تنظيم الدولة يسعى لاقتصاد خاص من خلال النفط

تكرير النفط بطرق بدائية في سوريا - الجزيرة / الشبكة السورية لحقوق الإنسان - ( بناء على طلب السيد محمد طارق)
تكرير النفط بصورة بدائية في سوريا (الجزيرة/الشبكة السورية لحقوق الإنسان)

يسعى تنظيم الدولة الإسلامية الذي استولى على مساحة من الأراضي في سوريا والعراق إلى إقامة اقتصاد خاص به عبر سلسلة من الصفقات والمعاملات النفعية.

ويبرم التنظيم صفقات مع تجار ومشترين محليين وحتى رجال أعمال يساندون الرئيس السوري بشار الأسد، وبعض النفط الذي يبيعونه يجد طريقه مرة أخرى إلى مشترين حكوميين من خلال سلسلة من الوسطاء.

وقال أحد مديري النفط الغربيين السابقين الذي عمل في شركة نفط أجنبية لها عمليات في سوريا قبل الأزمة وعلى دراية بسوق النفط الوليدة، "الدولة الإسلامية تربح ما لا يقل عن مليوني دولار كل يوم، وهو ما يتيح لها دفع الرواتب والاستمرار في عملياتها".

ومبيعات النفط تعني أن الدولة الإسلامية يمكنها أن تقلل اعتمادها على التبرعات الخارجية، وأن تجتذب المزيد من المجندين في صفوف مقاتليها والأنصار بفضل ثروتها الجديدة.

وقد استولى تنظيم الدولة الإسلامية على حقول نفط من مقاتلين للمعارضة السورية يدعمهم الغرب ومن الحكومة في الأشهر الأخيرة، ويعتقد أنه يسيطر على مئات الآبار، الأمر الذي يحرم حكومة الأسد من مصدر رئيسي للدخل.

الحكومة السورية تقول إن خسائرها في قطاع النفط نتيجة للحرب وصلت إلى 3.8 مليارات دولار

وتقول دمشق إن إنتاج سوريا من النفط هبط إلى 28 ألف برميل يوميا في المتوسط عام 2013 من 164 ألف برميل يوميا عام 2012.

عائدات
وكانت مبيعات النفط تدر قرابة ربع عائدات الدولة قبل الحرب. وتقول الحكومة إنها خسرت 3.8 مليارات دولار من جراء سرقة النفط.

وتذهب التقديرات إلى أن تنظيم الدولة سيطر على مئات الآبار الصغيرة في دير الزور كانت تنتج نحو 130 ألف برميل يوميا من الخام الخفيف في معظمه، وذلك حسب ما قاله مهندس نفط رفيع يعمل الآن في دمشق.

وكان نصف إنتاج سوريا قبل الحرب -والبالغ 380 ألف برميل يوميا عام 2011- يوجد في محافظة الحسكة التي سيطر عليها الأكراد في منتصف عام 2012 مع انتقال قوات الأسد غربا لقتال المعارضين السنة في حلب.

وإذا حدث في نهاية المطاف أن سقطت الحسكة في أيدي الدولة الإسلامية فإن التنظيم سيكون له السيطرة على كل منشآت البلاد النفطية تقريبا.

ومهما يكن من أمر، فإن التنظيم لم يستطع بعد استغلال الحقول التي يسيطر عليها بالفعل استغلالا كاملا بسبب الافتقار إلى الخبرة الفنية. والحقول الرئيسية التي يسيطر عليها -الشدادي والعمر والتنك وورد- كانت تقوم بتشغيلها في الغالب شركات نفط دولية.

غير أن شركات رويال داتش شل وتوتال وبترو كندا غادرت المنطقة منذ وقت طويل، الأمر الذي جعل الاستغلال الكامل للحقول تحديا رهيبا.

وقال مدير نفط سابق يعمل في شركة أجنبية "الكثير من الحقول أغلقت والشركات الأجنبية انسحبت والمعدات نهبها مقاتلو المعارضة الذين أفرغوا المستودعات".

