لعنة الوثيقة

تصميم : الرجاء إعداد تصميم لصفحة حقوق وحريات - الاقتباس: باتت معظم المطارات والمعابر العربية وقاعات الترانزيت أماكن وزنازين لعذابات الفلسطينيين وتحول اللاجئ الفلسطيني إلى عدو - الكاتب علي بدوان

علي بدوان*

ما زالت لعنة الوثيقة، والمقصود هنا وثيقة السفر التي تمنحها كل من سوريا ولبنان للاجئين الفلسطينيين المقيمين فوق أراضيهما منذ عام النكبة 1948، تلاحق كل لاجئ فلسطيني حين يهم بمغادرة البلاد نحو أي من بُلدان المعمورة القريبة أو البعيدة.

فالوثيقة المصرية والعراقية التي كانت تمنح للاجئين الفلسطينيين انتهت عملياً، ولم يعد يحملها سوى العدد القليل من أبناء فلسطين. فبقيت الوثيقة مُقتصرة على فلسطينيي سوريا ولبنان، الذين يكابدون كل أشكال العناء حال عزمهم على السفر والانتقال. فمتى ستنتهي تلك المعاناة، ومتى ستنتهي لعنة الوثيقة التي تلاحق اللاجئ الفلسطيني، وتجعل منه أسيراً للحرمان والمعاناة؟

قوارب الموت
في البداية، تركت محنة الأزمة الداخلية في سوريا آثارها الكبيرة على عموم اللاجئين الفلسطينيين المقيمين فوق الأرض السورية منذ العام 1948. فانعكست آثارها عليهم بشكل كبير على كل الصعد، ومن ضمن ذلك ما تعلق بتنقلهم وإمكانية خروجهم من البلد، بسبب فقدانهم لجواز السفر العادي، وامتلاكهم لوثيقة السفر فقط، وهي الوثيقة التي لا تخولهم دخول معظم بلدان العالم وبالأخص الدول العربية. وهو ما دفع بعشرات الآلاف منهم للخروج من البلد بطرقٍ غير شرعية والتوجه عبر قوارب الموت نحو أصقاع المعمورة الأربعة في هجرة قسرية تفوق في مشهدها المأساوي نكبة العام 1948 وذيولها.

إن كل الطرق والدروب باتت مسدودة وموصدة أمام فلسطينيي سوريا من قبل دول الجوار المُتاخمة. وحالات المنع والقرارات المُفاجئة الصادرة عن بعض الدول العربية حيال حركة اللاجئين الفلسطينيين ممن يعرفون بحاملي الوثائق، مسألة اعتاد عليها عموم اللاجئين الفلسطينيين من حملة الوثائق، خاصة من سوريا ولبنان، الذين ما زالوا يكابدون أوجاع النكبة ونتائجها وتداعياتها المتعلقة بحياتهم اليومية في "بلاد العرب أوطاني" بالرغم من مرور 66 عاماً من نكبتهم الأولى، لكنها اتخذت الآن مساراً آخر في ظل الحاجة التي باتت تدفع الأعداد الواسعة من فلسطينيي سوريا للخروج في ظل المحنة التي تعرضت وتتعرض لها عموم المخيمات والتجمعات الفلسطينية فوق الأرض السورية، وخصوصاً منها مخيم اليرموك، حين نزح عنه قرابة مليون شخص منهم نحو 250 ألف فلسطينيي.

فلسطينيو سوريا ولبنان ما زالوا يكابدون أوجاع النكبة ونتائجها وتداعياتها المتعلقة بحياتهم اليومية في "بلاد العرب أوطاني" بالرغم من مرور 66 عاماً على نكبتهم الأولى

إغلاق الأبواب
ومنذ بدايات الأزمة السورية كان الأردن قد أغلق الأبواب -وحتى النوافذ- بوجه جميع فلسطينيي سوريا، في حين جرى احتجاز من عبر منهم الحدود تهريبا في مبنى "سايبر سيتي" الواقع بجانب تقاطع طرق مُقفر خارج مدينة إربد بشمال الأردن. وهو عبارة عن مبنى كئيب مكوَّن من ست طبقات يتوارى خلف سور يطلُّ على آلات صدئة وسهل جاف. وكان في السابق يقطنه عمال مُهاجرون، وبات فيه الآن نحو تسعمائة فلسطيني سوري.

في حين أوقفت تركيا منذ فترة طويلة دخول فلسطينيي سوريا ولبنان إليها إلا بشق الأنفس أو بالعبور تهريبا من شمال مدينتي حلب وإدلب، وهو الطريق الوحيد المفتوح الآن أمام فلسطينيي سوريا للخروج من البلد، وهو طريق غير شرعي ومحفوف بالمخاطر الجمة. في حين يتقلب القرار المصري من وقت لآخر بالنسبة لدخول فلسطينيي سوريا ولبنان، تارة بالموافقة وبعد فترة بالمنع وهكذا دواليك.

