مقادير صنع الركود والأزمة المالية لعام 2020

An investor looks at an electronic board showing stock information at a brokerage house in Shanghai, August 25, 2015. China's major stock indexes sank more than 6 percent in early trade on Tuesday, after a catastrophic Monday that saw Chinese exchanges suffer their biggest losses since the global financial crisis, destabilizing financial markets around the world. REUTERS/Aly Song

*نورييل روبيني وبرونيللو روزا

إنها الذكرى السنوية العاشرة لانهيار ليمان براذرز، ولا تزال المناقشات دائرة حول أسباب الأزمة المالية والعواقب التي ترتبت عليها، وما إذا كنا استوعبنا الدروس اللازمة للتحضير للأزمة التالية. ولكن عندما ننظر إلى المستقبل، يُصبِح السؤال الأكثر أهمية هو ما الذي قد يشعل حقا شرارة الركود العالمي التالي والأزمة العالمية المقبلة، ومتى؟

من المرجح أن يستمر التوسع العالمي الحالي في العام المقبل، نظرا للعجز المالي الضخم الذي تديره الولايات المتحدة، والسياسات المالية والائتمانية المتساهلة التي تنتهجها الصين، واستمرار أوروبا على مسار التعافي. ولكن بحلول عام 2020، ستكون الظروف مهيأة لأزمة مالية، يعقبها ركود عالمي.

وهناك عشرة أسباب وراء هذا. فأولا، من الواضح أن سياسات التحفيز المالي التي تدفع النمو السنوي في الولايات المتحدة حاليا فوق مستوى 2%، الذي يعبر عن إمكاناتها، ليست مستدامة. فبحلول عام 2020، سوف تنفد أموال التحفيز، وسوف يسحب الثِقَل الضريبي المتواضع النمو من 3% إلى أقل قليلا من 2%.

وثانيا، لأن توقيت التحفيز كان سيئا، يعاني الاقتصاد الأميركي الآن من فرط النشاط، ويرتفع التضخم فوق المستوى المستهدف. وعلى هذا فسوف يواصل بنك الاحتياطي الفيدرالي الأميركي رفع أسعار الفائدة الفيدرالية من مستواها الحالي عند 2% إلى 3.5% على الأقل بحلول عام 2020، ومن المرجح أن يؤدي هذا إلى رفع أسعار الفائدة القصيرة الأجل والطويلة الأجل فضلا عن سعر الدولار الأميركي.

من المؤكد أن نزاعات إدارة ترامب التجارية مع الصين وأوروبا والمكسيك وكندا ومناطق أخرى سوف تتصاعد إلى الحد الذي يؤدي إلى إبطاء النمو وزيادة التضخم

من ناحية أخرى، يرتفع معدل التضخم في اقتصادات رئيسية أخرى أيضا، ويساهم ارتفاع أسعار النفط في فرض ضغوط تضخمية إضافية. وهذا يعني أن بنوكا مركزية رئيسية أخرى سوف تسير على خطى بنك الاحتياطي الفيدرالي نحو تطبيع السياسة النقدية، وهو ما سيقلل من السيولة العالمية ويفرض ضغوطا تدفع أسعار الفائدة إلى الارتفاع.

ثالثا، من المؤكد أن نزاعات إدارة ترامب التجارية مع الصين وأوروبا والمكسيك وكندا ومناطق أخرى سوف تتصاعد إلى الحد الذي يؤدي إلى إبطاء النمو وزيادة التضخم.

رابعا، سوف تستمر سياسات أميركية أخرى في إضافة المزيد من الضغوط التضخمية المصحوبة بالركود، وهو ما من شأنه أن يدفع بنك الاحتياطي الفيدرالي إلى رفع أسعار الفائدة إلى مستويات أعلى. والواقع أن الإدارة تقيد الاستثمارات الداخلة/الخارجة وعمليات نقل التكنولوجيا، وهو ما من شأنه أن يؤدي إلى تعطل سلاسل الإمداد. فهي تقيد المهاجرين المطلوبين للحفاظ على النمو في ظل الشيخوخة السكانية في الولايات المتحدة. وهي تثبط الاستثمار في الاقتصاد الأخضر، ولا تتبنى سياسة خاصة في التعامل مع قضايا البنية الأساسية لمعالجة اختناقات جانب العرض.

خامسا، من المرجح أن يتباطأ النمو في بقية العالَم، وبشكل أكبر كلما سنحت لدول أخرى فرصة الانتقام من سياسات الحماية الأميركية. ويتعين على الصين أن تعمل على إبطاء نموها للتعامل مع القدرة الفائضة والإفراط في الاستعانة بالروافع المالية؛ وإلا فإن هذا من شأنه أن يشعل شرارة الهبوط الحاد. وسوف تستمر الأسواق الناشئة الهشة بالفعل في الشعور بالضائقة الناجمة عن سياسات الحماية والظروف المالية المتزايدة الإحكام في الولايات المتحدة.

سادسا، سوف تشهد أوروبا أيضا تباطؤ النمو، نظرا لإحكام السياسة النقدية والاحتكاكات التجارية. وعلاوة على ذلك، ربما تؤدي السياسات الشعبوية في دول مثل إيطاليا إلى انطلاق ديناميكية ديون غير مستدامة داخل منطقة اليورو. وسوف تعمل "حلقة الهلاك" التي لم تُحَلّ بعد بين الحكومات والبنوك التي تحتفظ بديون عامة على تضخيم المشاكل الوجودية المترتبة على اتحاد نقدي غير مكتمل في ظل قدر غير كاف من تقاسم المخاطر. وفي ظل هذه الظروف، ربما تدفع دورة انكماش عالمية أخرى إيطاليا وغيرها من الدول إلى الخروج من منطقة اليورو بالكامل.

