كيف نفهم التحولات السياسية في السويد؟

blogs انتخابات السويد

التطرف ينظم الإيقاع
تحولات الشمال الجارفة
هواجس فقدان السيطرة التقليدية
مأزق السويديين الجدد
حصاد التحولات

تلافت السويد اكتساحا جارفا كاد اليمين المتطرف الصاعد أن يحرزه، لكن تقاليدها السياسية انقلبت رأسا على عقب في سنوات معدودات. كشفت انتخابات الأحد، 9 سبتمبر/أيلول 2018 اضمحلال الأحزاب الجماهيرية التقليدية إلى أدنى مستوياتها، فباتت عاجزة عن تشكيل ائتلاف يحظى بأغلبية برلمانية.

التطرف ينظم الإيقاع
نجت السويد من فوز ساحق لأقصى اليمين لم تستبعده تقديرات مُسبَقة، لكنّ حزب "ديمقراطيي السويد" الذي يقود المشهد المتطرف احتفظ باليد العليا في نظْم إيقاع السياسة وإذكاء مداولات الإعلام، بما عزّز مكاسبه الإستراتيجية وإن لم يتصدّر نتائج التصويت. بات الحزب بزعامة جيمي أوكيسون قوة مرجحة في التوازنات البرلمانية، بما سينعكس على الفرص الشائكة لتشكيل الحكومة. ولا يشترط النظام السويدي حيازة أحزاب الحكومة أغلبية نيابية، وهو ما يتيح تشكيل حكومة أقلية، لكن ينبغي عليها أن تكسب ثقة البرلمان.

نشأ حزب "ديمقراطيو السويد" من أوساط يمينية متطرفة مشبّعة بنزعات نازية، ثم نجح في دخول "الريكسداغن" سنة 2010 بـ6% من الأصوات منحته امتياز الجلوس على مقاعده النيابية. ضاعف الحزب المتطرف الحصيلة في انتخابات 2014 فبلغ 12% من الأصوات، ثم أضاف 6% أخرى في جولة 2018 فصار ضمن مصاف أحزاب الصدارة.

يواجه يسار الوسط المكون من تحالف الديمقراطيين الاجتماعيين وحزب البيئة وحزب اليسار، ويمين الوسط المكون من التحالف البرجوازي بأحزابه: المحافظين والوسط والليبراليين والمسيحي الديمقراطي، معضلة انحسار الحزبين الأكبر في الجبهتين إلى أدنى مستوى لهما تقريبا، وقد صعدت أحزاب الأطراف بوضوح، بما في ذلك التقدّم الملحوظ لليسار قبالة النجاح المطرد لأقصى اليمين.

نجت السويد من فوز ساحق لأقصى اليمين لم تستبعده تقديرات مُسبَقة، لكنّ حزب "ديمقراطيي السويد" الذي يقود المشهد المتطرف احتفظ باليد العليا في نظْم إيقاع السياسة وإذكاء مداولات الإعلام، بما عزّز مكاسبه الإستراتيجية وإن لم يتصدّر نتائج التصويت

جسّدت النتائج انقسام الحياة السياسية وتصدّع المشهد المجتمعي، ومن مفارقات الصدع أنّ ائتلاف يسار الوسط الحاكم لم يتقدّم على منافسه في يمين الوسط سوى بمقعدين وهو ما يجعل احتمالات التشكيل الحكومي متأرجحة بين يسار الوسط ويمين الوسط، مع احتمال خوض انتخابات مبكرة قد تدفع بمفاجآت.

تحولات الشمال الجارفة
عصفت التحوّلات ببلد اشتهر بالتزامه القيمي وانفتاحه السياسي واحتفائه بالتنوّع وبتجربة ديمقراطية اجتماعية (اشتراكية) ريادية. انتهى عهد رئيس الوزراء الاشتراكي الأسبق ألوف بالمه إلى غير رجعة، في اغتيال معنوي لإرثه بعد ثلاثة عقود من اغتياله فيزيائيا في إحدى ليالي استوكهولم.