ولا ننسى هنا قرار المنع اللبناني دخول أي فلسطيني سوري من حملة الوثيقة الفلسطينية السورية إلى لبنان، وهو قرار ساري المفعول منذ عامٍ تقريباً، ولا يمكن كسره إلا بشروط قاسية، منها أن تكون الزوجة لبنانية أو فلسطينية لبنانية، وأن تدفع إتاوة تتعدى أربعمائة دولار للبعض من رجال الحدود في منطقة ختم الجوازات في نقطة المصنع على الحدود اللبنانية مع سوريا.

لقد ضاقت السبل والدروب على فلسطينيي سوريا بالرغم من مغادرة نحو 150 ألفاً منهم سوريا منذ اندلاع أزمتها الداخلية باتجاه أصقاع المعمورة الأربعة، وذلك من أصل نحو 530 ألف لاجئ فلسطيني مسجلين في سجلات وقيود وكالة الأونروا والهيئة العامة للاجئين الفلسطينيين العرب في سوريا. ومن بين الـ150 ألفاً هناك نحو عشرين ألفاً في لبنان استطاعوا الدخول إليه قبل سريان قرار المنع من الأمن العام اللبناني قبل عامٍ مضى.

يبحث اللاجئ الفلسطيني عن جواز من جمهورية بليز أو غينيا بيساو ليكون بإمكانه الدخول إلى جميع البلدان العربية!

جمهورية بليز.. وغينيا بيساو
ويعتقد أن من هاجر من فلسطينيي سوريا باتجاه الغرب الأوروبي على قوارب الموت لم يعد متاحاً أمامه من طريق للعودة إلى سوريا بحكم الخروج غير الشرعي من البلد، وهو ما يميز حال اللاجئ الفلسطيني الذي يختلف عن حال اللاجئ العربي الذي بإمكانه العودة لوطنه فور عودة الأمن له حتى لو طالت سنوات غيابه عن وطنه وبلده.

إن المصاعب التي يعانيها فلسطينيو سوريا ولبنان في الجانب المتعلق بإمكانية خروجهم من البلد مصاعب كبرى باتت منذ فترة طويلة تدفع بأعداد متزايدة منهم للخروج بشكل غير شرعي، وتدفعهم أحيانا للبحث عن جنسية جديدة تكفل لهم جوانب الحياة المختلفة التي تليق بالبشر، حتى لو كانت تلك الجنسية من جمهورية بليز أو غينيا بيساو التي تمنح فلسطينيي سوريا جنسية وجواز سفر بمبلغ لا يتجاوز ستة آلاف دولار أميركي، وهي جنسية تؤهل فلسطينيي سوريا بعد الحصول عليها، الدخول إلى جميع البلدان العربية بشكل مريح نسبياً، فكيف لو كانت تلك الجنسية من دول الاتحاد الأوروبي التي باتت الملجأ الأساسي لفلسطينيي سوريا كالسويد والنرويج وهولندا والدانمارك وألمانيا وغيرها؟

وهنا، من العار والمخجل أن يكون الصمت سيد الموقف لدى الجهات العربية المعنية بمتابعة أمور اللاجئين الفلسطينيين في الجامعة العربية، وكذا الحال بالنسبة لمنظمة التحرير الفلسطينية باعتبارها المرجعية العليا المسؤولة عن الشعب الفلسطيني بالداخل والشتات، التي لم تقدم لمن يتمكن من الخروج من سوريا بشق الأنفس إلا جواز سفر باسم السلطة الوطنية الفلسطينية لا يحمل رقما وطنيا، وهو ما لا يفي بالمطلوب.

إن المطلوب من الجهات الفلسطينية الرسمية ووكالة الأونروا التي تحركت في هذا الميدان، العمل الحثيث من أجل إلغاء تلك الإجراءات المعتمدة من غالبية الدول العربية والمتعلقة بحملة الوثائق، وبالتحديد حملة الوثائق من فلسطينيي سوريا ولبنان.

فالفلسطيني مهدد في عمله وإقامته واستقراره، وحتى أمنه في غالبية الدول العربية، ولا توجد عمليا دولة عربية واحدة تسمح بدخول الفلسطينيين من حملة الوثائق إلى أراضيها إلا بشروطٍ قاسية.

وقد باتت معظم المطارات والمعابر العربية وقاعات الترانزيت أماكن وزنازين لعذابات الفلسطينيين وتحول اللاجئ الفلسطيني إلى عدو بديل عن العدو الأساس إسرائيل.

واليوم يُلفظ اللاجئ الفلسطيني بألف طريقة وطريقة، ويتم دفعه للهجرة القسرية الإجبارية ضمن مخطط ممنهج ومبرمج مع الدوائر الغربية والمافيات العالمية في إطار لعبة كبرى للالتفاف على حق العودة والتخلص من عبء الفلسطينيين واستجابة لمطلب أميركي غربي وإسرائيلي.

لعنة الوثيقة يجب أن تنتهي، كفى 66 عاماً من العذاب والحرمان لشعب النكبة الفلسطينية. فالتاريخ سيدون ولو بعد حين بحروف العار تلك الحرب الخفية المستعرة على اللاجئ الفلسطيني.

———-
* كاتب فلسطيني من مخيم اليرموك

المصدر : الجزيرة