الاختفاء القسري بسوريا.. تجارة رائجة

أم سعيد، والدة ثلاثة أبناء مغيبين منذ أكثر من ثلاث سنوات
أم سعيد دفعت مبالغ طائلة لمعرفة مصير أبنائها ولكن دون جدوى (الجزيرة)
علاء الدين عرنوس-ريف دمشق

سواء أكانوا أحياء أو تمت تصفيتهم، فإن أم سعيد لا تملك خيارا سوى التعلق بآمال ضئيلة في أن يكون أبناؤها المغيبون منذ ثلاث سنوات على قيد الحياة، ودفعت السيدة مبالغ طائلة لمعرفة مصير ثلاثة من أبنائها دون أن تحصل على معلومة واحدة تدلها على مصيرهم المجهول.

وخلال أقل من شهر من اعتقال المخابرات الجوية لابنها، اختفت اثنتان من بنات أم سعيد في منطقة الأربعين غرب مطار المزة العسكري، إحداهما كانت برفقة طفلها الذي لم يتجاوز أربع سنوات وقتها.

ورغم أن أحدا لم يطالب بفدية مقابل إطلاق سراح ابنتيها، فإن أم سعيد استهلكت مدخراتها كاملة لتدفع مقابل خدمات التقصي.

وفي كل مرة تلجأ فيها الأم إلى الدوائر الرسمية وأفرع الأمن تسدد مبالغ كبيرة لموظفي السجلات للبحث عن أسماء أبنائها في المعتقلات والمشافي وأقبية الأفرع.

ويشير أحمد -الابن الأصغر لأم سعيد- إلى أن موظفين صغاراً في الدولة قدموا للأسرة معلومات متضاربة حول مصير أشقائه، وفقا لتسعيرات محددة لكل خدمة ومعلومة.

ويقول أحمد "حصلنا في نهاية المطاف على معلومات زائفة مقابل ما دفعناه من مال، حتى المحامين والقضاة لم يكونوا أفضل حالا من رجال الأمن".

مئة مغيّب يوميا
وكانت منظمة العفو الدولية قد اتهمت الأسبوع الماضي النظام السوري بجني الأرباح جراء عمليات الاختفاء القسري المنتشرة على نطاق واسع في البلاد عبر المبالغ التي تدفعها العائلات بحثا عن أفرادها، وصنفت تلك الممارسات بأنها "جرائم ضد الإنسانية".

ووصل عدد حالات الاختفاء القسري وفق المنظمة إلى "مستويات مروعة". وينقل التقرير عن الشبكة السورية لحقوق الإنسان توثيقها "تعرض ما لا يقل عن 65 ألف شخص للاختفاء القسري منذ العام 2011، بينهم نحو 58 ألف مدني".

واستناداً إلى دراسة أعدها ناشطون سوريون الأسبوع الماضي، فإن النظام السوري يغيّب مواطناً واحداً على الأقل كل ١٤ دقيقة، بمعدل ١٠٢ يومياً.

زاهر الخطيب (٣٠ عاماً) ضحية أخرى ضمن سلسلة عمليات اعتقال قامت بها اللجان الشعبية مطلع العام ٢٠١٣ في الحي الشرقي المتاخم لمطار المزة العسكري، بحق مدنيين من بلدات داريا ومعضمية الشام المجاورتين.

وفي حديث لها مع الجزيرة نت أشارت شقيقته إلى أن اللجان الشعبية طلبت خمسة ملايين ليرة (نحو 17 ألف دولار) كفدية مقابل إطلاق سراحه، قبل أن يعثر ناشطون على جثته مرمية على مشارف المدينة.

وكبدت جرائم الاختطاف -سواء لمبادلة المختطفين بأسرى أو لابتزازهم مقابل المال- العديد من العائلات خسائر مادية كبيرة، واضطرت أسرا لبيع ممتلكاتها للحصول على معلومات عن مصير أبنائها أو تحريرهم.

حذر وكتمان
ولا يخفي مروان (٣٢ عاماً) قلقه من تداعيات اختفاء شقيقته بطريقة غامضة في وضح النهار يوم 2 نوفمبر/تشرين الثاني الحالي عندما كان في منطقة الجديدة (جنوب غرب دمشق) التي يسيطر عليها النظام.

ويقول مروان الذي يقاتل في صفوف المعارضة بجنوب دمشق، إنه "دفع بمعية مقربين في الدولة رشى لأكثر من فرع أمني دون أن نحصل على نتيجة".

وفي التعامل مع قضايا اختفاء النساء على وجه التحديد، تتكتم العديد من الأسر عن مصير بناتها، واستمعت الجزيرة نت للكثير من القصص التي يلفها الكتمان والحذر حين يتعلق الأمر بمناقشة مصير بناتهن.

وتعد عمليات اختطاف المدنيين من قبل عناصر المليشيات المؤيدة إحدى أكثر الانتهاكات المقلقة للناشطين الحقوقيين، فاللجان الشعبية ومليشيات الدفاع الوطني المنتشرة في مناطق النظام، طورت من قدراتها على نحو خطير وباتت تنافس الأفرع الأمنية في ممارسة سلطات مطلقة في مناطقها، وفقاً للناشط عمار أحمد من ريف دمشق.

ويروي أحمد كيف خرجت مراكز اعتقال سرية تابعة للمليشيات في مناطق المزة ٦٨ والجديدة ومعضمية الشام ومناطق أخرى في دمشق خارجة عن سلطات القضاء والدولة.

المصدر : الجزيرة