الحملة الصهيونية على فلسطين ومعلّم التاريخ

حكومة نتنياهو تتطلع لضم الضفة الغربية للسيادة الإسرائيلية، بالصور مشروع مستوطنة كتسير حريش التي تقام على جانبي الخط الأخضر شمال الضفة الغربية، آب/أغسطس 2016.
حملات عديدة شهدها تاريخ الشرق العربي، حيث نشرت هذه الحملات الغازية جيشها، ونصبت خيامها وأقامت قصور ملوكها على الأرض العربية، وبعضها أقام القلاع والحصون والمسارح كالحملة الرومانية التي تركت وراءها الآثار جاثمةً على الأرض العربية هنا وهناك.

ومعلم التاريخ في المدارس والجامعات الأكاديمية ظل يدرس مادة هذا التاريخ الممتلئ بصراع الحضارات بتمكن وبكل ثقة واعتداد، ولا سيما حين كان يضرب السبورة السوداء بظهر يده، ويشهر بيده الأخرى طبشورةً بيضاء، ليسجل لنا بحماسةٍ ظاهرة عوامل اندحار هذه الحملات المستعمرة لبلادنا واحدةً تلو أخرى.

ولعل فلسطين -قلب الوطن العربي- كانت أكثر عرضة وتركيزا، وهدفا إستراتيجيا مبيتا ومخططا له عند قادة تلك الحملات والهجمات الزاحفة بجيوشها على امتداد المنطقة العربية من العراق إلى بلاد الشام وأرض الكنانة.

لعل فلسطين -قلب الوطن العربي- كانت أكثر عرضة وتركيزا وهدفا إستراتيجيا مبيتا ومخططا له عند قادة تلك الحملات والهجمات الزاحفة بجيوشها على امتداد المنطقة العربية من العراق إلى بلاد الشام وأرض الكنانة

وتبقى القدس شاهدة على اندحار تلك الحملات والغزوات الدامية، ومؤيدة لمعلم التاريخ العربي في كل ما يقوله لطلابه عن شراسة تلك الحملات الكبيرة وطبيعتها الاستعمارية التسلطية على الشعوب والقبائل العربية التي جاءت أصلا من شبه الجزيرة العربية متحدرة من أصولها السامية.

ولعل شرح معلم التاريخ العربي القديم، كان في كل مرة يثلج صدر القدس وهو يتحدث عن خلاصها من أعباء و تبعات كل حملة تعرضت لها على مدى قرون عصيبة؛ من اندحار حملة الفرس إلى تقهقر الحملة الرومانية، وإلى انكسار الحملة الصليبية والقضاء على الحملة المغولية الوحشية التي جاءت لتأكل الأخضر واليابس، وتنصب أقواس نصرها من جماجم ضحاياها.

وظلت مدينة القدس العربية الإسلامية بكل قداستها وروائح الرسالات السماوية الزكية، وأماكن العبادة فيها، وآثار أقدام الأنبياء الذين مروا منها واستراحوا في مداخلها المباركة، ظلت على الدوام تشد على يد معلم التاريخ وتوجه له التحية، خاصة حين كان يضرب بظهر يده على السبورة السوداء ويسجل لطلابه بالطبشورة البيضاء عوامل هزيمة واندحار أو انهيار تلك الحملات المتعاقبة، وعلى رأس هذه العوامل صمود وجهاد الشعوب العربية وانتصاراتها بدءا بمعركة "ذي قار" ووصولا لمعركة حطين وانتهاء بمعركة عين جالوت التي سجلت أكبر هزيمة للمغول وجعلتهم إلى زوال.

ولكن معلم التاريخ العربي الحديث غير معلم التاريخ العربي القديم، مع أنه نفس المعلم وإن تغيرت وجوه تلاميذه الجالسين بكل انتباه على مقاعد الدراسة.

وهنا يجد التلاميذ معلمهم في موقف لا يحسد عليه حين يكون المطلوب منه -وفق المنهاج- التحدث بصدق وأمانة عن الحملة العسكرية الأخيرة على قلب المنطقة العربية الساخنة فلسطين، ألا وهي الحملة الصهيونية التي أخذت طابعا عالميا، وتمكنت من إقامة كيانها الصهيوني المعترف به دوليا على الأرض العربية في فلسطين، مغتصبة الأرض من أصحابها الشرعيين، متجبرة ومنكلة بشعبها العربي الأصيل، حيث شردت بالإرهاب وقوة السلاح من أصبحوا لاجئين في زمن الشتات، وقهرت وحاصرت وسلبت من بقي متشبثا بالأرض وقابضا على مفتاح داره سواء في أرض "48" أو في الأرض التي تم احتلالها بعد حرب "67"، ونعني بها الضفة الغربية وتاج رأسها مدينة القدس المباركة.

