دعاية فنية مكشوفة

للكاتب علي البتيري مع الملخص التالي: ماذا سيستفيد القارئ والمتابع إذا عرف الأكلة المفضلة لدى مطرب أو ممثل ما، ونوع السيارة التي يحب قيادتها، ولون الحذاء الذي يفضل

علي البتيري

في الوقت الذي نتطلع فيه إلى الارتقاء بالفن العربي المعاصر، وإلى رفد الحركة الفنيّة بكل ما هو جديد مبتكر ومتوهج بالإبداع، نجد على الطرف الآخر البعيد عن الالتزام برسالة الفن الراقية مشرفين على الصفحات والزوايا الفنية في صحفنا العربيّة الورقيّة والإلكترونية.

يمتهن هؤلاء صنعة الفن بأسلوب موظف الدّعاية الذي لا يتورع عن الترويج لكل ما هب ودب من الأعمال الفنيّة، خاصَّة على صعيد الغناء، ودون أن يميزوا بين الغَث والسمين وبين المنتج الفني الراقي والآخر الهابط الذي قد يشوه الفن ويفسد الذوق.

لوجه الحق نقول إن بعض دعاة ومروجي المعطيات الفنية يعرضون أعمالا متواضعة على قاعدة المجاملة ومصلحة الدعاية المشتركة، بدلا من أن يتناولوها عبر منظور نقدي موضوعي، يتخذ من الجودة والمعافاة مقياسا لتغطية إعلاميّة، أو مراجعة نقديَّة تتصف بنزاهة التقويم أو التّقييم.

هناك أعمال غنائيَّة أو دراميَّة تتفاوت في القيمة والحجم ومستوى الفاعلية والتأثير، ولا بد من قياس مسافات التفاوت بحياد يلتزم برسالة الفن، ينتصر للعمل الفني الجيد أو المتميز الجودة. وفي المقابل ترفض أسلوب التطبيل والتزمير لأعمال متدنية المستوى، خالية من أي إضافة تذكر للمكتبة الفنية العربية.

ليس من اللياقة بمكان أن تبني العلاقات الشخصيَّة، والمجاملات المزاجية الانطباعية على حساب الجمهور وذائقته ووعيه، فتنصب الأفخاخ وإغراءات الجذب المصطنع، والصيد المجاني على طريق القارئ أو السامع أو المشاهد العربي، مع ادعاء هؤلاء بأنهم يكتبون ويروجون على قاعدة (الجمهور عايز كده) زاعمين أنهم ومن يطبلون لهم ينزلون عند رغبة القارئ أو المشاهد.

من حق القارئ العربي المتتبع لما يعرضه السوق ويروّج له، أن يتساءل عن سر هذا التهافت من قبل فنانين متسطحين لا يعتد بهم ولا بفنهم على الصفحات والمنابر الفنية في الصحافة العربيّة

بضاعة كاسدة
وما دام الأمر كذلك، فإن الصفحات والزوايا الفنيَّة في الصحف والمجلات العربيَّة، وعبر المواقع الالكترونية لا تلبث أن تتحوّل إلى منصات عرض رخيص لبضاعة فنية كاسدة، أو لا تلقى إقبال الداخلين إلى السوق الفنيّة أو الخارجين منها وأيديهم فارغة.

هل تفيد هذه الاستعراضات الفنيَّة الخالية من الدسم إعلاميَّة كانت أم نقديَّة، في مسألة النهوض الفني والارتقاء بمستوى ما يُقدم من أعمال؟ وهل تضيف تلك الاستعراضات المذكورة شيئاً لثقافة القارئ المهتم، والمثقل بهموم وأعباء هذا الزمن الرديء؟

في الحقيقة، إن القارئ العربي المتتبع لما يعرضه السوق ويروّج له، من حقّه أن يتساءل عن سر هذا التهافت من قبل فنانين متسطحين لا يعتد بهم ولا بفنهم على الصفحات والمنابر الفنية في الصحافة العربيّة دون أن يشبعوا أو يقنعوا من المديح الكاذب أو النفاق المأجور الذي يكال لهم دون خشية من أصحاب الأقلام المراهنة على الإبداع الجاد والفن الملتزم بالرقيّ والعطاء المتميّز.

