اللجوء السوري في الجوار والعالم

ظروف صعبة يعيشها اللاجئون السوريون، من شطف العيش ومرارة التمييز وثقل القيود القانونية المجحفة. فضلا عن تعرضهم لحملات عنصرية واستغلالهم في سوق العمل.

عبد الجليل زيد المرهون*

كيف يبدو وضع اللجوء السوري الراهن، وما مؤشراته الكمية؟ ما أبرز التحديات التي تواجهها جموع اللاجئين؟ وماذا عن موسم الهجرة السورية إلى الغرب؟ 

أولا: بعض المؤشرات الكمية
في 29 أغسطس/آب 2014، تجاوز عدد اللاجئين السوريين حاجز الثلاثة ملايين، فيما بلغ عدد النازحين داخلياً حوالي 6.5 ملايين نسمة. وقد جاء ذلك في بيان أصدرته المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين.

ووفقاً لهذه المعطيات، بات السوريون يمثلون أكبر عدد للاجئين في العالم ممن ترعاهم المفوضية السامية. ويأتي بعدهم الأفغان والصوماليون.

وتضطلع المفوضية السامية، من خلال ولايتها الأساسية، بمهمة مساعدة اللاجئين، إلا أنه -وعلى مدى العقود الستة الماضية- توسع عملها ليشمل مساعدة الكثير من النازحين داخلياً، إضافة إلى عديمي الجنسية حول العالم.

وتعتبر العمليات الراهنة الخاصة بسوريا الأضخم من نوعها في تاريخ المفوضية السامية، وذلك منذ نشأتها قبل 64 عاما. وتوصف هذه العمليات بأنها أكبر حالة طوارئ إنسانية في عصرنا الراهن.

وتمارس المفوضية السامية أنشطتها في سوريا من خلال 425 موظفا، يعملون في سبعة مكاتب، جرى افتتاحها في كل من دمشق وحمص وحلب والحسكة وطرطوس والسويداء والقامشلي.

وفي دول الجوار السوري الأربع ومصر، هناك ما يزيد على 150 منظمة تعمل مع اللاجئين السوريين، من بينها المفوضية السامية ووكالات أخرى تابعة للأمم المتحدة، ومنظمات غير حكومية وطنية ودولية، الصليب الأحمر، الهلال الأحمر، ومنظمة الهجرة الدولية.

تعتبر العمليات الراهنة الخاصة بسوريا الأضخم من نوعها في تاريخ المفوضية السامية، وذلك منذ نشأتها قبل 64 عاما. وتوصف هذه العمليات بأنها أكبر حالة طوارئ إنسانية في عصرنا الراهن

حاجة ماسة
وقد أعلنت الأمم المتحدة مؤخراً أن هناك حاجة لتوفير أكثر من ملياري دولار، قبل نهاية العام الجاري، من أجل تلبية الضرورات الملحة للاجئين السورين، وأن المبالغ المتاحة لهذا الغرض لا تغطي أكثر من 30%، الأمر الذي يعني أن المعاناة ستبقى على حالها، وربما تزداد وطأة.

وكانت الأمم المتحدة قد دعت الجهات المانحة لتمويل برنامج إغاثي للاجئين السوريين بقيمة 3.74 مليارات دولار، ينفذ في دول الجوار الأربع ومصر، خلال العام 2014، بيد أنها لم تحصل -حتى يوليو/تموز الماضي- سوى على نحو 1.1 مليار دولار.

وأطلقت المنظمة الدولية تحذيرا من المخاطر الجسيمة التي قد تنشأ عن استمرار الثغرات المتزايدة في التمويل.

وعلى الرغم من انتشار اللاجئين السوريين بعدد واسع من الدول، فإن غالبيتهم العظمى تتركز في دول الجوار الأربع.

ويحتل لبنان الكثافة الأعلى بين هذه الدول (1.14 مليون)، تليه تركيا (815 ألفا)، ثم الأردن (608 آلاف).

وفي العراق، تجاوز العدد ثلاثمائة ألف لاجئ، يقيم معظمهم بإقليم كردستان. وفي مصر، يوجد 137.5 ألف لاجئ سوري مسجل لدى المفوضية السامية. بيد أن الرقم الفعلي تجاوز مائتي ألف.

ويعتبر الأطفال مكوناً كبيراً بمجموع اللاجئين السوريين. وتشير الأمم المتحدة إلى أنه جرى تسجيل ما يزيد على 1.1 مليون طفل سوري حول العالم كلاجئين.

ثانيا: نمط التحديات المثارة
وقد جرى تنظيم حقوق اللاجئين في عدد كبير من المواثيق الدولية، منها اتفاقية جنيف لعام 1949، واتفاقية حقوق اللاجئين لعام 1951 التي دُعمت ببروتوكول عام 1967.

وفي حين أن إنهاء الصراعات يتطلب حلولاً سياسية، فإن الهيئات الإنسانية والمدنية معنية أيضاً بالاستثمار في سبل العيش والتعليم والصحة، لتعزيز فرص الحياة الكريمة بين اللاجئين.

