صفقة ترامب.. هل ستنجح في تصفية القضية الفلسطينية؟

U.S. President Donald Trump, flanked by White House senior advisor Jared Kushner (2nd R) and chief economic advisor Gary Cohn (R), delivers remarks to reporters after meeting with Saudi Arabia's Deputy Crown Prince and Minister of Defense Mohammed bin Salman (L) at the Ritz Carlton Hotel in Riyadh, Saudi Arabia May 20, 2017. REUTERS/Jonathan Ernst

كنا قبل عام كتبنا مقالًا عن تفاصيل "صفقة القرن" ونشرناه على موقع الجزيرة، وتجنُّبا لأي تكرار فإننا نناقش تطورات هذه الصفقة في أيامها الأخيرة.

"صفقة القرن"، هذه هي العبارة الأكثر تداولًا في الأخبار هذه الأيام، ولكننا نُفضل تسميتها "صفقة ترامب" لتصفية القضية الفلسطينية، عبر مشروع صهيوأميركي منسجم مع مشروع "الشرق الأوسط الجديد" المنطلق من السلام الاقتصادي؛ لبناء مشروع سلام إقليمي يدشن تطبيعًا عربيا مجانيا مع "إسرائيل"، وإعادة رسم خريطة المنطقة بخلق محور جديد ضد إيران؛ محققًا الأمن لــ"إسرائيل" وشاطبًا العمق العربي لفلسطين.

صخب إعلامي وضجيج يصم الآذان في الحديث عن "صفقة القرن"؛ فلا تكاد تخلو وسيلة إعلام دولية أو عربية أو إسرائيلية من حديث عن مشروع دونالد ترامب، وتتباين وسائل الإعلام في قراءتها للصفقة أو في عرض تفاصيلها، ويبقى الغموض سيد الموقف، ولكن جيسون غرينبلات (مبعوث الرئيس الأميركي للسلام في الشرق الأوسط) أكد في فادته الأخيرة أن صفقة القرن في مراحلها الأخيرة للإعلان الرسمي عنها.

مصطلح "صفقة القرن" مصطلح قائم على أساس تضليلي، إذ يَسُوق موافقة طرفين أو أطراف طالما أنه "صفقة"، وكذلك يحاول تمرير أن أطراف الصراع قد حصلت على مبتغاها؛ والحقيقة هي أنها مجموعة إملاءات مفروضة أميركيًا، تنطلق من خلال انحياز كامل من إدارة ترامب تجاه "إسرائيل".

ويرافق هذا الانحيازَ تجاهلٌ لجميع الالتزامات السابقة وخاصة قضايا الحل النهائي، وفرض وقائع "إسرائيلية" على الأرض، وفرض حلول على الفلسطينيين وليس التفاوض معهم، مع احتفاظ مقصود بدرجة من الغموض البنّاء وفق فلسفة الإدارة الأميركية، مع محاولات لتمرير الصفقة عبر أطراف عربية تراها إدارة ترامب الأكثر مرونة في التعاطي مع الصفقة.

مصطلح "صفقة القرن" مصطلح قائم على أساس تضليلي، إذ يَسُوق موافقة طرفين أو أطراف طالما أنه "صفقة"، وكذلك يحاول تمرير أن أطراف الصراع قد حصلت على مبتغاها؛ والحقيقة هي أنها مجموعة إملاءات مفروضة أميركيًا، تنطلق من خلال انحياز كامل من إدارة ترامب تجاه "إسرائيل"

وللأسف لم تكن البيئة العربية مواتية مثلما هي اليوم لـصفقة ترامب الرامية لتصفية القضية الفلسطينية، حيث تنشغل بذاتها وبعض أطرافها منشغل بالرِّدة عن حرية الشعوب، ولأول مرة تُعقد قمة عربية تبشر بمصالحة تاريخية مع "إسرائيل" دون ضمان لحقوق الفلسطينيين!!