ولم يبق في المناطق التي تسيطر عليها الدولة الإسلامية إلا القليل من الأفراد ذوي الخبرة الفنية. وفي المنطقة التي يسيطر عليها الأكراد بقي الكثير من الموظفين وما زال بعضهم يتلقى راتبه من وزارة النفط في دمشق.

افتقار الخبرة
ونظرا لافتقار تنظيم الدولة الإسلامية الخبرة في استخراج النفط وتكريره، فإن معظم دخله من هذا القطاع يأتي من مبيعات مباشرة لرجال أعمال محليين ومهربين ومتربحين وتجار نفط.

وهم يعيدون بيع الخام الخفيف في معظمه لمصاف في الأجزاء الواقعة تحت سيطرة المعارضة في سوريا، وتمكنوا من جذب مجموعة من العملاء من خلال البيع بسعر يبلغ في المتوسط 18 دولارا للبرميل.

وقال تجار سوريون على الحدود إن بعض النفط الخام يباع لمهربي وقود ينقلونه إلى تركيا، لكن الكميات صغيرة بسبب تشديد القيود على الحدود.

 ونشأت سوق محلية بنشاط تكريري يقدر بملايين الدولارات، لكنها تعمل وفق كل حالة على حدة.

وسائل بدائية لتعويض نقص المحروقات بريف حمص (الجزيرة)
وسائل بدائية لتعويض نقص المحروقات بريف حمص (الجزيرة)

ويجلب مستثمرون محليون مصاف مؤقتة صينية وتركية الصنع عبر تركيا بعضها يعالج ما بين 500 و1000 برميل يوميا.

ثم يباع الإنتاج إلى تجار جملة وتجزئة في مراكز لتجارة الوقود عبر عدد من البلدات في الأجزاء التي يسيطر عليها مقاتلو المعارضة بشمال غرب سوريا وشرقها. وتتراوح أسعار النفط المكرر بين 50 و60 دولارا للبرميل وهو ما يزيد ثلاث مرات تقريبا عن سعر النفط الخام.

ويباع لتر البنزين الناتج من هذا الخام المكرر محليا بحوالي نصف دولار أي بثلث سعر البنزين ذي النوعية الجيدة الذي يباع في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة، وفق ما قاله تجار نفط في إدلب بغرب سوريا.

مشترون
وبين مشتري النفط الخام -سواء بشكل مباشر أم غير مباشر- رجال أعمال قريبون من دائرة الأسد المقربة، ومحركهم الأساسي هو هامش الربح الكبير، حسبما قال وسيط يدير شبكة من سيارات الصهاريج التي تنقل النفط الخام إلى اللاذقية حيث ينتشر الدعم للأسد على الساحل الغربي.

ولا يخلو الأمر من ترتيبات ضمنية بين الدولة الإسلامية ومسؤولي الحكومة في بعض المناطق لضمان عدم قطع الخدمات الأساسية مثل الكهرباء والماء أو تدميرها.

ويقول سمير العيطة -اقتصادي سوري يقيم في الخارج- "هناك معادلة لا يتكلم عنها أحد في الحرب السورية. هي لم تتحول حتى الآن لحرب شاملة. والأطراف التي تتقاتل مع بعضها البعض ما زالت تتبادل الخدمات والمساومات".

ويقول تجار نفط إن الدولة الإسلامية بعد أن سيطرت على آبار نفطية ما زالت تحمي بعض الأنابيب التي تنقل النفط الخام الذي يضخه الأكراد في حقولهم بشمال شرق سوريا إلى مصفاة تديرها الحكومة في حمص نظير مبالغ مالية.

وقال مدير تنفيذي كردي "يتقاضون رسوما ومصاريف نقل حتى يمر النفط دون تفجير" خط الأنابيب.

 

 

المصدر : رويترز