مقاومة السيجارة الإلكترونية

FILE - In this April 23, 2014, file photo, an electronic cigarette is demonstrated in Chicago. In a surprising new policy statement, the American Heart Association backs electronic cigarettes as a last resort to help smokers quit. (AP Photo/Nam Y. Huh, File)
إن السجائر الإلكترونية -إذا تم تنظيمها بحكمة- قادرة على جعل تدخين التبغ شيئا من الماضي وإنقاذ ملايين الأرواح (أسوشيتد برس)

جاك لو هوزيك*

لعل مايكل راسيل وموراي جارفيك -وهما من رواد أبحاث الإقلاع عن التدخين في سبعينيات القرن العشرين- كانا ليرحبا باختراع السيجارة الإلكترونية أو "مبخار النيكوتين الشخصي"، فإلى جانب عملها كوسيلة مؤقتة لمساعدة الأشخاص الذين يحاولون الإقلاع عن تدخين السجائر، فإن أنظمة تسليم النيكوتين الجديدة مثل هذه من الممكن أن تعمل بدائل طويلة الأجل للتبغ، الأمر الذي يجعل من الممكن القضاء على استهلاك التبغ بشكل كامل تقريبا.

لقد علمنا منذ وقت طويل أن الناس يدخنون طلباً للنيكوتين، ولكنهم يموتون بسبب الدخان. والواقع أن الغالبية العظمى من الأمراض والوفيات المرتبطة بالسجائر تنشأ من استنشاق جزيئات القطران والغازات السامة، بما في ذلك أول أكسيد الكربون. ورغم أن العلاج ببدائل النيكوتين ساعد العديد من المدخنين على الإقلاع، فإن عادة تدخين السجائر تظل منتشرة في العديد من البلدان.

إن استخدام النيكوتين في أشكال غير قابلة للاشتعال مثل التبغ الذي لا يدخن، أو مبخار النيكوتين الشخصي، من شأنه أن يمكّن الملايين من المدخنين الحاليين من التقليل إلى حد كبير من الضرر الذي يحدثه استهلاك النيكوتين بصحتهم. ففي السويد، ساهم الاستخدام الواسع الانتشار لتبغ السنوس (snus) -وهو نوع لا يدخن من التبغ ينتج بتركيز أقل من مادة النتروزامين المسرطنة– في تراجع كبير في حالات الإصابة بسرطان الرئة إلى أدنى المستويات في العالم.

إن فوائد التخلص التدريجي من استهلاك التبغ شديدة الإقناع. ولهذا السبب فلا بد من الترويج النشط لوسائل مثل السيجارة الإلكترونية كبديل لمنتجات التبغ

التخلص التدريجي
إن فوائد التخلص التدريجي من استهلاك التبغ شديدة الإقناع. ولهذا السبب فلا بد من الترويج النشط لوسائل مثل السيجارة الإلكترونية كبديل لمنتجات التبغ، بالاستعانة بموافقات من السلطات الصحية، وتقديم مزايا ضريبية، فضلاً عن الدعم من حركة مكافحة التدخين.

بيد أن أياً من هذا لم يحدث حتى الآن، ويرجع هذا بدرجة كبيرة إلى اعتبار النيكوتين مادة سامة مسببة للإدمان، مع تردد حتى المدخنين في تجربة العلاج ببدائل النيكوتين أو مبخار النيكوتين الشخصي لهذا السبب. والواقع أن النيكوتين كان الهدف الرئيسي لحملات مكافحة التبغ لأكثر من ثلاثة عقود من الزمان.

ولكن النيكوتين مسؤول بشكل جزئي فقط عن الاعتماد على التبغ. فهناك مواد أخرى من دخان التبغ -مثل مثبطات الأكسيداز الأحادي الأمين، التي تخلّف تأثيرا مضادا للاكتئاب– تعمل على تعزيز الاعتماد على التبغ، ولكنها تغيب عن النيكوتين المبخر. وربما لهذا السبب تشير استطلاعات مستخدمي مبخار النيكوتين الشخصي إلى أن النيكوتين أقل إحداثاً للإدمان في هيئته المتبخرة.

والواقع أن النيكوتين عقار آمن نسبياً بالجرعات التي يستنشقها المدخن، وتأثيره مماثل لتأثير الكافيين. وعلاوة على ذلك فإن المدخنين ومستخدمي مبخار النيكوتين الشخصي قادرون على التحكم بدقة، على أساس سحبة بسحبة، في جرعة النيكوتين التي يستهلكونها، وهو ما يستبعد فعلياً خطر الجرعة الزائدة.