يقوم مخطط الصفقة على فوضى المنطقة القائم وسيولتها، ومن ثم إعادة تركيبها على قواعد سياسية جديدة، عنوانها تحالف إقليمي يضم "إسرائيل" كمركز، واعتماد إيران وحركة حماس وحزب الله أعداءً، ولذلك فإنّ عنوان هذه المرحلة الآسنة هو "التطبيع" الذي تلهث خلفه دول عربية كبرى.

وفي هذه المرحلة تجري أيضا محاولات لترويض غزة، ومحاولة لاحتواء حماس وإلا فاستئصالها عسكريا وأمنيا وضرب قوى الممانعة، واقتصاديًا بالسيطرة المطلقة على ثروات المنطقة، وفي القلب من ذلك غاز البحر المتوسط.

ومشروع التصفية هذا إنضاج لمشاريع سابقة سعت لتعزيز الحاضنة لوجود "إسرائيل"، في ظل تهديدات وجودية متزايدة، وفي ظل قناعات أميركية راسخة بالسيطرة والهيمنة على العالم، ويمر عبر بوابة السيطرة على الشرق الأوسط.

وتُوظف "إسرائيل" ذلك إستراتيجيًا في مصلحتها لتحقيق تصفية للقضية، باستثمار وجود أصحاب توجهات عنصرية متطرفة تسكن البيت الأبيض (جاريد كوشنر وجيسون غرينبلات ومايك بينس ونيكي هيلي).

إدارة دونالد ترامب اليمينية تستثمر هذه اللحظة التاريخية -بشكل متسارع- عبر إجراءات فعلية، وتطبيق صفقة ترامب حتى قبل الإعلان عنها، مع تزايد مؤشرات قرب الإعلان الرسمي عنها، فضلًا عن إعلام أميركي يقترب من الإفصاح عن ملامحها متكاملة.

ويجري أيضا عقد لقاءات عديدة مع أطراف ذات علاقة، ومنها لقاءات عربية معلنة وغير معلنة مع بنيامين نتنياهو (رئيس الوزراء الإسرائيلي) شخصيًا لتنسيق المواقف، كما كشفت ذلك وسائل الإعلام. هذا إضافة إلى التسريبات الإعلامية المقصودة لتحقيق غرض التشتت وخلط الأوراق والتنظير الاستباقي والإرباك.

وبقراءة لعدد من التسريبات والإصدارات -بما فيها تصريحات كوشنر والتقرير السياسي الذي قدمه صائب عريقات– ووفقاً لموقع "ميدل إيست آي" الذي قال إن واشنطن سلمت مشروع الصفقة لمحمود عباس (أبو مازن)؛ فإن ملامح الرؤية الأميركية لمشروع ترامب الصهيوأميركي لتصفية القضية الفلسطينية والمعروف بـصفقة القرن قائم على مسارات متعددة سياسيًا واقتصاديًا وأمنيًا.

وذلك عبر شطب القضايا الكبرى وعدم إخضاعها للتفاوض أو لوجهات نظر متعددة، ومن ذلك قضايا: القدس وحق العودة واللاجئين والمستوطنات وتبادل الأراضي والحدود وغور الأردن والسيادة على مناطق (أ وب وج)، وجميعها خاضعة للرؤية الصهيونية اليمنية، ولا تلبي أقل من الحد الأدنى فلسطينيًا، في تجاهل استعلائي للحق الفلسطيني والعربي، وتجاهل أيضا للقرارات الدولية والقانون الدولي الإنساني.

بقراءة لعدد من التسريبات والإصدارات -بما فيها تصريحات كوشنر والتقرير السياسي الذي قدمه صائب عريقات- ووفقاً لموقع "ميدل إيست آي" الذي قال إن واشنطن سلمت مشروع الصفقة لمحمود عباس (أبو مازن)؛ فإن ملامح الرؤية الأميركية لمشروع ترامب الصهيوأميركي لتصفية القضية الفلسطينية والمعروف بـصفقة القرن قائم على مسارات متعددة سياسيًا واقتصاديًا وأمنيًا

صفقة ترامب تُسقط حل الدولتين، وتجعل القدس "عاصمة إسرائيل" وخارج الحسابات الفلسطينية، وتعويضها بـ"أبو ديس"، والغموض هو سيد الموقف بشأن الأماكن المقدسة مع حفظ حق العبادة، فحائط البراق مصلى لليهود، والمسجد لصلاة المسلمين، والنصارى يعتمدون "درب الصليب".

