مراكز الطب البديل في اليمن تقتل المرضى

مواطنين في انتظاهر دورهم للعلاج بأحد مراكز طب الأعشاب - مواقع التواصل
يمنيون ينتظرون دورهم للعلاج في أحد مراكز طب الأعشاب (مواقع التواصل)

محمد عبد الملك-الجزيرة نت

لا يستطيع الجراح اليمني محمد أمين الكمالي استيعاب ما صادفه مع إحدى الحالات المرضية خلال عمله في صنعاء، حيث بدأت القصة من معاينته لمريض تبين أنه يعاني من سرطان في قاعدة الدماغ إلى أعلى البلعوم، ولكنه تهرب من العلاج الكيميائي وذهب يبحث عن علاج تقليدي (طب الأعشاب)، الأمر الذي تسبب في وفاته لاحقاً.

يضيف الكمالي للجزيرة نت أنه عقب تشخيص حالة المريض وإجراء عملية جراحية له وأخذ عينة لتحديد نوع الورم، تم تحويله إلى أخصائي الأورام لبدء برنامج علاج كيميائي، إلا أن المريض وأهله -نتيجة للثقافة العامة السيئة- تهربوا من الخضوع للبرنامج العلاجي تحت المبرر الشعبي "أن العلاجات الكيميائية والأشعة تضر المريض"، وتوجهوا إلى العلاج بالأعشاب في أحد المراكز التي يديرها عالم دين يطلق على نفسه لقب دكتور لكونه تخرج في تخصص فقهي.

ويتابع "ما زلت أسأل نفسي: أنا طبيب وأخصائي جراحة أعصاب الدماغ والعمود الفقري وأعمل منذ سنوات في المجال، ولا أجرؤ على التدخل في عمل أخصائي الأورام، فكيف بمن لا يفهم طبيعة المرض والخلايا السليمة أو الورمية ويجرؤ على تضليل مريض ويتسبب في إيصاله إلى مرحلة متقدمة من المرض حيث يصبح العلاج عندها مستحيلا، وبذلك يكون سبب الوفاة الحتمية لإنسان كان يمتلك فرصة كبيرة للشفاء إذا خضع للمعالجة السليمة كما حدث مع المريض المصاب بالورم!".

‪بعض منتجات طب الأعشاب في اليمن‬ (مواقع التواصل)
‪بعض منتجات طب الأعشاب في اليمن‬ (مواقع التواصل)

ترويج خادع
تتواجد مراكز التداوي بالأعشاب في اليمن منذ عشرات السنين، ولكنها ازدهرت وتحولت خلال سنوات الحرب الأربع الأخيرة إلى ظاهرة معلنة على قنوات تلفزيونية يمنية ولافتات في الشوارع وفي الإذاعات والصحف المحلية، إضافة إلى صفحات متخصصة على مواقع التواصل الاجتماعي.

ويتم عبر تلك الوسائل الإعلان عن خلطات علاجية ووصفات يزعم أصحاب المراكز أنها تعالج أمراضا مستعصية عجز الطب الحديث عن إيجاد الحلول لها.

وبحسب أطباء تحدثوا للجزيرة نت فإن الكثير من المواطنين ينجرون خلف ذلك بعد أن يحثهم أصحاب تلك المراكز على عدم الذهاب إلى المستشفيات، ويقولون لهم إن الأدوية التي يقررها الأطباء خطيرة على المرضى، وإن الخلطات العشبية الطبيعية التي يبيعونها لهم هي المفيدة، ووفقا لذلك يجري بيع وصفات عشوائية وموحدة في أغلب الأحيان لجميع المرضى رغم أنهم يعانون من أمراض مختلفة.

كما يحرص أصحاب مراكز الأعشاب على رفع لافتات تحمل إشادة شخصيات اجتماعية وعسكرية في مكاتبهم لإقناع البسطاء من الناس بأن تلك الشخصيات تنصح بالذهاب إليهم إلى المستشفيات، ويوثقون شهادات مصورة لعشرات الحالات المرضية ويطلبون منها التأكيد أن الأدوية التي يمنحها الأطباء غير مفيدة وأن الأعشاب هي التي تقضي على المرض، وبذلك يتمكنون من خداع العامة.

أسباب ومخاطر
وحول الأسباب التي تجعل اليمنيين مؤخرا يلجؤون إلى التداوي بالأعشاب ويعزفون عن المستشفيات، قال الطبيب اليمني أحمد الدميني -الذي يعمل بمستشفى الثورة في مدينة تعز– إن ذلك نتيجة للفقر والحالة الصعبة للمواطنين بسبب الحرب، حيث يعجز المريض بسبب الغلاء عن إجراء الفحوصات الطبية وشراء الأدوية، فضلا عن الجهل وقلة الوعي.

يضاف إلى ذلك أن هناك أمراضا لا يتم كشفها بسبب سوء التشخيص وعدم وجود متخصصين في بعض الأمراض، فيشعر المرضى باليأس ويلجؤون إلى الأعشاب، كما يقول الدكتور الدميني.

وعن المضاعفات والآثار التي قد تسببها تلك الطرق البدائية، يؤكد الأطباء أنها فعليا تتسبب في مضاعفات مختلفة للمريض، أبرزها تأخر الحصول على تشخيص سليم حتى يصل المريض إلى مراحل متقدمة تصبح المعالجات معها غير مجدية.

ويؤكد الدكتور الدميني أن الحديث عن هذه الظاهرة لا يعني أنه لا توجد أعشاب معينة بإمكانها علاج بعض الأمراض، ولكن يجب أن تكون بإشراف متخصصين وأطباء من ذات المجال يدركون آلية عملها وآثارها الجانبية.

‪الطبيب محمد الكمالي روى قصة أحد مرضاه مع طب الأعشاب‬ (الجزيرة)
‪الطبيب محمد الكمالي روى قصة أحد مرضاه مع طب الأعشاب‬ (الجزيرة)

ويحذر الأطباء اليمنيون من خطورة تلك الخلطات العشوائية من الأعشاب التي تباع في المراكز المنتشرة بالعاصمة صنعاء وبقية المدن لكونها تحتوي على مواد مهدئة لا تقضي على المرض، وبعضها يخفف الشعور بالألم فترة الاستخدام، وقد تعرض حياة المريض للخطر إذا لم يزر طبيبا مختصا.

ويؤكد رئيس الجمعية اليمنية لحماية المستهلك فضل مقبل منصور أن تلك المراكز أصبحت تمارس عمليات النصب والاحتيال على المواطنين وتحولت إلى مجال للاستثمار والتكسب، خصوصا تلك التي تزعم علاج كل أنواع الأمراض بما فيها السرطان والأمراض المستعصية، ويقع البسطاء فريسة للتأثير الإعلامي.

ويقول منصور للجزيرة نت إن الجمعية طالبت السلطات المعنية بإلزام وسائل الإعلام التي تروج لتلك المراكز بالتوقف عن بث تلك الإعلانات لكونها مضللة وكاذبة، وفقاً للقانون رقم 46 لسنة 2008 بشأن حماية المستهلك، لكنهم لم يلمسوا نتائج فعلية لذلك، كما لم يتم إغلاق تلك المراكز، وتم الاكتفاء بحذف حرف (د) فقط من معظم اللافتات والإعلانات مع استمرار العمل.

المصدر : الجزيرة