أربعة دروس من تجربة مصر في كأس العالم

Soccer Football - World Cup - Group A - Saudi Arabia vs Egypt - Volgograd Arena, Volgograd, Russia - June 25, 2018 Egypt players pose for a team group photo before the match REUTERS/Darren Staples

سافر فريق كرة القدم الوطني المصري إلى روسيا -للمشاركة في أول نهائيات لبطولة كأس العالَم يتمكن من بلوغها منذ 28 عاما- على ظهر موجة من التوقعات العالية، ومن حماس المشجعين العارِم.

والآن يعود الفريق إلى الديار بعد أن خسر كل المباريات التي خاضها، وهي ليست خيبة أمل بسيطة في بلد يأخذ الكرة والكبرياء الوطنية على محمل الجد؛ والآن بدأت لعبة تبادل اللوم التي يبدو أنها لن تستثني أحدا.

قد يكون هذا مفهوما، لكنه ليس مفيدا وليس بنّاء. والواقع أن هذا النهج يهدد بحجب دروس مهمة من الممكن أن تساعد ليس مصر فقط، بل وأيضا اقتصادات ناشئة أخرى، لتحقيق إمكاناتها الكبيرة، وليس فقط في عالَم كرة القدم.

يتمثل الدرس الأول المستفاد من مشاركة مصر في كأس العالم في إدارة التوقعات؛ فقد طغت على الفترة التي سبقت نهائيات كأس العالَم موجةٌ من الثناء المستحق على لاعب الفريق النجم محمد صلاح، الذي نال لقب أفضل لاعب كرة قدم في إنجلترا والدوري الإنجليزي في موسم 2017/2018، وأصبح معبود الملايين من المصريين

يتمثل الدرس الأول في إدارة التوقعات؛ فقد طغت على الفترة التي سبقت نهائيات كأس العالَم موجةٌ من الثناء المستحق على لاعب الفريق النجم محمد صلاح، الذي نال لقب أفضل لاعب كرة قدم في إنجلترا والدوري الإنجليزي في موسم 2017/2018، وأصبح معبود الملايين من المصريين.

أضف إلى هذا أن مِصر لم تتأهل لنهائيات كأس العالَم منذ عام 1990، الأمر الذي جعل التوقعات تتجاوز كثيرا ما قد يتمكن الفريق من تحقيقه واقعيا في البطولة.

ثم أصيب صلاح بخلع في الكتف، الأمر الذي اضطره إلى الخروج من مباراة فريقه ليفربول في نهائي دوري أبطال أوروبا ضد ريال مدريد، والجلوس بين البدلاء في مباراة مصر الأولى البالغة الأهمية في روسيا ضد أوروغواي.

ومع ذلك؛ ظل المصريون متمسكين بالأمل أكثر مما ينبغي في حقيقة الأمر، وانتهت بهم الحال إلى خيبة أمل أكبر من تلك التي كانت ستصيبهم واقعيا. وقد يتسبب مثل هذا الإحباط في الإفراط في تصحيح التوقعات في الاتجاه المعاكس.

ويتلخص الدرس الثاني في الاستفادة من مواطن القوة لدعم التنوع؛ إذ لم تكن جذور أمل المصريين العنيد في فريق كرة القدم الوطني -بعد إصابة صلاح- ممتدةً إلى معرفة مؤكدة بوجود سلاح سري آخر، من المنتظر أن يبهر جماهير الناس.

بل على العكس من ذلك؛ استمرت خطة اللعب المصرية في الاعتماد -بشكل كبير- على صلاح، الذي كانت موهبته معروفة جيدا؛ لكنه لم يتمكن من اللعب بكامل إمكاناته.

كما كان تطور تكتيكات الفريق بطيئا، حتى بعد أن قام المنافسون بتخصيص لاعبيْن أو ثلاثة لمراقبة صلاح. وبدلا من التنويع من موقع القوة؛ أصبح المديرون عالقين في "حالة نشطة من القصور الذاتي"، في محاولة لبذل المزيد من الجهد؛ لكنهم ظلوا محصورين في نهجهم الراسخ رغم أنه اصطدم بتحديات أساسية.