ومن ذلك ضم الكتل الاستيطانية في الضفة لـ"إسرائيل" بنسبة تصل إلى (15%)، ويكفي للدولة الفلسطينية مناطق (أ وب) على شكل كانتونات، وفي المقابل يتم إقرار فلسطيني/عربي بيهودية "إسرائيل"، وما تبقى من فتات قضايا الحل النهائي يخضع للتفاوض مجددًا.

على الفلسطينيين التخلي عن حلمهم وحقهم في العودة وفق طموح كوشنر في صفقة ترامب من خلال مسمى دولة فلسطين، وستُعاد إليها بضعة آلاف ضمن مشروع "لمّ الشمل"، بينما تمضي أميركا في تقليص مساعداتها للأونروا على طريق إنهائها.

بعد ذلك ستتم العودة إلى خيار التوطين للفلسطينيين وخاصة في الأردن، ومنح الدول المستضيفة رشوة مجزية، وبوجود "دولة" ينتهي دور منظمة التحرير الفلسطينية بإغلاق مقرها في واشنطن، فلا حاجة للتحرير ولا لمنظمته.

الأمن الإسرائيلي هو الهمّ الأكبر للصفقة، ووجود دولة فلسطينية يلزم معه نزع السلاح منها باستثناء قوة شرطية تحرس حدود "إسرائيل"، وربما يتسع ذلك إلى محور أمني إقليمي يضمن احتفاظ "إسرائيل" بصلاحيات الأمن القصوى.

ومن ذلك أمن الأغوار، وأمن الموانئ والممرات الأمنية، وسيطرة أمنية على المياه الإقليمية والأجواء، وعلى الموجات الكهرومغناطيسية، والتعاون المشترك لملاحقة "التطرف الفلسطيني" الذي يهدد الأمن الإسرائيلي!!

لغة كوشنر المستخدمة في الترويج للصفقة تشي بأنّها صفقة تجارية، عبر الترغيب الاقتصادي للفلسطينيين باعتبار السلام الاقتصادي هو المدخل إلى الأمن، عبر معالجة لأزمات اقتصادية والترهيب بعقوبات اقتصادية وسياسية حال المعارضة للصفقة، بالإفقار الممنهج ورفع اليد عن مشروع السلطة الوظيفي.

وهذا ينسجم مع رؤية نتنياهو الذي يضع مع كوشنر دومًا اللمسات الأخيرة لملامح الصفقة؛ ولكن تخوفهم قائم من غزة الملتهبة، خاصة مع ما حدث في 14 مايو/أيار الماضي (مسيرات العودة الكبرى)، ومن هنا تتصاعد لغة معالجة حاجات غزة الإنسانية.

غزة هي الأكثر غموضًا في مشهد الصفقة التي بدأت أحاديثها تتفتق عن "غزة الكبرى" وضم أراضٍ من سيناء، ويزعم وزير إسرائيلي بأن نتنياهو يتبنى رؤية السيسي لدولة فلسطينية في سيناء؛ ذلك أن مشروع تبادل الأراضي بنطاقه الواسع غير ممكن، ويجري التفكير الآن في نطاق ضيق مع مصر عبر إقامة منطقة حرة على حدود غزة، ستتطور بميناء ومحطة توليد طاقة ومطار، والبعض يربطها بتوسيع المنطقة العازلة في شمال سيناء إلى (1500 كم)؛ وفق محافظ شمال سيناء.

وتربط منظمة رايتس ووتش عمليات التهجير الواسعة في شمال سيناء بمشروع تبادل للأراضي يصل إلى (720 كم)، مما دفع خالد عليإلى التلويح برفع دعوى قضائية لوقف صفقة القرن ووقف تفريغ رفح من أهلها باسم الحرب على الإرهاب.

