين، ممن يضطرون إلى مغادرة بلادهم هربا من الأوضاع اللاإنسانية التي يعيشونها. وغالبا ما يستخدم حرس الحدود بحق اللاجئين أساليب لا تنسجم مع المواثيق الدولية لحقوق الإنسان.

لقد أصبحت العديد من البلدان العربية ملجأً مؤقتا للاجئين، لكن مدنا مثل بيروت وعمّان، هي الأكثر "اجتياحا" من جانب اللاجئين، وخصوصا السوريين، إضافة إلى تركيا، وكذلك إقليم كردستان (العراق) الذي يستضيف ربع مليون لاجئ سوري، غالبيتهم أكراد.

ونتذكر العاصفة الثلجية التي اجتاحت لبنان والأردن مطلع العام الجاري 2015، وكيف تعرّضت مخيّمات اللاجئين والنازحين السوريين -لا سيّما الأطفال والنساء والشيوخ- إلى كارثة حقيقية، حيث الشعور بالبؤس والقهر والإحباط، أصبح زادهم اليوم.

لقد ازدادت معاناة النازحين العراقيين والسوريين بعد سيطرة "داعش" وتنظيمات جبهة النصرة وتنظيمات "إسلاموية" أخرى على العديد من المناطق، لا سيّما المتاخمة للعراق، حيث يسيطر تنظيم الدولة الإسلامية على الموصل منذ يونيو/حزيران 2014، إضافة إلى سيطرته على محافظة صلاح الدين واضطراره إلى الخروج منها بعد تقدّم القوات الحكومية المدعومة من قوى غير نظامية، إضافة إلى دعم التحالف الدولي.

وعانى أهالي هذه المنطقة الأمرين على يد "داعش" وعلى يد جماعات "متطرفة"، كما تعاني اليوم محافظة الأنبار، وهي أكبر محافظات العراق من محنة مركبة وهي تقع بين نارين: نار "داعش" التي حوّلت بعض المدن إلى هيمنة شاملة وتعسف لا حدود له أو مدن للأشباح بعد نزوح سكانها، ونار الصراعات السياسية والطائفية والمصالح الأنانية الضيقة، وعدم فاعلية قوات التحالف الدولي، التي تلقى أحيانا سخطا من جانب فئات شعبية، وخصوصا من الجهات المتضررة من أهالي المنطقة وشيوخ العشائر "السنيّة".

يعاني النازحون واللاجئون السوريون والعراقيون، لا سيّما باستمرار أوضاعهم غير المستقرّة، من تدهور شديد في مستوى التعليم، وتتفشى الأمية في صفوف الأطفال، إضافة إلى تسرّب الفتيات والفتيان من مقاعد الدرس، كما تنتشر الجريمة المنظمة والمخدرات والاغتصاب الجنسي وتكثر الأوبئة والأمراض الخطيرة وسوء التغذية بسبب هذه الأوضاع.

وتتدنى الحالة الصحية على نحو مريع، ولا يستطيع من يحتاج إلى العلاج الحصول عليه، خاصة أن ثمنه عادة باهظ بالنسبة لنازحين أو لاجئين صرفوا ما لديهم من مدّخرات. ويؤثر وجود أعداد النازحين واللاجئين على القطاعات المختلفة مثل قطاع الطاقة في المناطق التي لجؤوا إليها والتي قد لا تستطيع استيعاب هذه الأعداد منهم، وكذلك على قطاع المياه والخدمات الأمنية، ناهيك عن تصدّع البنية التحتية.

والأمر يحتاج إلى علاج دولي مركب سياسي واقتصادي واجتماعي وصحي وتعليمي وغذائي، يوفر لهؤلاء النازحين واللاجئين مستلزمات عودتهم إلى حياتهم الطبيعية، فضلا عن تقديم المساعدات العاجلة والضرورية إليهم، لا سيّما في الجوانب الإنسانية والخدمية.

لقد اعتقد الكثير من النازحين واللاجئين أن حياة المخيّمات مؤقتة وأن عودتهم قريبة، ولكن المعاناة مستمرة وهو الاعتقاد ذاته الذي ساد في أوساط اللاجئين الفلسطينيين منذ العام 1948، فبرغم وجود قرار دولي منذ ذلك التاريخ برقم 194 خاص بحق العودة، فإن مأساتهم مستمرة ومتفاقمة، ولا أفق لحل سياسي لها.

إن معاناة اللاجئين والنازحين التي تتعاظم ترتب مسؤوليات على المجتمع الدولي والأمم المتحدة والأعضاء الدائمين في مجلس الأمن بشكل خاص والدول الصناعية الكبرى ذات الوفرة المادية، إذ عليها التحرك السريع قبل فوات الأوان، لأن هؤلاء النازحين واللاجئين قنابل موقوتة يمكن أن تنفجر في أية لحظة، ومثل هذا النوع من البيئات مناسبة لتفقيس بيض الإرهاب والعنف، خصوصاً إذا ما تحوّلت الظاهرة إلى حالة طويلة الأمد، وأي يوم تستمر فيه حياة النازحين وأوضاعهم المزرية على ما هي عليه، فإن خطر امتداد التأثير السلبي وظواهر العنف والإرهاب والجريمة المنظمة والمخدرات يصبح خطراً داهماً.

