بين فوز ترامب والدعوة لإسقاط الإسلام

People pray during the Interfaith Memorial Service at the Louisville Islamic Center for the late Muhammad Ali in Louisville, Kentucky, USA, 05 June 2016. Born Cassius Clay, boxing legend Muhammad Ali, dubbed as 'The Greatest,' died on 03 June 2016 in Phoenix, Arizona, USA, at the age of 74, a family spokesman said. A public funeral procession and memorial service will be conducted 10 June 2016 in Louisville.

ما الذي يبعثه فوز دونالد ترامب في الضمير المسلم، وقبله الضمير الأخلاقي العالمي؟ هل هو موقف التقييم الحقيقي دون وصاية الإعلام لمنتج الحضارة الأميركية، وخاصة بعد أن فضح فوز ترامب بتصويت كبيروقناعة شعبية واضحة عند الصناديق الملف الأميركي المطمور، وهو الذي يعلن جهارا إيمانه بالقيم العنصرية، وعداءه لكل مهجر إنساني يحطّ رحاله في أرضه، وتحويل برامج ومشاريع الحراك السياسي في العالم، بحسب مصالح المحفظة المالية للأميركيين، بغض النظر عن ما تجره من مآس وويلات على الأخرى.

أم هو اعتماده العرق الأنجلوساكسون، عرقا مقدسا يجب أن يأخذ حظوته من بلاد الهجرة العالمية (الولايات المتحدة الأميركية) دون بقية الأعراق، في خطب وتصريحات رسمية، وضجيج فاقع لحملته الانتخابية، ومع ذلك فاز، وسيتَسلّم مكتبه البيضاوي بعد أسابيع قليلة، فهل ما قاله ترامب غريب عن بنية الرأسمالية الأميركية الشرسة؟

الحقيقة أن حشدا كبيرا من الدراسات الأخلاقية والفكرية التقييمية للممارسة السياسية في التاريخ الأميركي، وعبر كتاب يساريين أميركيين وغربيين، وغيرهم من العالم الآخر انتهت إلى ذلك الأمر مبكرا، ومن يقرأ كتاب روجيه جارودي (الولايات المتحدة طليعة الانحطاط) يدرك ذلك جيدا، وبالأرقام والأحداث.

إن فوز أوباما الأميركي الأفريقي، لم يكن تطورا ديمقراطيا للحقوق المدنية، بل ظاهرة سطحية تلاشت فورا، وتحول التصويت بعدة نحو التوحش العنصري، كما أن ثقافة الحقوق اليوم هشة للغاية، وكأنما عادت لعهد كفاح مارت لوثر كنغ، لكن بمسميات أقل عداوة وبقوة ناعمة

الجديد أن الهجوم اليوم أضحى على الإنسان الأميركي ذاته، وأن آلية صناعة العملية السياسة الأميركية التي صدّرَت مبكرا تجار السلاح، والبرجوازية الاقتصادية الشرسة، وذراعها السينمائي والإعلامي أفضت اليوم إلى تقليص مساحة الحقوق الديمقراطية والدستورية للمواطن الأميركي ذاته، وأن تحالف الأقليات والجمهور الأكثر إنسانيا من ذوي الأصول الغربية في الحزب الديمقراطي الذي لم تختلف سياسته الخارجية، ضد العالم الآخر كثيرا، انهارت أصواته لذات السبب العنصري، فبسط الجمهوريون بتصويت شعبي سلطتهم التشريعية والتنفيذية.

أي أن فوز أوباما الأميركي الأفريقي، لم يكن تطورا ديمقراطيا للحقوق المدنية، بل ظاهرة سطحية تلاشت فورا، وتحول التصويت للتوحش العنصري رسميا بعده، وأن ثقافة الحقوق اليوم هشة للغاية، وكأنما عادت لعهد كفاح مارت لوثر كنغ، لكن بمسميات أقل عداوة وبقوة ناعمة.

هل هذا يعني أن التكييف القانوني والتقدم الحقوقي في التاريخ الأميركي، ومرجعية الدستور وصيانته للحقوق المدنية لأبناء الشعب والمهاجرين في التاريخ الأخير، كانت وهما، كلا ليس الأمر كذلك، فقد حقق هذا التقنين الدستوري الحقوقي وخاصة بعد تضحيات حركة الحقوق المدنية مساحة جيدة في الكفاح ضد العنصرية، وإقرارا للتكافل الدستوري، لكنها تتراجع اليوم، وتهدد فيها مساحة واسعة باعتراف كل المراقبين.

وليس ذلك يعني تبرير الاستبداد الرسمي، والتوحش المسلح الذي انتشر في أرض المسلمين، جراء تخلف ذاتي وتدخل غربي قديم وجديد، فلا يعني نقد الردة الحقوقية في الغرب تزكية لواقع المسلمين، ولا لأنظمتهم ولوائحهم الحقوقية، وإنما التوقف العميق مع حالة الهجوم الشرس التي ما فتئت تعتبر الإسلام كرسالة حضارة أغلال تخلّف، وتصر على اعتبار خطابات التحزب والوعظ القاهر للعقل والإنسان مرجعية المقارنة مع الغرب، وترفض أن تفهم فلسفته الأصلية وشريعته وتجربته التاريخية في الحكم الراشد.