وفيما يرتبط بالحالة السورية، تشير كافة التقارير الدولية إلى ظروف صعبة وقاهرة يعيشها اللاجئون السوريون، فهم يواجهون شظف العيش، وشح المعونات، ومرارة التمييز، وثقل القيود القانونية المجحفة والاعتباطية. كما يتعرضون لحملات عدائية وعنصرية. ويعاني ضعافهم بشاعة الاستغلال في سوق عمل جائر لا رحمة فيه.

ما يزيد على مائة ألف طفل سوري في الأردن لم يلتحقوا بالتعليم النظامي. وقد يكون في لبنان ضعف هذا العدد

مشكلة التعليم
ومن بين التحديات الرئيسية التي تواجه اللاجئين السورين، بدول الجوار خاصة، تبرز قضية توفير المأوى والمسكن المناسب، الذي يكفل سلامة الأسر، ويضمن قدرتها على تحمل العوامل المناخية المختلفة.

ووفقاً للأمم المتحدة، فقد أنشئ عام 2013 خمسة عشر مخيما جديدا: سبعة بتركيا، ومثلها بالعراق، ومخيم بالأردن.

وعلى الرغم من ذلك، يفوق عدد اللاجئين الذين يعيشون خارج المخيمات بنسبة كبيرة عدد من يعيشون فيها، حيث يزيدون على 82% من إجمالي اللاجئين السوريين. وتتراوح هذه النسبة بين 100% في مصر ولبنان، و60% بالعراق وتركيا.

وبالأرقام، هناك حوالي 860 ألف لاجئ سوري يعيشون حالياً خارج المخيمات، في مآوٍ متهالكة في الغالب، تتوزع على مناطق مختلفة من دول المنطقة الخمس.

من جهة أخرى، تبرز مسألة التعليم كتحد آخر يواجه اللاجئين السوريين بمختلف دول وجودهم. وحالياً تضم المدارس الرسمية بدول الجوار ومصر نحو 350 ألف طفل سوري. وتشير الأمم المتحدة إلى أن معدلات الالتحاق بالتعليم بين الأطفال السوريين منخفضة للغاية على مدار العام في كافة البلدان المضيفة. 

ووفقاً لبيانات المنظمة الدولية، فإن ما يزيد على مائة ألف طفل سوري في الأردن لم يلتحقوا بالتعليم النظامي. وقد يكون في لبنان ضعف هذا العدد من الأطفال اللاجئين الذين لا يحصلون على التعليم.

ويُرجح أن يتجاوز قريباً عدد الأطفال السوريين في لبنان، ممن هم في سن المدرسة، عدد الأطفال اللبنانيين الذين التحقوا بنظام التعليم العام في السنة الدراسية 2013-2014.

ويرتبط معدل الالتحاق المنخفض بالتعليم بين الأطفال السوريين في دول اللجوء بمجموعة عوامل تشمل القدرة الاستيعابية للمدارس المحلية، وتكلفة الرسوم التعليمية في بعض الحالات، والمنهج الدراسي المغاير، ومشكلة اللغة الأساسية أو الثانوية، والمسافة الطويلة التي تفصل بعض تجمعات اللاجئين عن المدارس.

وفي الحقيقة، فإن سوريا معرضة لأن يكون لديها جيل منفصل عن التعلم والتعليم. وستكون هذه كارثة وطنية كبرى لا سابق لها، ولا نظير لها في أي من أزمات العالم وصراعاته. إنه ناقوس خطر يجب أن يقرعه الجميع قبل فوات الأوان.

يلجأ المهربون على نحو متزايد إلى ابتزاز زبائنهم، بحيث يطلبون منهم دفع مبالغ أكثر من تلك المتفق عليها. وفي كثير من الأحيان يتم ذلك عن طريق احتجازهم خلال الطريق، أو حتى عند وصولهم إلى الوجهة المقصودة

ثالثا: التطلّع لأوروبا
وبموازاة ما يُمكن إثارته عن وضع اللاجئين بدول المنطقة، بدت قضية الهجرة السرية للغرب نوعا جديدا من المخاطر، التي تلقي بظلالها الآن على آلاف السوريين.

في العام 2013، تقدم السوريون بـ64300 طلب لجوء إلى دول الغرب، متفوقين بذلك على كافة الجنسيات. تلاهم طالبو اللجوء من جمهورية الكونغو الديمقراطية (60400) وميانمار (57400).

وازداد عدد السوريين الذين استقبلهم الاتحاد الأوروبي عام 2013 بنحو الضعف مقارنة بعام 2012. وتم استقبال 12 ألف منهم بالسويد، وهي النسبة الأكبر.

ووفقاً لما يجري تداوله الآن، فهناك شبكات متخصصة في تهريب الأفراد من سوريا إلى أوروبا، تحصل على مليون و650 ألف ليرة سورية مقابل كل فرد.

ويجري الاتفاق على دفع المبالغ بالتقسيط، عبر الأهل أو الأصدقاء من خلال مكاتب التحويل، حتى يتم الوصول إلى الدولة النهائية المتفق عليها.