أما الدرس الثالث فهو إنهاء المهمة؛ في مباراة مصر الأخيرة في كأس العالم -والتي انتهت بخسارة ساحقة بهدف مقابل هدفين لصالح السعودية وأرسلت الفريق إلى مؤخرة المجموعة- سجل الفريق المنافس هدفيه في الوقت المحتسب، بدلا من الوقت الضائع في نهاية كل شوط.

ومن الواضح أن تركيز الفريق يتضاءل مع اقتراب المباراة من نهايتها، وقد ارتكبت ألمانيا نفس الخطأ فتلقت هدفين من كوريا الجنوبية في الوقت المحتسب بدلا من الوقت الضائع. لا يصلح هذا في كرة القدم، كما لا يصلح في عالَم الأعمال، أو صنع السياسات، أو أي مجال آخر؛ فالمفتاح إلى النجاح المستمر هو عدم الاستسلام أبدا إلى أن تنطلق صافرة النهاية.

وبدلا من التعامل مع خسارتهم كفشل؛ ينبغي للمصريين أن ينظروا إليها كتجربة يمكنهم أن يتعلموا منها، ومن الممكن أن تساعد في توجيه البلاد في سعيها لتحقيق إمكاناتها الكبيرة بشكل أكثر اكتمالا على جبهات متعددة. والواقع أن الدروس المستفادة من خيبة الأمل هذه يمكن تطبيقها خارج مجال كرة القدم، وخارج مصر أيضا

الدرس الأخير المستفاد من تجربة مصر في كأس العالَم هو أن المشاركة الدولية من الممكن أن تلعب دورا بالغ الأهمية في تعزيز رأس المال المحلي والموارد المحلية؛ ذلك أن اللاعبين -من أمثال صلاح- الذين تتاح لهم الفرصة للعب بالخارج في بطولات تنافسية عالمية؛ قادرون على تعميق وتوسيع مهاراتهم وتطوير فهم إستراتيجي أعرض للعبة.

وهذا يضعهم في موضع أفضل لتحسين أداء الفريق الوطني في المسابقات الإقليمية والعالمية. وقد ساهمت فعلا حركة اللاعبين المتزايدة عبر الحدود في التقارب بين مستويات مهارات الدول، والتي انعكست في تراجع هيمنة القوى التقليدية مثل الأرجنتين والبرازيل وفرنسا وألمانيا وإيطاليا وإسبانيا.

والواقع أن إيطاليا لم تتأهل لنهائيات كأس العالَم الحالية، وخسرت ألمانيا في دور المجموعات، وتعرضت الأرجنتين لرعب حقيقي.

إن اغتنام الفرص الدولية لتنمية رأس المال البشري، وإعادة المعرفة والخبرات الناتجة عن الاحتكاك إلى الوطن، ونشر ما يتم تعلمه بين عدد أكبر من الناس في الديار؛ يتطلب بذل قدر أعظم من الجهد. ويصدق هذا على كرة القدم بقدر ما يصدق على مساع أخرى كثيرة، من عمليات الأعمال التجارية إلى التكنولوجيا. لقد أظهر تأهلُ مصر لنهائيات كأس العالَم لكرة القدم أنها قادرة على التنافس على أعلى مستوى دولي.

وبدلا من التعامل مع خسارتهم كفشل؛ ينبغي للمصريين أن ينظروا إليها كتجربة يمكنهم أن يتعلموا منها، ومن الممكن أن تساعد في توجيه البلاد في سعيها لتحقيق إمكاناتها الكبيرة بشكل أكثر اكتمالا على جبهات متعددة. والواقع أن الدروس المستفادة من خيبة الأمل هذه يمكن تطبيقها خارج مجال كرة القدم، وخارج مصر أيضا.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.