أظهر الموسم الانتخابي الجديد تحوّلات جارفة، فقد انتهى صيف 2018 في السويد بحرائق غابية وأخرى سياسية. وإن ارتبطت أدخنة الغابات غير المسبوقة بتحوّلات المناخ التي غيّرت ملامح المواسم في بلاد الشمال؛ فإنّ السياسة ظلّت تواجه استحقاق النظر في مرآة واقعها المتغيِّر، أو المنقلب رأساً على عقب.

تفاعلت في إنتاج التحوّلات عوامل شتى، من بينها تحول الثقافة الحزبية في أوروبا التي تآكلت معها الأحزاب الجماهيرية الكبرى فخسرت قطاعات واسعة من جمهورها التقليدي، وصعود أقصى اليمين الذي نجح في بلدان أوروبية عدة في التصدر حتى صار شريكا في الحكم في كل من النمسا وإيطاليا. وقد كان للمخاوف والهواجس تأثيرها المؤكد في إذكاء الحالة التي تستبدّ بها خطابات شعبوية ما كان بالوسع تصوّر مثيلها في السويد قبل سنوات قليلة.

يعاني المجتمع السويدي من متلازمة القلق الجمعي التي ترافق التحولات المتسارعة عادة؛ بما يضغط على الديمقراطية الراسخة ويجعل من مواسمها الكبرى محطات للشحن العنصري وتأجيج خطاب الكراهية. يلمس السويديون مثل غيرهم تحوّلات تفرضها العولمة وأخرى تدفع بها تطوّرات التشبيك بما أوجدته من ظواهر مستجدة ترفع وتيرة النقد والتذمّر ومعاداة الأنظمة وتضخم الإحساس بالمشكلات.

كما يتراجع الشعور بالخصوصية الثقافية في عالم تتداخل فيه المؤثرات بصفة غير مسبوقة، فينبعث قلق الهوية الذي يعكس حنينا إلى الثبات أو المألوف المنعقد في زمن مضى، بما ساهم في نحت شعارات شعبوية تراهن على العودة إلى الماضي، وقد علَت هذه على جانبي الأطلسي مع صعود ترامب الذي وعد ناخبيه بـ"إعادة أميركا عظيمة مجددا"، كما جرى أيضا مع حملة التصويت لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي لتعود "عظيمة ونسترجع "استقلالنا"، كما قيل وقتها.

وإن كانت الحالة المشهودة في أوروبا عموما فإنها تشتدّ في السويد تحت تأثير الإحساس المتعاظم بالمكوِّن الوافد الذي لا يستسيغ بعض الجمهور أن يرى أجياله وهي تقتطع نصيبا ملحوظا من الديموغرافيا وتطفو على السطح المجتمعي في المدن وتشكِّل الأغلبية في بعض الأحياء.

هواجس فقدان السيطرة التقليدية
في صعود اليمين المتطرف تعبير ضمني عن حالة القلق والانزعاج التي تغمر المجتمع السويدي التقليدي. يمكن فهم الحالة بالإحساس الجمعي بفقدان السيطرة التقليدية على الواقع، فمن كانوا يعدّون أنفسهم هم السويديون حصرا؛ صاروا يستشعرون انفلات المشهد من بين أيديهم وخروج الموقف عن نطاق تحكّمهم لصالح تأثيرات وافدة. ولهذه الحالة الانطباعية بنزعتها الجامحة والقابلة للتطرّف في الأحكام؛ طبيعة ساذجة أو غير عقلانية بالأحرى.

في سلوك المجتمعات "الأصلية" ما يحاكي الإحساس بالغيرة التي تنتاب بعض الأطفال عندما يبصر أشقاؤهم الصغار النور ويقتطعون نصيبا من اهتمام الوالدين. ليس بعيدا عن هذا المنحى؛ يعبِّر جمهور "الأصليين" عن رسائل ناقمة على الحكومة التي "لم تعدّ تكترث بنا؛ بل ينصرف اهتمامها إلى غيرنا الذي يحظى بالعناية والرعاية ويقتطع نصيبه من رفاهنا".