لا نعدو الواقع إذا ما قلنا إن ثلة من المطربين والملحنين والممثلين لا يملون ولا يسأمون من طرق أبواب الصحافة الفنيَّة من أجل الإضاءة المنحازة والمستمرة على جهودهم وثمارهم الفجَّة السقيمة في معظمها، وفي المؤسف والمصيبة أعظم، أنهم يلقون آذانا صاغية، وأقلاماً مستجيبة. وهنا يختلط في صحافتنا الفنيَّة الغث بالسمين، والجيّد بالرّديء، والمتوهج بالباهت الخافت، والمؤثر الجاذب بسراب غيره الكاذب. إذ ما أبعد الفرق بين دعاة النهوض الفني وأدعيائه!

للخروج السليم والآمن من هذا الجو المعبأ بضجيج وصخب الدعاية الفنيَّة غير الملتزمة والمغرضة، لا بُدَّ من تنقية هذا الجو من أي تلوث يشوبه، ولا بُدَّ من ترسيخ وتعزيز الموضوعيَّة النقديَّة في كواليس وأدراج الصحافة الفنيّة ورقية كانت أم إلكترونية.

تهافت النجوم
وحتى يتسنى لنا ذلك الخروج المنشود، لا بد من أن يكف أصحاب الأسماء الفنية المعروفة وغير المعروفة عن هذا الشغب النرجسي الذي يدفعهم باستمرار إلى حشد صورهم وأخبارهم التي لا تنقطع، فإن لم يصدر لهم عمل فني جديد نراهم يمطرون الصحافة الفنية بأخبارهم وتحركاتهم الشخصيّة الاجتماعيّة التي تصل أحياناً إلى زيارة المطرب الفلاني إلى مطعم وإقامته في فندق ما، إضافة إلى العلاقات العاطفية التي تنتهي بزواج أو طلاق.

هناك مطربون وملحنون وممثلون لا يملون ولا يسأمون من طرق أبواب الصحافة الفنيَّة من أجل الإضاءة المنحازة والمستمرة على جهودهم وثمارهم الفجَّة السقيمة في معظمها

والأمرّ من ذلك وجود محررين فنيين يتصيدون هذه الأخبار التي لا علاقة لها بالفن الأصيل ويحرصون على نشرها لغرض ما، بحجَّة أن القراء يحبون هذه الأخبار، بل يبحثون عنها.

عجيب أمر هؤلاء، ما الذي يفيدنا أو يضيف لثقافتنا إذا ما عرفنا الأكلة المفضلة عند مطرب أو ممثل ما، ونوع السيارة التي يحب قيادتها، ولون الحذاء الذي يفضل أن يلبسه، علماً بأن هذه الفلاشات اللامجدية قد تصل إلى ما دون ذلك من تفاهة واستخفاف بوعي الجمهور المحبّ للفن والفنانين.

ماذا يعني حرص ناقد فني ما على فتح "منبر" يومي أو أسبوعي لمطربين وممثلين ومخرجين وكتاب نصوص يتباهون بسطحية وسذاجة أعمالهم، ويتحركون بخيلاء في الاتجاه المعاكس لوجداننا وذوقنا وحاستنا السادسة كما يقولون؟!

هل يريد مثل هذا الناقد الدعائي أن يُقنعنا بأن الفن المعلب، والوجبات الفنية السريعة، والأغنيات الخالية من الدّسم والطعم ألذ وأكثر فائدة من النتاج الطازج المميز جملة وتفصيلاً؟

باختصار، المسافة وعرة وشائكة وبعيدة بين الجمهور الواعي والمثقف، وبين نجوم اللاالتزام واللامسؤولية.

المصدر : الجزيرة