مثلما يعيش معظم لاجئي العالم (86% منهم) في البلدان النامية، فإن النازحين في بلدانهم يفوق هذا الرقم كثيراً، وهو ما يفاقم أزمات البلدان الفقيرة

يوم عالمي
إن استذكار أوضاع اللاجئين والنازحين ومأساتهم في سوريا والعراق بمناسبة اليوم العالمي للاجئين 20 يونيو/حزيران، يعني فيما يعنيه وضع المجتمع الدولي أمام مسؤولياته، وهو ما يحتاج بحث مشاكلهم وقضاياهم على نحو جدي، والأسباب التي تهددهم في أوطانهم والتي أدت إلى تفاقم معاناتهم سياسيا واقتصاديا واجتماعيا وقانونيا وإنسانيا، والعمل على تقديم المزيد من الدعم لهم عبر المفوضية السامية لحقوق الإنسان والدول المستقبلة وسلطات الحكم المحلي. وقد تقرر الاحتفال بهذا اليوم منذ العام 2000 من جانب الجمعية العامة للأمم المتحدة، وقد صادف العام 2001 الذكرى الخمسين لإعلان اتفاقية جنيف المتعلقة بأوضاع اللاجئين (1951) تلك التي أضيف إليها ملحق مهم في العام 1967.

وإذا كانت الاتفاقية قد صُممت لاحتواء لاجئي أوروبا الشرقية بعد الحرب العالمية الثانية حين وصول الأنظمة الشيوعية إلى الحكم في العديد منها، فإن الأوضاع الخاصة باللاجئين قد تفاقمت وازدادت بؤسا.

وفي العام 1956 واجهت المفوضية الخاصة باللاجئين أولى حالات الطوارئ بعد أحداث المجر حيث دخلت الدبابات السوفياتية لفرض نظام موال لها، لكن الأمر تطوّر واحتاج إلى معالجة أشمل بازدياد أعداد اللاجئين من أفريقيا وآسيا وأميركا اللاتينية، وهو ما اضطر إلى تطوير اتفاقية جنيف، مثلما تمت الإشارة إليه لتشمل ملايين اللاجئين على المستوى العالمي.

وفي أواخر القرن الماضي تعاظم عدد اللاجئين، خصوصاً من كوسوفو عام 1999، وفي مطلع هذا القرن كانت أعداد اللاجئين من الكونغو الديمقراطية والصومال كبيرة جداً، إضافة إلى ملايين النازحين، وهو الأمر الذي عاشه العراقيون على دفعات سواء أيام الحرب العراقية الإيرانية أو في ظروف الحصار الدولي (1991-2003) أو بعد احتلال العراق العام 2003، أو إثر الحرب الطائفية عامي 2006 و2007، أو بعد سيطرة "داعش" وتشريدها نحو ثلاثة ملايين إنسان يعيشون ظروف نزوح مرعبة، وخصوصاً من المسيحيين والإيزيديين، وهو الأمر الذي حدث في سوريا بخصوص المسيحيين ومجزرة "قلب لوزة" بحق الدروز.

وتستمر أوضاع النازحين واللاجئين السوريين بسبب الاحتراب والتسلط الداخلي وتصدع الدولة وانهيار العديد من مؤسساتها وهيمنة "داعش" على أكثر من ثلث البلاد، إضافة إلى "جماعات إسلاموية" أخرى.

إن اختيار 20 يونيو/حزيران يوما عالميا للاجئين يتزامن مع الاحتفال بيوم اللاجئ الأفريقي الذي تحييه العديد من الدول الأفريقية.

وغالبا ما يتم الخلط بين مصطلح "اللاجئ" ومصطلح " النازح"، فالأول هو من اختار اللجوء خارج بلده، أما الثاني فقد هرب داخليا من منطقة إلى أخرى، خصوصا في ظروف الحرب الأهلية والنزاعات المسلحة والتطهير العرقي والديني والطائفي أو غير ذلك.

ومثلما يعيش معظم لاجئي العالم (86% منهم) في البلدان النامية، فإن النازحين في بلدانهم يفوقون هذا الرقم كثيراً، وهو ما يفاقم أزمات البلدان الفقيرة.

وفي جواب عن سؤال جوهري هو ما العمل؟ نقول إن الأمر يحتاج إلى جهد دولي وإقليمي وعربي على الصعيد الفكري والحقوقي والمهني والإعلامي، وما سبق أن طرحناه وسنعيد طرحه دائما هو: ترى إذا كانت المفوضية المعنية بحماية حقوق اللاجئين هي من يشكو من شح الإمكانات وقصور أدواتها، وهي من يناشد العالم لتوفير الأمن والحماية اللازمة للاجئين والنازحين، فماذا سيفعل أصحاب المحنة البشرية وضحايا الكارثة الإنسانية؟

لعل ذلك سيكون وخزة للضمير الإنساني بما فيها للبلدان المتقدمة التي غالبا ما ترفع لافتة حقوق الإنسان، حيث لن تكون هي قبل غيرها بمأمن عن التداعيات الإنسانية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية الخطيرة لبقاء هؤلاء دون توفير مستلزمات حياة كريمة وآمنة لهم، ولا بد أن يتحرك العالم أجمع لإدراك مسؤولياته وواجباته إزاء هؤلاء البشر الذي انتزعوا بين ليلة وضحاها من منازلهم ومناطق سكانهم الآمنة المزدهرة، ووجدوا أنفسهم مرّة واحدة في العراء تائهين في لجة المجهول!

—–
*كاتب وباحث عربي

المصدر : الجزيرة