وفي ألمانيا التي استقبلت نحو مليون لاجئ في السنوات الأخيرة، وفق بعض التقديرات المُغالية نسبيا؛ تأخذ النبرة شكل استكثار بعضهم على اللاجئين ما يتلقونه من أموال الرعاية الاجتماعية، رغم أنّ الحسبة الموضوعية للدفعات تكشف أنها لا تكفي سوى لأساسيات العيش.

في صعود اليمين المتطرف تعبير ضمني عن حالة القلق والانزعاج التي تغمر المجتمع السويدي التقليدي. يمكن فهم الحالة بالإحساس الجمعي بفقدان السيطرة التقليدية على الواقع، فمن كانوا يعدّون أنفسهم هم السويديون حصرا؛ صاروا يستشعرون انفلات المشهد من بين أيديهم

لكنّ ملف الهجرة واللجوء صار على أي حال من أبرز شواغل المجتمع والإعلام والسياسة في السويد وأوروبا الغربية عموما، فانتهزت الخطابات الشعبوية الانشغال باستحواذها على امتياز تشخيص المشكلة والاجتراء على تحديد الحل بخيارات سطحية ساذجة ومتعسِّفة. فالمهاجرون واللاجئون هم عندها المشجب الجاهز لتعليق الأوزار كافّة عليه، ويبقى التصرّف الصارم معهم حلاّ مركزيا لمعضلات البلاد، حسب الرواية، التي ترى في الإحجام عن التصرّف تهديدا وجوديا وخيم العاقبة. يلجأ هذا الخطاب إلى ثنائية "نحن" و"هم"، فيراهن على شق صفوف المجتمع السويدي المتنوِّع في واقعه على أمل تحسين المكاسب في مواسم التصويت.

تُسدي بعض التطورات خدمة جليلة لهذا الخطاب المتشنج، خاصة مع تصاعد الجريمة المنظمة وتصارُع عصابات المافيا في الجنوب السويدي تحديدا. بلغ الأمر مبلغه مع تصفية الحسابات الدامية بين هذه العصابات التي ترتبط عادة بأوساط من خلفية مهاجرة.

صار مشهد إحراق السيارات في مالمو حدثا تقليديا، ومثله وقائع إطلاق النار على قارعة الطريق وسقوط ضحايا في وضح النهار في عمليات ثأر متبادلة، بما يشير إلى تفاقُم معضلة عشائر المافيا التي تفرض سطوتها في بعض المناطق بما أوقع 43 قتيلا في سنة 2017. لم يقاوم حزب "ديمقراطيي السويد" المتطرف إغراء الموقف، فأخذ يستغلّه بعناية بتصعيد نبرته، خاصة وأنّ بعض الهجمات استهدفت مقارّ للشرطة.

يدفع هذا المكوِّن السكاني الوافد الثمن مضاعفا بتكبّده ضريبة الانفلات الأمني من أمان أحيائه وسلامة أبنائه، وبتحميله المسؤولية التعميمية في خطابات التأجيج السياسي عن هذا التدهوُر في الوقت ذاته. تضغط هذه الحالة الأمنية والإجرامية على المجتمع عموماً وعلى المكوِّن الوافد خصوصا، أسوة بحالات شبيهة في بعض تجارب الهجرة؛ التي تتشكّل في ثناياها شبكات منظمة تستند إلى روابط إثنية وعشائرية تدير اقتصاد الظلّ القائم على الجريمة المنظمة وفرض الأتاوات وغسيل الأموال.

يتيح النشاط الإجرامي فرصا للإثراء والنفوذ لأوساط لا يستشعر أبناؤها حظوة اقتصادية ومجتمعية، فيصير كسبهم السهل غير المشروع طريقا معبّدا لتجريب وعود مجتمع الرفاه المحيط بهم؛ والتي لا تتحقق بالقدر ذاته لمن هم أدنى في القدرة الاقتصادية أو المؤهلات التعليمية أو خبرات الأجيال وعمق التجذّر التاريخي في البلاد.