ويلجأ المهربون على نحو متزايد إلى ابتزاز زبائنهم، بحيث يطلبون منهم دفع مبالغ أكثر من تلك المتفق عليها. وفي كثير من الأحيان يتمُّ ذلك عن طريق احتجازهم خلال الطريق، أو حتى عند وصولهم إلى الوجهة المقصودة.

وغالباً ما يمر الطريق نحو المقصد النهائي عبر اليونان وصربيا، كما يسافر البعض من سوريا إلى مصر أو الجزائر، ومنها ينطلقون إلى ليبيا، ثم يبحرون بقوارب المهربين إلى إيطاليا أو مالطا. ومن هناك يتم التحرك عادة نحو ألمانيا أو الدول الإسكندنافية.

وحتى وقت قريب، كانت منطقة الحدود اليونانية مع تركيا، التي تمتد لمسافة مائتي كيلومتر، تمثل الصدع الأكبر بجدران أوروبا الحصينة، حيث يدخل منها غالبية المهاجرين السوريين لدول الاتحاد الأوروبي.

وخلال الفترة بين يناير/كانون الثاني 2010 وأغسطس/آب 2012، تمكن ما لا يقل عن 87 ألف شخص من دخول اليونان عبر هذه النقطة، مثل السوريون النسبة الكبرى منهم.

وفي الوقت الراهن، تعتبر بلغاريا وجهة رئيسية للمهاجرين السوريين لأوروبا. وفي سبتمبر/أيلول 2013 وحده، تم احتجاز 2377 شخصا على الحدود التركية البلغارية، بينهم 1635 سوريًا.

وعلى ضوء هذا التطوّر، بدأت السلطات البلغارية مشروعاً لبناء سياج حدودي بالقرب من إحدى القرى المجاورة لتركيا، من المقرر أن يغطي نحو 30 كيلومتراً، من الحدود التي يبلغ طولها 280 كيلومتراً.

وتوجد حالياً ست محطات مراقبة ثابتة على هذه الحدود، تستخدم الرادار وكاميرات التصوير الحي، إضافة إلى 47 كاميرا صغيرة، وخمس محطات مراقبة متحركة، فضلاً عن الدوريات الأمنية المتحركة.

وإضافة للمسار البري، بدا الطريق البحري ناشطاً هو الآخر، في موسم الهجرة عبر المتوسط، التي قد تكون الحياة ثمنها.

وتشير الأمم المتحدة إلى أن نحو 1889 شخصا فروا من أفريقيا والشرق الأوسط لقوا حتفهم غرقا بمياه البحر المتوسط في العام 2014، بينهم 1600 شخص منذ بداية يونيو/حزيران. وكان في تعدادهم الكثير من الأسر السورية، التي انطلقت غالبا من مصر أو ليبيا.

وكما سبقت الإشارة، تعتبر إيطاليا ومالطا الوجهة الأولى لمهاجري قوارب الموت عبر المتوسط، على أمل أن يذهب الناجون منهم لاحقاً إلى دول أوروبية أخرى، إن تمكنوا من ذلك.

والقاعدة المطبقة في دول الاتحاد الأوروبي هي أن يتحمل أول بلد يصل إليه المهاجر مسؤولية منحه اللجوء السياسي أو الإنساني واستضافته. وتنتقد دول جنوب أوروبا هذا النظام، المعروف باتفاق دبلن، والذي لم يتم تطويره منذ أن طبق للمرة الأولى في العام 2002.

وقد رفض رؤساء وزراء ألمانيا والسويد والدانمارك فكرة تعديل هذا الاتفاق. كما عارضت 24 دولة، من أصل 28، تخفيف القواعد الخاصة بالهجرة عندما جرت مناقشة الأمر.

وما يُمكن قوله خلاصة، هو أن مسار الهجرة المحفوف بالمخاطر من سوريا لأوروبا يُمثل بُعداً آخر في مشهد التشرد الذي يعانيه السوريون منذ أكثر من ثلاثة أعوام. وهو لا يقل في جوهره مأساة عن النزوح الداخلي أو اللجوء إلى دول الجوار.

إن معاناة ما يزيد على ثلاثة ملايين لاجئ سوري ستبقى قائمة حتى يوم عودتهم إلى دفء الوطن. وخلال ذلك، يجب على الأسرة الدولية تحمل مسؤولياتها حيال هؤلاء اللاجئين وفقاً لأحكام القانون الدولي الإنساني، التي يجب أن تتقدم -في هذه الحالة- على القوانين المحلية في أي من الدول المضيفة.

كذلك، فإن قوى وهيئات المجتمع المدني، داخل سوريا وخارجها، معنية بتعزيز دورها في عمليات الدعم الإغاثي والرعاية الأساسية لعموم اللاجئين السوريين، وخاصة في ضوء إعلان الوكالات الدولية المتكرر أن حجم الأزمة يتجاوز إمكاناتها وقدراتها المالية والتنظيمية، وأن الوضع بات خارج السيطرة، أو قريباً من ذلك.

——————
* باحث وخبير إستراتيجي متخصص في شؤون النظام الإقليمي الخليجي. عمل وساهم في عدد من مراكز الأبحاث العربية، من مواليد البحرين 1962

المصدر : الجزيرة