سابعا، تتسم أسواق الأسهم الأميركية والعالمية بالسطحية. فقد أصبحت نسب السعر إلى الربحية في الولايات المتحدة أعلى بنحو 50% من المتوسط التاريخي، كما أصبحت تقييمات الأسهم الخاصة مفرطة، والسندات الحكومية باهظة الثمن، نظرا لعوائدها المنخفضة وعلاوتها الزمنية السلبية. كما أصبح الائتمان العالي الربحية متزايد التكلفة الآن بعد أن بلغ معدل الروافع المالية في الشركات الأميركية ارتفاعات غير مسبوقة تاريخيا.

علاوة على ذلك، من الواضح أن مستوى الروافع المالية في العديد من الأسواق الناشئة وبعض الاقتصادات المتقدمة مفرط. وأصبحت العقارات التجارية والسكنية مكلفة للغاية في العديد من أجزاء العالَم. وسوف يستمر التصحيح في الأسواق الناشئة للأسهم والسلع الأساسية وحيازات الدخل الثابت في حين تتجمع سحب العاصفة العالمية. ومع بدء المستثمرين الذين ينظرون إلى المستقبل في توقع تباطؤ النمو في عام 2020؛ سوف تعيد الأسواق تسعير الأصول المحفوفة بالمخاطر بحلول عام 2019.

ثامنا، بمجرد حدوث التصحيح، سيصبح خطر نقص السيولة والبيع بأثمان زهيدة أو أقل من سعر السوق أكثر حدة. وهناك انخفاض في أنشطة الصنع والتخزين في السوق من قِبَل وسطاء التداول. وسوف يعمل التداول العالي التكرار/الخوارزمية على رفع احتمالات "الانهيار السريع". كما أصبحت أدوات الدخل الثابت أكثر تركيزا في صناديق الائتمان غير المحددة المتداولة في البورصة والمخصصة.

بما أن ترامب بدأ بالفعل حربا تجارية مع الصين ولأنه ما كان ليجرؤ على مهاجمة كوريا الشمالية المسلحة نوويا، فإن آخر أفضل أهدافه سيكون إيران. ومن خلال استفزاز مواجهة عسكرية معها؛ فإنه قد يشعل شرارة صدمة جيوسياسية ركودية تضخمية

في حالة العزوف عن خوض المخاطر، لن يصبح بوسع القطاعات المالية في الأسواق الناشئة والاقتصادات المتقدمة المثقلة بالديون المقومة بالدولار الوصول إلى بنك الاحتياطي الفيدرالي بوصفه مقرض الملاذ الأخير. ومع ارتفاع التضخم وبدء تطبيع السياسة، لم يعد من الممكن الاعتماد على الدعم الذي قدمته البنوك المركزية خلال سنوات ما بعد الأزمة.

تاسعا، كان ترامب يهاجم بنك الاحتياطي الفيدرالي بالفعل عندما كان معدل النمو في الآونة الأخيرة 4%. ولنتخيل كيف قد يتصرف في العام الانتخابي 2020، عندما يكون النمو انخفض على الأرجح إلى ما دون 1% وبدأت تظهر الخسائر في الوظائف. الواقع أن احتمالات استسلام ترامب لإغراء "التأثير على عامة الناس" من خلال اختلاق أزمة في السياسة الخارجية مرتفعة، وخاصة إذا استعاد الديمقراطيون السيطرة على مجلس النواب هذا العام.

وبما أن ترامب بدأ بالفعل حربا تجارية مع الصين ولأنه ما كان ليجرؤ على مهاجمة كوريا الشمالية المسلحة نوويا، فإن آخر أفضل أهدافه سيكون إيران. ومن خلال استفزاز مواجهة عسكرية مع إيران، فإنه بهذا قد يشعل شرارة صدمة جيوسياسية ركودية تضخمية لا تختلف عن ارتفاعات أسعار النفط التي حدثت في أعوام 1973، و1979، و1990. وغني عن القول إن هذا من شأنه أن يجعل الركود العالمي القادم أشد حِدة.

أخيرا، بمجرد حدوث العاصفة الكاملة المبينة أعلاه، سوف تصبح أدوات السياسة العامة اللازمة للتصدي لها منقوصة إلى حد مؤلم. الواقع أن الحيز المتاح للتحفيز المالي محدود بالفعل بسبب الديون العامة الهائلة. وسوف تكون احتمالات الاستعانة بالمزيد من السياسات النقدية التقليدية محدودة بفِعل الميزانيات المتضخمة والافتقار إلى المساحة اللازمة لخفض أسعار الفائدة. وسوف تكون عمليات الإنقاذ في القطاع المالي غير محتملة في دول تشهد حركات شعبوية وحكومات شبه معسرة.

في الولايات المتحدة بشكل خاص، عمد المشرعون إلى تقييد قدرة الاحتياطي الفيدرالي على توفير السيولة للمؤسسات المالية غير المصرفية والأجنبية من خلال ديون مقومة بالدولار. وفي أوروبا، يتسبب صعود الأحزاب الشعبوية في زيادة صعوبة ملاحقة الإصلاحات على مستوى الاتحاد الأوروبي وإنشاء المؤسسات اللازمة لمكافحة الأزمة المالية المقبلة والتباطؤ التالي.

على النقيض مما حدث في عام 2008، عندما كانت أدوات السياسة العامة اللازمة لمنع السقوط الحر متاحة للحكومات، فإن أيدي صناع السياسات الذين يتعين عليهم أن يواجهوا دورة الانكماش التالية ستكون مقيدة في حين ستكون مستويات الدين الكلية أعلى مما كانت عليه خلال الأزمة السابقة. وربما تكون الأزمة والركود التاليان أكثر حِدة وأطول أمدا من سابقتيهما.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.