يواجه المكوِّن الوافد في السويد مأزقاً مركّباً مع ثقافة الهواجس هذه. فقد ورث المهاجرون القادمون من وراء البحار أعباء التموضع ضمن فئات غير محظية في تقاليد التنافر الطبقي الذي عرفته أوروبا في مراحل مضت، بما يجعل التذمّر الاستعلائي التقليدي من "الأجانب" شبيهاً في بعض ملامحه بالنظرة البروجوازية النمطية نحو الفئات الكادحة أو الأوساط محدودة الدخل

وللعنف في السويد تمظهرات أخرى، منها ما ينبثق عن أوساط اليمين المتطرف الذي يشن هجمات مادية متعددة في أنحاء السويد بما فيها اعتداءات على المساجد، وهي الحالة المسكوت عنها تقريبا في المداولات السياسية.

مأزق السويديين الجدد
يواجه المكوِّن الوافد في السويد -كما في بلدان أوروبية أخرى تشهد حمّى شبيهة- مأزقاً مركّباً مع ثقافة الهواجس هذه. فقد ورث المهاجرون القادمون من وراء البحار أعباء التموضع ضمن فئات غير محظية في تقاليد التنافر الطبقي الذي عرفته أوروبا في مراحل مضت، بما يجعل التذمّر الاستعلائي التقليدي من "الأجانب" و"المهاجرين" و"اللاجئين" شبيهاً في بعض ملامحه بالنظرة البروجوازية النمطية نحو الفئات الكادحة أو الأوساط محدودة الدخل.

وتتدخّل مسائل الهوية والثقافة لتزيد الوطأة المعنوية على كواهل المحسوبين على الأصول الأجنبية، علاوة على مفعول الإسلاموفوبيا المتأججة. وقد أصبحت إملاءات الامتثال لما تسميها النخبة السياسية "القيم السويدية" تطارد المكونات الوافدة، بينما تواصل الحمى الشعبوية انتهاك القيم على طريقتها.

يواجه مجتمع "السويديين الجدد" تحديات على صعيد فرص أجياله في الصعود الاجتماعي، بتأثير عوائق غير مرئية تواجهها المكوِّنات الوافدة. ثمة سقف زجاجي يحول دون الصعود في مراتب متقدمة، أو تحت وطأة الفوارق الاقتصادية والتبايُن في المؤهلات وضعف التهيّؤ لاستحقاقات المشاركة في مجتمع لم يتجذّر فيه هؤلاء قياساً بأقرانهم المحسوبين على المكوِّن الأصلي. من شأن هذا أن يعزِّز بحث القانطين أو المتعجِّلين عن مسالك التفافية مُغرية لتحصيل الثروة وتحقيق الحضور، وهو ما يوفِّر بيئة حاضنة لحياة موازية أو مسارب تحت أرضية تنشط فيها أعمال غير مشروعة.

في النتيجة؛ صار الوعي الجمعي يصنِّف بعض الأحياء في السويد بصفتها "مناطق محظورة التجوال"، وهي وصمة مشبّعة بالمبالغة يجري الإسراف في إلصاقها ببعض الأحياء والضواحي في بلدان أوروبية؛ مثل سان دوني الواقعة شمالي باريس ومولمبيك في بروكسيل ونويْكولن في برلين. تعبِّر "الثقافات الفرعية" عن ذاتها في هذه الأحياء بصفة واضحة، بما يغري بنعت كل منها بالغيتو، في محاكاة رمزية لانغلاق أحياء يهودية أوروبية على قاطنيها في قرون مضت.

ترتدّ الوصمات التعميمية الجائرة على قاطني الأحياء بأعباء معنوية تزيد من صعوبات الحضور والانخراط والمشاركة في الحياة المجتمعية والاقتصادية والسياسية ضمن مجتمعاتهم الأوروبية، بما في ذلك فرص العمل والمشاركة في الحياة المجتمعية والسياسية، بما يُغذِّي المسالك الملتوية لتحصيل الثروة وإثبات الحضور. يلمح شاب ضعيف التأهيل وبلا فرصة واعدة في سوق العمل أحدهم وقد قفز سريعا بالاتجار بالمخدرات مثلا. وتستلب غواية السوق عيون فتية مراهقين فلا تقوى أسرهم محدودة الدخل على إرواء ظمئهم إلى أجهزة حديثة يحملها أقرانهم أو سيارات فارهة تنساح في طرقاتهم، فيلجأ بعضهم إلى طلبها من الباب الخلفي للحياة الاقتصادية.

