رائد عيسى.. ريشة تستلهم الفن من الدمار بغزة

لوحة لطفل جريح أصيبت بشظايا الصواريخ الإسرائيلية
الفنان رائد عيسى يعرض لوحاته التي استخرجها من أنقاض الدمار الإسرائيلي (الجزيرة)

أيمن الجرجاوي-غزة

بكثير من الإصرار والتحدي، يُلملم الفنان التشكيلي الفلسطيني رائد عيسى ما تبقى من لوحاته من بين أنقاض منزله الذي دمرته الطائرات الإسرائيلية في العدوان الإسرائيلي الأخير على قطاع غزة، فريشته المقاومة لم تألف "الانحناء".

تدمير المنزل أفقد الفنان الفلسطيني مرسمه ونحو 300 لوحة فنية رسمها أثناء مسيرته التي بدأت قبل نحو 15 عاما، فصورة الجريح أصيبت بالشظايا، وصورة المنزل أحرقت بالصواريخ، لكن صورة ذلك المقاوم الملثم بقيت كما هي رغم تطايرها لمئات الأمتار.  

ورغم ضياع مجهود سنوات طويلة عاشها الفنان متنقلا بين الأفكار والمشاعر، عازفا على وتر الأمل في واقع صعب، فإن ذلك زاده إصرارا على المضي في إيصال رسالة شعبه، والتأكيد على حقه بأرضه ومقاومته للاحتلال الإسرائيلي.

أجزاء اللوحات الفنية الممزقة التي استطاع عيسى (39 عاما) لملمتها من تحت ركام منزله الواقع وسط القطاع، ومن فوق أسطح المنازل المجاورة، يحتفظ بها جيدا، فهي شاهد إضافي على الجرائم الإسرائيلية التي طالت كل شيء في غزة.

‪لوحة الملثم للفنان رائد عيسى‬ (الجزيرة)
‪لوحة الملثم للفنان رائد عيسى‬ (الجزيرة)

مسيرة حافلة
وكان لمشاركة الفنان الفلسطيني في الأكاديمية الصيفية بمؤسسة خالد شومان بإشراف الفنان السوري المقيم في ألمانيا مروان قصاب باشي بين 1999 و2001، وحصوله على الجائزة الثالثة في المعرض الختامي أثر كبير على مسيرته الفنية.

برز اسم عيسى في العام 2003 حين اشترك في مسابقة "الفنان الشاب" بمؤسسة عبد المحسن القطاع في رام الله بالضفة الغربية، وعرض خلالها 99 لوحة فنية أسماها "الفجيعة"، وحازت حينها الجائزة الأولى.

و"الفجيعة" عمل فني موحد استُلهم مفهومه من المشاهد المريعة لأجساد الجرحى والشهداء خلال انتفاضة الأقصى التي انطلقت شرارتها في سبتمبر/أيلول 2000، إذ حوّلت اللوحات المآسي إلى عمل فني مميز، لكن بعض لوحات العمل مُزقت بفعل تدمير المنزل.

الفنان الفلسطيني أقام في مدينة جنيف إقامة فنية في العام 2007 لمدة عام ونصف، وأنشأ معرضا هناك بدعوة من بلدية جنيف، وفي العام 2009 شارك في "أرت دبي"، وحصل في العام 2011 على منحة لإقامة فنية في مدينة الفنون بباريس.

وشارك عيسى في "بينالي باري" الثالث عشر للفنانين الشباب من أوروبا وحوض البحر الأبيض المتوسط في إيطاليا، وعُرضت أعماله في العديد من المعارض في فلسطين وخارجها، ووجهت له دعوات للمشاركة في ورشات عمل وإقامات فنية في بريطانيا وفرنسا وسويسرا والأردن.

‪لوحة رسمها الفنان لمنزله المدمر ووضعها داخل المنزل‬ (الجزيرة)
‪لوحة رسمها الفنان لمنزله المدمر ووضعها داخل المنزل‬ (الجزيرة)

دافع قوي
أعمال عيسى الفنية عالجت قضايا الحروب على غزة وأحوال مخيمات اللاجئين الفلسطينيين والأسرى في السجون الإسرائيلية، والمقاومة، وكذا مواضيع اجتماعية مهمة.

ولم يوقف تدمير المنزل وخسارة المواد الخام والكتب الفنية مسيرة الفنان الفلسطيني، بل تحوّل ذلك إلى دافع قوي لممارسة عمله من فوق الركام، وأصبح المنزل معرضًا لما تبقى من الرسومات القديمة والرسومات الجديدة، وملهِمًا في الوقت نفسه.

صور العدوان الإسرائيلي ألهمت عيسى رسم لوحة فنية لطفل فلسطيني يحاول العثور على أغراضه الشخصية أمام منزله المدمر، ويحمل أشياء غير واضحة المعالم حصل عليها من بيته، لكن ابتسامة الخجول الساذجة لم تفارق محياه.

‪لوحة لطفل يقف أمام منزله المدمر يجمع ما تبقى من أشيائه‬ (الجزيرة)
‪لوحة لطفل يقف أمام منزله المدمر يجمع ما تبقى من أشيائه‬ (الجزيرة)

المقاومة بالريشة
يُبدي رائد عيسى كثيرا من التمرد على الواقع المرير الذي يعيشه الشعب الفلسطيني، ويصرّ على استكمال مشواره الفني مهما حصل، "فتدمير البيت والمرسم لن يسكتنا وسنبقى نقاوم بالريشة وننقل معاناتنا ومعاناة شعبنا عبر لوحات فنية أسمى من أفعال وإجرام الاحتلال".

وثمة رسالة يريد عيسى إيصالها للعالم من خلال إصراره على عرض رسوماته فوق أنقاض منزله المدمر، وهي "أننا شعب لنا ثقافتنا ونحب الحياة رغم كل الآلام، ومستمرون بإنسانيتنا، وليس كما يزعم الاحتلال أننا شعب جاهل".

الحصار الإسرائيلي وإغلاق معابر قطاع غزة أعاق تحركات عيسى وأحبط مشاركته في كثير من التظاهرات الفنية الخارجية، لكن طموحه يبقى في عرض أعماله الفنية في المتاحف الأوروبية لرفع اسم فلسطين عاليا.

المصدر : الجزيرة