كان الله في عون معلم التاريخ، فماذا يجيب لو سأله أحد تلاميذه الأذكياء: وماذا عن الحملة الصهيونية على فلسطين، ومتى يا أستاذ ستسجل لنا بكل ثقة واعتزاز عوامل اندحارها وزوالها؟!

هنا سترتخي يد معلم التاريخ، فلا يقوى على ضرب السبورة السوداء بظهر يده اليُسرى ليكتب بالطبشورة البيضاء في يده اليمنى العوامل المستقبلية لاندحار الغزوة الصهيونية الضارية المستبدة في أرض فلسطين من نهرها إلى بحرها، على الرغم من أنه يرى بالبصر والبصيرة أحد هذه العوامل، وهو صمود شعب فلسطين وتضحياته وانتفاضاته المتلاحقة، وتصديه الأسطوري بالحجارة والسكاكين والصدور العارية لكل محاولات ومخططات الاغتصاب واستلاب الأرض والممتلكات حتى لو شدد المحتلون الحصار وبالغوا في قهر أصحاب الديار.

ترى ماذا سيقول معلم التاريخ الحديث لتلاميذه النجباء المتفائلين بزوال الاحتلال، وهو يطالع قبل حضوره إليهم نتائج المؤتمر الرابع عشر للاستيطان الذي أصر أباطرة الاستيطان الصهيوني على تسميته بمؤتمر القدس الرابع عشر للاستيطان هذا المؤتمر الذي نظمته الصحيفة الخاصة بالمستوطنين "بشيفع".

ترى ماذا سيقول معلم التاريخ الحديث لتلاميذه النجباء المتفائلين بزوال الاحتلال، وهو يطالع قبل حضوره إليهم نتائج المؤتمر الرابع عشر للاستيطان الذي أصر أباطرة الاستيطان الصهيوني على تسميته بمؤتمر القدس الرابع عشر للاستيطان

فهذا وزير الأمن الداخلي في حكومة نتنياهو "جلعاد أدران" يقول في المؤتمر، وبالحرف الواحد: رئاسة الرئيس الأميركي ترامب للولايات المتحدة تمثل فرصة تاريخية للقول إن أرض إسرائيل لنا، ويعني بها فلسطين.. كل فلسطين.

وهذا رئيس الكيان الصهيوني "رؤوبين إيفلين" يشددّ في المؤتمر المذكور على مسألة فرض السيادة على كل المستوطنات قبل تشريع القوانين الخاصة بها، وقد خص بهذه السيادة مستوطنة "معاليه أدوميم" شرق القدس، ومستوطنة "أرائيل" شمال الضفة الغربية، ومستوطنة "عتصيون" جنوبي الضفة.

وهذا وزير المواصلات "يسرائيل كاتس" يذهب إلى أبعد من ذلك فيطالب بضم القدس الكبرى والبناء في كل مكان.

ماذا سيقول معلم التاريخ لتلاميذه وهو يطالع قول "نفتالي بينيت" زعيم حزب البيت اليهودي في المؤتمر الاستيطاني المشؤوم وهو يوجه كلامه لرئيس الوزراء نتنياهو: نحن نعتمد عليك، ونثق بك 100% بأن تحمي أرض إسرائيل كدولة يهودية على أرض إسرائيل.

نعود إلى القول: كان الله في عون معلم التاريخ العربي الحديث، وهو يتابع مجريات ووقائع ما يسمى "مؤتمر القدس الرابع عشر للاستيطان" ولاسيما أنه يرى على أرض الواقع نهب الأرض الفلسطينية، وهدم البيوت العربية، واقتلاع أشجار الزيتون المعمرة من جذورها لتوسيع بناء مستوطنات مقامة من قبل، أو لإنشاء مستوطنات جديدة.

ماذا يقول لتلاميذه المجتهدين وهو يرى نهب فلسطين على مرأى ومسمع من العالم الحر دون أن يحرك هذا العالم ساكنا يذكر ويعول عليه، ودون أن تنهض أمته المغلوبة على أمرها، والغارقة في نزاعاتها وحروب فتنتها لترد الرد المناسب على هذه الحملة الصهيونية الظالمة التي تهدف إلى شطب اسم فلسطين عن الخارطة العربية وانتزاع اسمها العريق من ذاكرة التاريخ المعاصر.

ماذا سيقول لأحد تلاميذه إذا سأله: أين ذهبت فلسطين بعد أن غرقت في بحر من الاستيطان؟

هل سيقول له ماتت غرقا؟!

المصدر : الجزيرة