ستكون فئات منخرطة في نشاطات إجرامية كافية في النهاية لوصم عموم المكوِّن الوافد بدمغة مشينة، فيصير عتاة العصابات ممثلين في الوعي الجمعي لأجيال صاعدة من خلفيات إثنية معيّنة؛ مع التنكّر في الوقت ذاته لأفواج الناجحين المتميِّزين في حقول شتى ضمن هذه الخلفيات، ومع تجاهل جسيم أيضا لخدمات جليلة تسديها هذه المجتمعات المحلية لاقتصاد البلاد ورفاه الشعب وتشغيل قطاعات متعددة، علاوة على الأبعاد القيمية التراحمية التي عزّزتها مكوِّنات محسوبة على قارّات وثقافات أخرى؛ رغم كل الصعوبات والعثرات التي تعتريها، ومنها إنعاش قيم الأسرة مثلا.

حصاد التحولات
جرت مياه وفيرة في بلد يتسيّد شبه الجزيرة الاسكندنافية. كانت السويد أكثر بلدان أوروبا استقبالاً للاجئين في السنوات الخمس الماضية بالنسبة إلى تعداد سكانها، حتى أوصدت أبوابها بإحكام، وهي فرصة مُثلى لاستعلاء الهواجس وبَعْث المخاوف الوجودية من مرقدها. لكنّ الديمقراطيات تواجه خطر التدهور عندما تستبدّ ثقافة الخوف بجمهورها، فهي حالة تُغري مشعلي الحرائق ومثيري الهلع لاستثمارها سياسياً وانتخابياً عبر تسخينها وتصعيدها، بما ينعكس على النتائج المتوقعة عندما يُطلَب من جمهور مرتعد الفرائص أن يحشو صناديق الاقتراع بأوراقه.

عندما ترضخ المجتمعات لسلطان الهواجس فقد تستسهل المروق من قيم ومبادئ والتزامات، وقد تتهاون مع نزعات عنصرية، وهو ما يُطفئ بريق تجارب ديمقراطية منفتحة ولو كانت مضرب الأمثال؛ كما في السويد

لا يتعامل الجمهور الخائف مع المعلومات بطريقة عقلانية بل يهيمن شعوره الجامح على تأويلها وانفعاله بها، وقد يرى بعض الأحداث من ثقب إبرة مأزقه النفسي وقد يعدّها براهين لاحقة على صدق تحذيرات سابقة أطلقها اليمين المتطرف.

لا يصحّ اختزال مؤشرات الربح والخسارة بنتائج الاقتراع وحدها، إذن. فإن كان التطرف اليميني قد تقدّم في نتائج الانتخابات بمنسوب غير مسبوق تاريخيا وصار ضمن الأحزاب الثلاثة الأولى في السويد؛ فإنّ تأثيره الأهم يفوق ذلك، بهيمنة خطابه على الساحة السياسية وتحاشي الأحزاب الجماهيرية الكبرى مواجهته خشية خسران بعض حظوظها في مؤشرات التصويت.

تبدو الحالة مغرية لبعض السياسيين المحسوبين على "الاعتدال" بأن يغترفوا من مستنقع التعبيرات المتطرفة، وأن يتملّقوا جمهوراً تستبدّ به الهواجس. ويبقى أنّ حكومة يسار الوسط الموصوفة بالاعتدال هي التي أعلنت عن إغلاق الباب في وجه اللاجئين وفرض رقابة على الحدود المفتوحة في أصلها بموجب اتفاقية شنغن تحت شعار "لا نستطيع أكثر من ذلك"، وهو ما يشير إلى أنّ الحكومات الأوروبية "المعتدلة" تباشر الرضوخ الهادئ لبرنامج أقصى اليمين الذي يواصل هوايته المفضلة في تأجيج المخاوف.

وعندما ترضخ المجتمعات لسلطان الهواجس فقد تستسهل المروق من قيم ومبادئ والتزامات، وقد تتهاون مع نزعات عنصرية، وهو ما يُطفئ بريق تجارب ديمقراطية منفتحة ولو كانت مضرب الأمثال؛ كما في السويد.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.