الجرعة القاتلة

تشير استطلاعات مستخدمي مبخار النيكوتين الشخصي إلى أن النيكوتين أقل إحداثاً للإدمان في هيئته المتبخرة

والواقع أن الجرعة القاتلة من النيكوتين أعلى كثيراً من 30 إلى 60 مليغراما كما تدعي العديد من الأبحاث العلمية. فبعد استعراض تقارير حالات التسمم ومحاولات الانتحار بالنيكوتين، وجد الصيدلاني بيرند ماير أن الجرعة القاتلة من النيكوتين في البشر لا بد أن تكون بين 500 و1000 مليغرام من النيكوتين الممتص وليس الذي يتناوله المتعاطي. ولأن التقيؤ أحد أول أعراض التسمم، وأن 70% من النيكوتين المتبقي في الجهاز الهضمي يستقلب بواسطة الكبد قبل أن يصل أجهزة الجسم الأخرى، فإن امتصاص ذلك القدر الكبير من النيكوتين ليس بالأمر السهل.

وبهذا الحد الأدنى من المخاطر الصحية مقارنة بتدخين التبغ، فإن استخدام مبخار النيكوتين الشخصي يواجه عائقاً حقيقياً واحدا: استعداد المدخنين للتبديل. ولكن حتى على هذه الجبهة، سجل الجهاز نجاحاً كبيرا، حيث تزايد استخدام مبخار النيكوتين الشخصي بشكل مضطرد في السنوات القليلة الأخيرة.

ورغم أن الناس في عالم مثالي يمكنهم ببساطة الإقلاع عن استخدام النيكوتين تماما، فإن التجارب تشير إلى أن العديد من المدخنين يعجزون عن -أو لا يرغبون في- الإقلاع عنه، وسوف يستمرون في التدخين في حالة غياب بدائل آمنة ومقبولة. وإذا كان المدخنون على استعداد لتقبل وسيلة مثل مبخار النيكوتين الشخصي (السيجارة الإلكترونية) كخيار ممكن، فإن استخدام التبغ المحفوف بالمخاطر من الممكن أن يصبح شيئاً من الماضي.

وحتى الآن، كان زمام المبادرة بأيدي المدخنين المتحولين في الترويج للتحول إلى السجائر الإلكترونية، والذين يتقاسمون تجاربهم مع الناس على المنتديات وصفحات فيسبوك وتويتر على شبكة الإنترنت. فهم ينشرون الخبر بأن الناس لأول مرة في التاريخ أصبحوا قادرين على الإقلاع عن التدخين والتخلي عن المتعة التي يستمدونها من النيكوتين.

إن معارضة السجائر الإلكترونية لا تقوم على أدلة علمية، بل إن عدداً متزايداً من النشرات العلمية تثبت أن استخدام السجائر الإلكترونية أكثر أماناً من تدخين التبغ إلى حد كبير

الخوف
ولكن في الوقت نفسه، تبنت السلطات الصحية والحكومات نهجاً قائماً على الخوف، فسارعت إلى تنظيم -أو حتى حظر- السجائر الإلكترونية. وتخطط توجيهات منتجات التبغ، وهيئة تنظيم الأدوية ومنتجات الرعاية الصحية في المملكة المتحدة لفرض قيود تنظيمية صارمة على بيع واستخدام السجائر الإلكترونية، استناداً إلى التشريعات الخاصة بالعقاقير، رغم أن هذه الأجهزة لا تستخدم التبغ ولا هي منتجات طبية. وحتى منظمة الصحة العالمية أطلقت تقريراً يعرب عن قلقها الشديد إزاء تسويق واستخدام أنظمة تسليم النيكوتين الإلكترونية.

إن هذه المعارضة لا تقوم على أدلة علمية، بل إن عدداً متزايداً من النشرات العلمية تثبت أن استخدام السجائر الإلكترونية أكثر أماناً من تدخين التبغ إلى حد كبير.

رسالة
وفي شهر يناير/كانون الثاني الماضي أرسلت مجموعة من العلماء (وأنا أحدهم) رسالة إلى مفوضية الاتحاد الأوروبي تلتمس فيها تطبيق تنظيمات متناسبة وقائمة على الأدلة تسمح لمستخدمي السجائر الإلكترونية بتحديد المنتجات والجرعات التي تناسبهم. فقلنا في رسالتنا: "إن السجائر الإلكترونية، إذا تم تنظيمها بحكمة، قادرة على جعل تدخين التبغ شيئا من الماضي وإنقاذ الملايين من الأرواح في مختلف أنحاء العالم. أما التنظيم المفرط فهو على النقيض من ذلك سوف يساهم في الإبقاء على المستويات الحالية من الأمراض والوفيات المرتبطة بالتدخين، فضلاً عن تكاليف الرعاية الصحية".

ذات يوم، قال راسل: "إن النيكوتين هو الذي لا يستطيع الناس التخلي عنه بسهولة". وكان محقا. غير أن تدخين التبغ، وليس النيكوتين، هو الذي يقتل الناس. وهذا من شأنه أن يجعل السجائر الإلكترونية حلا مثاليا. والآن حان الوقت لكي تتحرك السلطات الصحية في الاتجاه الصحيح.
_______________
* مستشار الصحة العامة والاعتماد على التبغ، ومحاضر فخري لدى مركز المملكة المتحدة لدراسات مكافحة التبغ في جامعة نوتنغهام.

المصدر : بروجيكت سينديكيت