لن يستطيع أي طرف أو قوة فرض صفقة ترامب على الفلسطينيين، وطالما لا يوجد طرف فلسطيني يقبل ذلك فلن تمرّ الصفقة. ويؤكد ذلك بعض الأكاديميين الإسرائيليين الذين حذروا أميركا وإسرائيل والأطراف العربية المساهمة في الصفقة، بأنهم سيكونون أمام الانتفاضة الفلسطينية الثالثة، كما حدث حينما رفض عرفات في كامب ديفد عرضًا أكثر تقدمًا من صفقة ترامب، فرفضها الفلسطينيون وفجّروا انتفاضة الأقصى

لكن مصر –وفقاً لصحيفة جيروزاليم بوست- ما زالت تعارض هذا المشروع، ويبدو أن لا ذكر خاصا لها في النسخة الجديدة من مشروع تصفية القضية الفلسطينية، ولعلّ مشهد الأزمات المتلاحقة في غزة هو بيت القصيد للقبول بأي صفقة، أو ربما الذهاب في اتجاه فرض حلول بالقوة العسكرية على غزة التي تبدو الشوكة الأصلب في مواجهة صفقة ترامب.

يتزايد حراك كوشنر/غرينبلات بزيارات سرية وعلنية للرياض والقاهرة وتل أبيب لإخراج صفقة ترامب؛ وعلى ذمة غرينبلات فإن الصفقة الآن في مراحلها النهائية، ومن ذلك السعي لخلق نخب إعلامية وفكرية تسارع لترويج العلاقة مع الاحتلال عبر تطبيع مُعلَن في شتى المجالات بما فيها المجال العسكري.

وستجعل الصفقة من إيران العدو الرئيسي للعرب، وسيتم إقناع قيادة المنظمة والسلطة الفلسطينية بالتنازل أكثر عن مشروعهما السياسي، عبر ابتزازهما بتوفير القيادة البديلة.

وبعض الأطراف العربية تتجاوب تحت وَهْم مجابهة إيران والمحافظة على الحكم، بينما تتخوف أطراف من النتائج مثل الأردن باعتبار المقدسات والوصايا الأردنية عليها ومخاطر الوطن البديل، أو إلحاق كانتونات الضفة به سواء بصيغة فدرالية أو كونفدرالية؛ بينما يبدو عباس في موقف حرج بسبب سقوط مشروعه السياسي.

لن يستطيع أي طرف أو قوة فرض صفقة ترامب على الفلسطينيين، وطالما لا يوجد طرف فلسطيني يقبل ذلك فلن تمرّ الصفقة. ويؤكد ذلك بعض الأكاديميين الإسرائيليين الذين حذروا أميركا وإسرائيل والأطراف العربية المساهمة في الصفقة، بأنهم سيكونون أمام الانتفاضة الفلسطينية الثالثة، كما حدث حينما رفض عرفات في كامب ديفد عرضًا أكثر تقدمًا من صفقة ترامب، فرفضها الفلسطينيون وفجّروا انتفاضة الأقصى.

صفقة ترامب تمس قضية فلسطين كقضية مركزية وفي القلب منها القدس، وتستهدف وعي الشعوب العربية والشعب الفلسطيني بحقوقه وخاصة حق العودة؛ وذلك يستدعي إعادة الاعتبار لصناعة الوعي العام بمركزية القضية الفلسطينية، وبناء موقف فلسطيني موحَّد وصامد بمصالحة جادة في مواجهة مشروع التصفية، وكذلك استنهاض الشتات الفلسطيني، هذا فضلًا عن النضال القانوني والدولي والإنساني.

وفي الميدان؛ فإن القدس والضفة وغزة لها دور خاص في تفعيل أدوات المقاومة كافة، سواء بانتفاضة القدس أو مسيرات العودة، أو غيرهما من أساليب النضال التي هي من حق الشعوب التي تقع تحت الاحتلال. وسياسيًا لا بد من بناء حلف القدس -كجبهة خارجية قوية- من دول وازنة، تقف في وجه الهيمنة الأميركية وفرضها لهذه الصفقة التي تنتقص من حقوق العرب والفلسطينيين.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.