فها هو النموذج الأميركي، وبإحصائيات دقيقة يتسبب بحروب فناء وإبادة وتخلف وأمراض، ومع تلك الرسائل في هدم مفاهيم الفضيلة والحقوق التي سخرتها آلته الإعلامية الضخمة التي احتلت جانبا كبيرا من عقل الشرق المحاصر والمهزوم، لماذا علينا إذن كفكر إنساني، أن نُعلن انتخاب الحضارة الغربية، ولماذا على المسلمين أن يعلنوا إدانة إسلامهم، وهذه قلعة الحقوق المدنية المزعومة تفكّك حصونها بيديها.

من المهم للغاية أن نتوقف بعناية واهتمام مع مقدمة الأستاذ الدكتور عبد الوهاب المسيري لكتاب المفكر الرئيس علي عزت بيغوفيتش رحمهما الله (الإسلام بين الشرق والغرب) فهذه المقدمة تجيب بعمق عقلي صلب وقناعة فلسفية ومصداقية عالية، وتوضّح أن فكرة إقامة حضارة مادية على الوجودية الغربية، منهارة أخلاقيا؛ لأن معادلة نزع الاعتراف بالروح وجحود رعاية خالقها، تقابله قاعدة الإسلام في المساوات البشرية أمام إيمان الروح وسموّها، ومراقبتها أخلاقيا، في حين تخلق الوجودية الغربية من الإنسانية مصنعا من الروبوتات في أجسام إنسانية, لا خلقا من الأحياء ذوي العقول والمعيار الأخلاقي, لكون المادة هي المرجع في كل قيم الحياة.

وبالتالي فأصل الفكرة الإسلامية بين الدين الحق والإيمان السامي، ومنهجه في إطلاق الحق الجسدي بضوابط الروح، واستخلافه لإعمار البشرية دون ثيوقراطية، ولا عدمية إلحادية، هو معادلة نجاح وتقدم للبشرية، حين تُفهم في مقاصد الحضارة الإسلامية التي انطلق بها علي عزت بيغوفيتش، وعبد الوهاب المسيري، وكل من أدرك مقام الفكرة والمقصد، لا خطاب التسييس الديني، أو خطاب القاصرين عن فهم حكمة الدين. وقس على ذلك فكرة تأسيس المجتمع ثم الدولة، وتنظيم الحقوق الدستورية فيهما.

مهمة المسلمين اليوم هي البحث عن مصادر التفوق الأخلاقي القانوني كما السلوكي في دينهم، وليس الاعتذار لأنظمة الاستبداد والتخلف الجبري، وذراعها الديني، ومهمة الإنسانية هي البحث عن قيم التقدم الروحي والجسدي معا، عبر قرار العقل المستقل، وليس عبر آلة الاستعمار الثقافي

وعليه فإن قصة العودة للهجوم على الإسلام، وانتشار موجات الإلحاد بحصار شبابه ومجتمعه الذي خُنق بين واعظ أحمق أو مرتزق أوسيف ظالم، وفوقهم مستبد دولي، انتهى إلى نازية جديدة في أرضه بعد أن أحرقت أرض غيره، فهل يعتبر هذا المصير الأميركي دعوة راشدة، وهل يعتمد كمسار أخلاقي حقوقي لاستبدال الدين أو الفكرة أو مرجعية الإنسان في الحياة.

إننا اليوم إذ نشهد هزيمة دورة تنظيم ديني متوحش كداعش (تنظيم الدولة الإسلامية) عبر أرضية خلقها استبداد في دار المسلمين، وحروب شنها الغرب المستعمر الشرس؛ نشهد بالمقابل، انتخابا لرئيس داعشي بمنظور معاكس، عبر ديمقراطية مكيّفة لمصالح البرجوازيين، وهو ما يمثل هزيمة فلسفية وأخلاقية وفكرية أعمق.

ولكن لماذا؟ لأن فوز ترامب بالتصويت الشعبي، وفوز الجمهوريين الأكثر ارتباطا بالرأسمالية، بآلة ديمقراطية مزعومة، تعتبر مسخا كليا لمنظومة الديمقراطية المدنية التي تكسر حواجز النفوذ أمام حق الشعب بالتصويت، وليس فقط السماح له، وتركه تحت وصاية الإعلام أو القوة البرجوازية، هذا الفوز لمناهضي الحقوق المدنية في ظل تجربة مديدة لعقود في النموذج الأميركي المسترخي من ضغط الحروب والصراعات إلا في خارج أرضه، كيف يعتبر بديلا أخلاقيا للمسلمين؟

نحن لا نتحدث عن آلية القوانين والحقوق والدسترة المدنية، ولا عن جوانب التشريعات الإيجابية في التاريخ الأميركي، ولكن عن خلاصات الرؤية وزحزحة الحق الشعبي، باستخدام صوته لنقض حقه، بعد كل هذه التجربة المخضرمة.

إن مهمة المسلمين اليوم هي البحث عن مصادر التفوق الأخلاقي القانوني كما السلوكي في دينهم، وليس الاعتذار لأنظمة الاستبداد والتخلف الجبري، وذراعها الديني، ومهمة الإنسانية كل الإنسانية هي البحث عن قيم التقدم الروحي والجسدي معا، عبر قرار العقل المستقل، وليس عبر آلة الاستعمار الثقافي.

الآراء الواردة في هذا المقال هي آراء الكاتب ولا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لقناة الجزيرة.